* «لو نزل ملاك من السما لن يحل مشكلات العرب» * قطر تلعب دورا أكبر من حجمها لمصلحة أطراف غير عربية * الجامعة في حاجة لتغيير مؤسسي.. ودور مصر في المنطقة تراجع لهذه الأسباب بعد مرور واحد وسبعين عاما على تأسيس جامعة الدول العربية، تأزمت الصراعات داخل الدول، ولم تترك الحرب بابا عربيا إلا طرقته، مما صعب المهمة المنوط بالجامعة تأديتها تجاه أعضائها، وسط تصاعد الانتقادات الموجهة لها بشكل مستمر. "فيتو" التقت السفير عادل الصفتي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، والذي أكد أن الأمور السياسية باتت أكثر تعقيدا عن ذي قبل، وأنه ليس من العدل إلقاء الفشل على عاتق الأمين العام للجامعة وحده، مؤكدا أنها - أي الجامعة - تقدم الكثير من الخدمات لأعضائها، بعيدا عن الملفات السياسية، وأن مطالبات إلغائها ستؤدي لنتائج غير مرغوب فيها، معربا عن تفاؤله باختيار وزير الخارجية الأسبق أحمد أبوالغيط لتولي منصب الأمين العام للجامعة خلفا لسلفه الدكتور نبيل العربي، وإليكم تفاصيل الحوار. * بداية.. البعض يرى أن اختيار مصر لأبوالغيط غير موفق ويعتبرونه وزير مبارك، ما رأيك؟ أي شخص سيكون مرشحا لمنصب الأمين العام للجامعة لابد وأن يكون تولى منصبا في عهد مبارك وعلى ذلك فليس من الممكن استبعاد كل من كان له دور في ذلك الوقت، ومبارك حكم مصر 30 عاما، فأى شخص ذى قيمة في مصر لا بد أنه تكون خلال الثلاثين عاما وهى تهمة غير صحيحة. * ماذا عن مطالب السودان بتدوير المنصب؟ وهل من الصحيح أن تخرج أمانة الجامعة عن مصر؟ فكرة تدوير الجامعة فكرة غريبة جدا لأن الأمين العام دائما ما يكون من جنسية دولة المقر، وبما أن ميثاق الجامعة ينص على أن مقر الجامعة يكون في القاهرة فبالطبع سيكون الأمين مصريا وهو ما تم تطبيقه منذ عام 1945 وحتى الآن، وحتى عندما نقلت الجامعة العربية إلى تونس كاستثناء، اختير حينها الأمين العام تونسى، وهو بذلك استثناء يثبت القاعدة، وبعد أن عادت الجامعة مرة أخرى إلى القاهرة تولى الدكتور عصمت عبد المجيد الأمانة تطبيقا للميثاق فأصبحت القاعدة مثبتة، وعليه فإن تغييرها أمر شديد الصعوبة ولن يلاقى إجماعا حتى وإن أراد أحد الأطراف ذلك. * هل يملك أبوالغيط رؤى تختلف عن «العربي» لحل الأزمات المتصاعدة بالمنطقة؟ أحمد أبوالغيط شخصية مختلفة جدا عن نبيل العربي، وبالتالى ستكون معالجته للقضايا مختلفة بموجب اختلاف الشخصية، ولكن الجامعة العربية في حاجة لتغيير مؤسسي، ولا بد أن تتفق الدول العربية على تفعيل دور الجامعة وبدون اتفاقهم، فلا فائدة حتى وإن جاء "ملاك من السماء" لن يفعل دورها إلا برغبتهم واتفاقهم على ذلك كما هو الحال في كل المنظمات الدولية. والسؤال الأهم هنا: هل الدول العربية مهتمة فعلا بتفعيل الدور الخاص بالجامعة أم أنهم لا يحيلون إليها إلا القضايا المعروف أنها لن تحل والموضوعات التي بها شبهة نجاح تحتفظ بها لنفسها وتحيل للجامعة القضايا صعبة النجاح. * لصالح من يحدث ذلك؟ ليس لصالح أحد الأعضاء، ولكنه لصالح العمل عموما، فهو من ضمن مكونات السياسة الدولية أن تحيل الدول إلى المنظمات الدولية الموضوعات صعبة النجاح، ففى حالة الفشل لا ينسب الفشل إلى دولة بعينها بل تتحمل المنظمة عن الدول الأعضاء عبء الفشل في إيجاد حل. * من وجهة نظرك، ما الملفات التي نجحت فيها الجامعة وما التي أخفقت فيها؟ وهل لها أعذار لذلك؟ بالطبع، تمكنت الجامعة من حل الكثير من الخلافات بين الدول وإنهاء حروب مستعرة بينها، ولكن إيجاد حلول جذرية منوط بالدول الأعضاء، أن تقوم بذلك بنفسها، حيث لا تستطيع المنظمات الدولية مهما كانت أن تحل وحدها إلا إذا امتلكت قوة فوق قوة الحكومات ووسائل لإجبارها على الحلول وهو ما ليس موجودا في المنظمات الدولية، وهناك دول تطالب أن يكون للأمم المتحدة جيش وأخرى طالبت بوجود جيش للجامعة العربية يتحرك ضد الدولة الرافضة للخضوع للحل لإجبارها على الالتزام ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن. * هل ترى أن تفعيل دور الجامعة في حاجة لأن يتم إعطاؤها قوة أو صلاحيات لإجبار الدول على الوصول لحلول؟ نظريا، يمكن أن يحدث ذلك.. ولكن عمليا لم يحدث ذلك على مدى التاريخ كله، على الرغم من أن الأممالمتحدة في الوقت الحالى لديها صلاحيات لإجبار الدول أقوى من الجامعة العربية وهو ما تعلمه الدول العربية ويجعلها تلجأ إليها. * ما الذي يحول دون إعطاء الجامعة صلاحيات قوية لتنفيذ ما تصل إليه؟ الدول العربية لا تريد أن تعطى للجامعة صلاحيات يمكن من خلالها فرض عقوبات على بعضها البعض. * وكيف ترى تفاقم الدور القطري في داخل الجامعة العربية؟ تلعب قطر على المستوى العربى والدولى دورا أكبر من حجمها الحقيقي، لأنها مستعدة أن تنفق على ذلك إنفاق من لا يخشى الفقر، على سبيل المثال تمكنها من الفوز باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم على الرغم من أن أمريكا كانت من بين الدول التي تنافسها عند الاختيار. * لماذا تفشل الجامعة حتى الآن في حل الملف السوري في أوقات تلعب فيه الأممالمتحدة دورا ملحوظا بذلك؟ لأن القوة الفاعلة في سوريا ليست قوى عربية، ومن أجل الوصول للاجتماع وإجبار الفصائل السورية المتصارعة على المشاركة بالمفاوضات كان هناك ما لا يقل عن 15 اجتماعا علنيا وغير معلن بين وزيرى خارجية أمريكا وروسيا، حتى تصل الأمور لإجبار الفصائل على الاجتماع بجنيف ولم يكن للمفوض الأممى ستيفان دى ميستورا دور فاعل في ذلك هو فقط من أعلن النتيجة، ولكن الحل الحقيقى تم بين الطرفين الأمريكى والروسى اللذين يدعم كل منهما أحد أطراف النزاع. * ماذا عن سد النهضة؟ وكيف يمكن للجامعة أن تلعب دورا في حل تلك الأزمة؟ ارتكبنا أخطاء كثيرة في محاولات حل تلك الأزمة كان أولها ما حدث بزيارة الرئيس المعزول محمد مرسي إلى أديس أبابا والتي بدأ العمل في بناء السد بعدها ب 24 ساعة، نظرا لأنه وضع التفاوض بشأن معتقلى الإخوان لدى إثيوبيا والمتورطين بمحاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك على رأس جدول أعماله هناك، فتركت مصر أزمة سد النهضة منذ أعوام دون حل معتقدة منها أن إثيوبيا لن تجرؤ على البدء في بنائه وهو ما كان تقييما خاطئا. الخطأ الثانى هو أن الجهات المصرية التي تستطيع القيام بمفاوضات ذات نتائج فعالة في ذلك الأمر سُحِب منها الملف وأعطى لجهات أخرى لا تستطيع ذلك في عهد مبارك. ويعتبر إعلان المبادئ الذي تم توقيعه مؤخرا بين مصر وإثيوبيا والسودان الخطأ الثالث والأكبر في تعامل مصر مع ذلك الملف حيث إنه لا يلزم الطرف الإثيوبى بأى شيء تجاه مصر، وعلى ذلك فلابد من وضع حد للمفاوضات مع إثيوبيا بالطريقة المتبعة الآن والتي أثبتت عدم جدواها وإخطارهم بأن أمامهم وقتا محددا، أسبوع على سبيل المثال، لحل مشكلة المكاتب المنوط بها إجراء الدراسات لبناء السد وإما ستتجه مصر إلى الأممالمتحدة ومحكمة العدل الدولية لإخطارهم بخطورة الأمر مع إخطار مجلس الأمن في الوقت ذاته مع طلب تعميمه لجميع الأعضاء لإعلامهم بتهديد السد الوجود المصري. للأسف، الأسلوب السلمى الذي تتبعه مصر حتى الآن يحتاج لشريك لم يظهر حتى الآن، كما أن الجامعة لا أظن أن يكون لها دور في ذلك لأن إثيوبيا لن تقبل تدخلها. الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لملحق "فيتو".