أزمات عربية بين «العُرف» و«القانون» أيهما سينتصر في النهاية، ففى مشهد مصغر لطبيعة العرب المحترمين للأعراف والمصريين على تطبيقها، وإن تنافت مع المواثيق الدولية والقوانين، بدت الأغلبية للمرشح المصرى لمنصب الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط بصورة طبيعية إلى حد كبير وإعلانه أمينا عاما للجامعة، على الرغم من تنافى ذلك الأمر مع بنود ميثاق الجامعة، وبدت المطالبات بتداول المنصب لوسائل الإعلام والمتابعين، كأنها ندية ومواجهة لمصر كدولة لا للعُرف. فجاءت كلمة نبيل العربى، أمام اجتماع وزراء الخارجية العرب في دورته العادية ال145، حاملة في طياتها التعجب والاستفهام لمن يرى ما يحاك من مؤامرات على العرب ومحاولات إفشال لم الشمل، حيث قال: «عملت جاهدا خلال السنوات الخمس الماضية التي توليت فيها منصب الأمين العام للجامعة على أن أحافظ على استمرار الالتفاف حول بيت العرب وعدم الانسياق وراء الأهواء»، وبطريقته التعجبية طالب مجلس الجامعة بإعادة النظر فيما يخص تعديل ميثاق الجامعة العربية، قائلا: «أتمنى أن تتمكن هذه القمة قبل انتهاء عملها من إقرار مشروع الميثاق الجديد». «الأمين العام» والخروج عن المألوف لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تطالب فيها دول عربية بتداول منصب الأمين العام، ففى الدورة الماضية لعام 2011 والتي رشحت فيها مصر مصطفى الفقى تداول المجتمع الدبلوماسى أنباء عن ترشيح قطرى لحمد بن جاسم، ثم رشحت عبدالرحمن بن حمد العطية بشكل نهائى، الأمر الذي دعا مصر إلى الدفع بمرشح يتوافق عليه جميع الدول للحفاظ على العرف السائد بأن يكون الأمين العام مصريا، فتم الدفع باسم يرضى الجانب القطرى، فقررت مصر سحب الفقى، ليحل محله نبيل العربى، الأمر الذي أعطى انطباعا للمتابعين بأنها مجرد رسالة للعالم بأن دولا عربية أخرى تمتلك كوادر لا تقل أهمية عن مصر، وللمرة الثانية للعام 2016 نجد أنه في الوقت الذي رشحت فيه مصر أبوالغيط، تداول دبلوماسيون أنباء عن ترشيح السفير السعودى بالقاهرة أحمد قطان، تلك الأنباء رأتها الأوساط الدبلوماسية بأنها توجه سعودى للخروج عن المألوف، وتوصيل رسالة إلى العالم بأن الخليج قادر على الريادة والمنافسة لتقلد المناصب الأساسية بالمؤسسات الدولية. من جهتهم، فإن مراقبين دبلوماسيين وجدوا أن التوقيت جعل الأمور تختلف كثيرا، حيث إن مصر في 2011، خصوصا وقت اختيار الأمين العام كانت متأثرة بأحداث ثورة 25 يناير، وكانت تفتقد الإرادة السياسية الرشيدة، فجاء نبيل العربى بترشيح إخوانى قطرى وإجماع عربى مرتقب، حيث بدت توجهات العربى منذ أن تلقى الخطاب الإيرانى الأول من نوعه من على أكبر صالحى للأمين العام للجامعة العربية، يهنئه فيه على منصبه الجديد ويطالبه باعتبار إيران دولة محورية في الشرق الأوسط مطالبين بالسماح لهم بحضور الاجتماعات والتشاور مع الجامعة العربية لدعم مزيد من التعاون معها، الأمر الذي وضع على شخصية العربى العديد من علامات الاستفهام. ووجد المتابعون لحركة التصريحات الأخيرة بشأن منصب الأمين العام، والعلاقات المصرية السعودية، بأن هناك توجها أيضا بطرح تعديلات على ميثاق الجامعة العربية، والاتفاق على نقل المقر الدائم للجامعة إلى الرياض، على أن يكون ذلك خلال القمة العربية المقبلة والمقرر عقدها في شهر يوليو من العام الجارى في موريتانيا. شروط قطر.. ودبلوماسية أبوالغيط لم يكن الإجماع على شخص أبوالغيط أمرا يسيرا، بل تكبد ذلك اجتماعات مغلقة على مدى يوم كامل، ومشاورات سبقته، فالسودان يقول إنه لا يعترض على أي مرشح مصرى، لكنه يعترض على شخص أبوالغيط، ومن جانبها مصر لم تضع مجالا للاختيار، كما ذكرت مصادر أن وزراء دول مجلس التعاون الخليجى الست عقدوا اجتماعًا مغلقًا لمناقشة تحفظ دولة قطر على المرشح المصرى أحمد أبوالغيط. ولكن ما دار خلف الأبواب المغلقة داخل مقر الأمانة العامة وقبل الإعلان عن الإجماع على أبوالغيط أمينا عاما، جاء أكثر إثارة، فها هي قطر مصرة على تقديم أبوالغيط اعتذارا رسميا لدولتها بعد تصريحاته ضدهم التي وصفتها قطر ب«الهجوم غير المبرر»، حيث انتهى الاجتماع على الاتفاق على اختيار أبوالغيط بتوافق الدول العربية، وليس بالتصويت مع تسجيل تحفظ دولة قطر، وتم انضمام وزير الخارجية المصرى سامح شكرى إلى نهاية ذلك الاجتماع لإعلامه بنتائج الجلسة. في مشاورات بين كل من شكرى وأبوالغيط، قرر الأخير القيام بجولة عربية تشمل «قطر» يتم خلالها إذابة التوترات، على أن يقوم الأمين العام الجديد بتوضيح موقفه من دولة قطر والتشاور معهم بشأن الفصل بين كونه مصريا وبين منصبة الجديد كمتحدث باسم العرب. على خلفية تلك الأزمات ومع إعلان الإجماع على أبوالغيط، وجد دبلوماسيون أن الاختيار انتصار للإرادة المصرية التي لن تتغير من أجل دولة أو غيرها، فيما رآها آخرون «خناقة على منصب الأمين العام في منظمة لا تمثل أهمية» في إشارة إلى تضاؤل دور الجامعة العربية، وأن ما يهم الشارع العربى ليس شخص المرشح ولا جنسيته وإنما إمكانياته ودوره وتصوره لتفعيل دور المنظمة التي يقودها. «قطر» تدير ظهرها ل«العربى» في مشهد لافت للنظر ومخالف لتقاليد الدبلوماسية، أدار وزير الخارجية القطرى الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، ظهره للمنصة الرئيسية خلال اجتماع وزراء الخارجية، وأثناء كلمة «نبيل العربى»، بحجة الحديث مع سفير دولته لدى القاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة السفير سيف بن مقدم البوعينين، الأمر الذي بدا غريبا، ودعا الحاضرين إلى التساؤل عما يحدث، وعلق المتابعون على هذا المشهد، مؤكدين أن الحديث ما بين قطر والعربى، جعل ممثلهم في الاجتماع يبدى استياءه من أداء العربى وإصرار مصر على مرشحها، وأشار إلى أن قطر كانت تأمل في أن يستطيع الأمين العام المصرى في مساعدتها في تغيير مرشح مصر أو التأثير على باقى الدول برفضه، الأمر الذي لم يحدث، حيث أجبرت قطر على وجود أبوالغيط، وجاء تحفظها فقط في إطار إعلام الدول بعدم رضاها على وجوده إلا بعد الاعتذار العلنى لدولتهم.