هنا لا تتعدى مفردة "العجب" سوى كلمة ملقاة دون عبء قد يثقل أكتافها في معاجم اللغة؛ إذ يتجسد أمامك التاريخ والحاضر والمستقبل في آن واحد، فلا يسعك إلا أن تطوف في حرم تلك الأزمنة وأنت مزهوًا بأجدادك، وراضيًا بحاضرك، ومستبشرًا بما قد يحمله المستقبل لهذا المكان. هو شارع المعز لدين الله الفاطمي، ما من كهل أو طفل إلا يعرفه، ويحفظ تاريخه في صدره المليء بالأحلام والرؤى. تمشي في حاراته المتعرجة كأنك تخطو بوابة فصل التاريخ الفاطمي والمملوكي بمادة التاريخ، ولكن لا يبدو شارع المعز وحده هو الأيقونة التاريخية بهذا المكان؛ إذ تشكل مجموعة الحارات الهامشية الموازية للشارع، تاريخا لا يقل ثقلا ولا أهمية. أنتيكات وأكثر ما قد يلفت انتباهك في تلك الحارات هم بائعو الأنتيكات المتراصون وكأنهم يكسبون الدفء والطمأنينة من اقتراب دكاكينهم من بعضها، على الرغم من أنهم يعملون جميعًا في بيع نفس المقتنيات، الأمر الذي يمكن أن يشكل بعض التنافس والغيرة، إلا أن تلك الهواجس لا محل لها وسط قلوبهم. "عدسات كاميرات قديمة، تحف، جرامافون، هواتف، آلات للطباعة، راديو" هي أكثر المقتنيات رواجًا في تلك الدكاكين، التي يبدأ سعرها من 50 إلى 5 آلاف جنيه وأكثر، على حسب قيمة التحفة نفسها، على الرغم من كساد حركة البيع والشراء في هذا المجال خاصة. أصل الحكاية ولو أنك استطعت أن تعود بتاريخ تلك المحال، ستجد أن معظم مالكيها هم ورثة لها، فليسوا بمحدثين على المهنة، وجميعهم كان يصطحبهم آباؤهم أو جدودهم إلى المكان، إلى أن اعتادوا على طريقة العمل وعشقوا المهنة، ليصبحوا ورثتها جيلا بعد جيل. ويقول "عم محمد"، أحد أصحاب المحال: إن المحل تعود ملكيته إلى جده الذي كان يصطحب والده إلى المكان طيلة الوقت، وما أن توفى جده حتى امتلك الوالد المكان وبدأ في إدارته، ليعيد الكرة ويصطحبه إلى هذا الحرم التاريخي المليء بالأصالة، ويشير "عم محمد" إلى أن المهنة لم تمت رغم جور الزمن عليها؛ إذ أن محبي التحف والأنتيكات رغم ندرتهم إلا أنهم مازالوا باقين ويترددون على المكان. ويضيف أن معظم زبائن المحل يكونون من الأجانب، إلا أن عددهم صار أقل من السابق؛ بسبب خفة وتيرة السياحة عن سنوات ما قبل الثورة، ويبدو بعض الزبائن حاليًا من الشباب الذي يقلب في التراثيات ويهفو قلبه إليها. مرسم وأضرحة ليس هذا فحسب، إنما تتسع الحارات الهامشية لتشمل بعض الأضرحة لعدد من أولياء الصوفية، مثل "الشيخ نصر الدين الأربعين" المجاور لبيت السحيمي، ومرسم للفنان محمود مرعي في قلب حارة مهمشة، ويشمل عددا من اللوحات الذي يتحد فيها التأثر بالتاريخ وصوفية وألق المكان نفسه. عربة أشد ما قد يثير المرء في جولة بهوامش تلك الحارات المجاورة للمعز، هي تلك العربة التي تشبه عربات الملوك قديمًا، التي كانت تقل الملكات والأميرات والأمراء بالخيول، فالعربة ملقاة في إهمال تام عبر نفق مظلم في إحدى الحارات المواجهة لبيت السلحدار، ولا يعرف أحد تاريخ تلك العربة، ولا لمن تعود، ولماذا لم يتم ترميمها وعرضها بالشارع نفسه ضمن خطة ترميم القاهرة التاريخية؟!