«وهنا تقدمت فتاة ملفوفة القوام, ترتدى ملابس ضيقة للغاية, فراحت تتلو القسم فى دلال ودلع كما يلى: «وحياة الأخوة.. خوة.. والجدعنة.. عنة.. لأحترم الدستور.. ستور.. والقانون.. نون.. وأحافظ ع البلد.. بلد .. من الأعادى.. عادى, ولو حد قرب ..قرب.. آكله بسنانى.. نانى» استيقظت بهية فى جوف الليل بسبب تململ زوجها الحاج مندور العايط عمدة كفر الخوخ فى فراشه فضلا عن رفساته التى نالت من السيدة المسكينة عدداً يكفى لإخراجها من الدنيا, فمدت يدها تزغد الرجل كى يصحو من نومه خشية أن يكون فى كابوس مخيف. فز الرجل مفزوعاً, وهو يشهق كما الغريق فى عرض البحر, فأمسك بجلباب زوجته فى حركة لا إرادية وكأنه شيخ الغفر يلقى القبض على أحد الفلاحين الخارجين على قانون الكفر, ثم راح يزعق بكلمة واحدة "شكلتها.. شكلتها.. شكلتها". أسرعت بهية لخارج الحجرة وعادت وفى يدها قلة وضعت فوهتها على فم زوجها وراحت تصب الماء فى حلقه وهى تربت على كتفه بقوة تفوق ما يفعله أحدهم بمن انحشر الطعام فى زوره وتوقف عن التنفس. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. هكذا قال العايط بعدما استعاد وعيه, ونظر لزوجته وحاجبيه يغطيان نصف عينيه الغائرتين ثم قال لها: كنت هموت يا هنية.. هنية: بعد الشر عنك يا سيد الكفر, مالك يا عمدة؟! العمدة: كابوس.. هنية: خير اللهم اجعله خير يا سيدنا.. العمدة: أنا بقيت رئيس الحكومة يا ولية! رقعت هنية زغرودة مدوية شقت جوف الليل الساكن, مهنئة زوجها بالمنصب الجديد, غير أنه نهرها وأمرها بالصمت, ثم حكى لها السر الذى كان يخفيه لأسبوع سبق تلك الليلة, فقد رأى الرجل فيما يرى النائم أنه قد استدعى من قبل رئاسة الجمهورية فلما ذهب رأى الرئيس مرتدياً جلباباً أبيض وطاقية شبيكة من نفس اللون, فانحنى العمدة مقبلاً يد الرئيس الذى ابتسم فى هدوء مخاطبا العمدة: قم يا رجل وارفع رأسك فقد مضى عهد الاستعمار, وهنا بدت فى الخلفية رائعة نانسى عجرم "لو سألتك أنت مصرى تقلى إيه .. قلى مصرى وابن مصرى وكل مصرى الله عليه". وعندما صلب العمدة طوله -لاحظ أننا مازلنا نحلم مع الرجل - قال له الرئيس: مبروك يا مندور.. أنا اخترتك وكلفتك بتشكيل الحكومة الجديدة.. فتوكل على بركة الله ولا تأتى هنا إلا وفى يدك ورقة بالتشكيل المقترح كاملاً, فمضى العمدة قافلاً إلى مملكته الصغيرة قبل أن يستيقظ من نومه, فكتم السر وتعاهد مع نفسه على عدم افشائه ولو لأقرب الأقربين. هنا رزعت هنية بكف يدها على صدرها وهى تصرخ: نهار أسود.. تخبى عنى أنا يا أبو عيالى يا عشرة عمرى؟! فى ضيق رد العمدة: يا هنية مش بيدى, أنا عبد المأمور, ولو خبرتك بالسر لراح عمرى هدر. هنية: وحلم الليلة, قصدى الكابوس؟ تنهد العمدة ثم بدأ يحكى لزوجته ما رآه فى منامه, فقد شاهد الرجل نفسه بالقاعة الكبرى فى دواره العامر مرتديا جلابية كشمير وعلى كتفه شال صعيدى يشبه ملاءة السرير, جالساً على دكة خشبية قديمة وبصحبته ثلاثة من أخلص رجاله, وهم عطية جبرونى شيخ الغفر, ومحمود العتال شيخ البلد, محروس ابن العمدة وذراعه الأيمن. العمدة: هاه يا جماعة, إيه الأخبار؟.. رسيتوا على حاجة؟ محروس: تقريبا كله تمام يا حاج.. جبرونى: إحنا تكلمنا مع كام نفر واتفقنا معاهم. العتال: بس إيه يا عمدة, حاجة لوز اللوز, كل نفر فيهم على الفرازة, علم إيه وأدب إيه وحلاوة إيه.. العمدة مقاطعا: إييييييييييييه!.. حلاوة وبقلاوة ولوز.. اخلصوا وورونى الورقة اللى فيها الأسامى. على الفور اخرج ابن العمدة ورقة كان قد اقتطعها من "شيكارة" أسمنت, وراح يتلو على والده الأسماء المقترحة للتشكيل الوزارى الجديد, بينما كان الرجل يتابع باهتمام وهو ينهل من كوب الشاى الأسود الذى يمسكه بكلتا يديه وكأنه يخشى أن يهرب منه, فبدا عليه الانبساط طيلة الوقت غير أنه انزعج لعدة لحظات كلما سمع اسما لا يعجبه. هكذا قص العمدة على زوجته رؤياه, ففرحت وكأنه حكى لها واقعا لا حلما أو بالأحرى كابوسا, فطلبت منه طلبا غريبا فقد قالت له إنه يجب عليه أن يعاود النوم مرة أخرى كى يرى فى منامه أعضاء الحكومة التى شكلها وهم يؤدون اليمين أمام الرئيس بالقصر الجمهورى, فنهرها فى بادئ الأمر لكنه سرعان ما فتن بالحكاية فقرر أن يندس تحت الغطاء لاستكمال الحلم! سبحان الله, فما أن غط الرجل فى سبات عميق ارتفع صوت شخيره الذى يضارع ضجيج قطار بضائع متهالك صنع أيام الإنجليز, حتى بدأ الفصل الأخير من الحلم العجيب فكانت هذه الصورة. داخل القصر الجمهورى وقف الرئيس وعلى يمينه اصطف العمدة – رئيس الوزراء- فيما بدأ الوزراء الجدد يتقدمون واحداً تلو الآخر لأداء اليمين ثم مصافحة الرئيس.. فتقدم رجل طويل بنصف شارب يشبه هتلر, يرتدى جلبابا وفوقه جاكت متهالك, فهمس العمدة فى أذن الرئيس: ده عبده أبو حسين يا ريس, كان فى الأصل مزين ومطاهر نص عيال الكفر, وأنا رأيته وزيراً للداخلية فهو أكثر من يفهم أدمغة الناس والكل يطأطئ الرأس أمامه ويخضع له لساعة أو بعض ساعة ! اندهش الرئيس مما يقوله رئيس الوزراء لكن ابتسامة واسعة ارتسمت على وجهه علامة لرضاه وإعجابه بعقلية العمدة الذى يزن الأمور بشكل مختلف, ثم راح يستمع للرجل وهو يواصل تقديم وزراء الحكومة الجديدة. وهنا تقدمت فتاة ملفوفة القوام, ترتدى ملابس ضيقة للغاية, فراحت تتلو القسم فى دلال ودلع كما يلى: "وحياة الأخوة.. خوة.. والجدعنة.. عنة.. لأحترم الدستور.. ستور.. والقانون.. نون.. وأحافظ ع البلد.. بلد .. من الأعادى.. عادى, ولو حد قرب ..قرب.. آكله بسنانى.. نانى" ثم رقعت زغرودة طويلة قبل أن يقترب منها العمدة واضعا فى صدرها ورقة بمائة جنيه على سبيل النقطة, وعاد ليشرح للرئيس المشهد ويكشف عن شخصية الفتاة والوزارة المرشحة لها. قال العمدة: أما هذه يا ريس فهى البت زبيدة الغازية, حاجة ملعب وتعجبك, واخترتها لوزارة الخارجية, والسبب كما تعلم لأنها أفضل من يحسن علاقتنا بالدول الخارجية حيث لديها قدرة غريبة ومدهشة على الإقناع, وأى رئيس أو مسئول أجنبى لا يأخذ فى يدها ليلة, أقصد غلوة. وهكذا توالى المشهد فيتقدم فلان يليه علان, لأداء اليمين, إلى أن جاء دور آخر الوزراء, وهو رجل قوى البنية وشاربه كث يرتدى فانلة مقلمة تشبه تلك التى كان يرتديها فريد شوقى فى فيلم "قلبى دليلى" بطولة ليلى مراد وأنور وجدى, فأخذ يتلو اليمين بينما العمدة يتحدث للرئيس: أما هذا يا ريس فهو شعبان العبدول, أكبر حرامى فى الكفر! الرئيس منزعجا: وكيف ذلك يا عايط؟.. حرامى يمسك الداخلية؟! العمدة: طبعا يا ريس, فهذا الرجل واحد من الحرامية ويعرف كل ألاعيبهم وبالتالى فهو الأقدر على التعامل معهم وكسر شوكتهم.. الريس ضاحكاً: تسلم يا عايط, يلا ربنا يوفقكم لحل مشاكل البلاد. بمجرد انتهاء الحلم, استيقظ العمدة منتفضا كما الفرخة المذبوحة, واستيقظت معه زوجته فقص عليها ما سبق فتعجبت المرأة من فزع زوجها طالما أن الحلم انتهى بذلك المشهد الوردى بين زوجها والرئيس, ففاجأها العمدة بشيء لم يخطر ببالها, مؤكدا أن الحلم لم ينته بمشهد أداء اليمين , فقد أعقب ذلك مشهد دموي حيث اندلعت ثورة ضد الوزارة التى فشلت فى حل مشاكل الناس بل أن حياتهم تعقدت أكثر وساءت لدرجة أنهم قرروا خلع الرئيس ومحاكمته ومعاونيه.