تنبيه: هذه القصة من وحى الخيال وليس على مؤلفها حرج إذا تشابهت أحداثها وشخصياتها مع أحداث واقعية معاصرة وأشخاص بعينهم.. لم يصدق عينيه وهو يرى تلك الفتاة ممشوقة القوام ملكة الفتنة والدلال, وهى تشير إليه بأصبعها من نافذة سيارتها الفخمة كي يقترب, فأخذ يتلفت حوله ذات اليمين وذات الشمال, ظنا منه أنها ربما تلوح لشخص آخر, لكنه تأكد أنها تقصده هو ولا أحد غيره, فما من أحد سواه فى الشارع الطويل. بحذر وبلاهة اقترب وفمه مفتوح كما «كبوت العربية», ثم أشار بسبابته نحو صدره دون أن ينطق بكلمة ففهمت أنه يريد التأكد إذا كانت تقصده هو أم غيره, فأومأت برأسها, وقالت : نعم, أنت تعالى. اقترب منها أكثر وقال: تحت أمرك يا فندم.. قالت فى دلال وهى تنظر إلى المقعد المجاور لها: اركب. فى ثانية, وربما أقل, فتح الباب وألقى بنفسه إلى جوارها, والابتسامة لم تغادر شفتيه ثم قال فى برود: هيا. سألت: إلى أين؟ أجاب: كما تشائين, فأنا طوع أمرك. ضحكت فى دلال, فصرخ: يا دين النبى, أموت أنا وأعيد السنة, كمان وحياة أبوكى كمان. انطلقت بالسيارة وفى دقائق وصلا إلى برج سكنى مرتفع, فنزلت وتبعها دون أن يسأل عن شيء, دلفت إلى المصعد فرافقها دون أن يسأل عن شيء, وفى الدور العاشر خرجت من المصعد ففعل مثلها دون أن يسال عن شيء.. وهكذا راحت هى تفعل وهو يحاكيها دون أن يفتح فمه, حتى وصلا إلى الحمام ففتحت له الباب وأمرته أن يأخذ «دش» ويرتدى ما سوف يجده من ثياب ثم يتعطر من تلك الزجاجة التى تفوح منها رائحة مدهشة لم يعتدها. وهكذا فعل الرجل كل ما تمليه عليه تلك الفتاة الحسناء دون نقاش أو استفسار, فلما خرج من الحمام, أدخلته غرفة نومها وأعطته حبة زرقاء فأمرته بابتلاعها مع جرعة ماء فسارع يلقى بها إلى جوفه واتبعها بكوب من الماء البارد الذى كانت قد أحضرته له ثم جلس على حافة السرير فرحا. كانت هى قد غادرت الغرفة, فغابت بعض الوقت, وفى هذه الأثناء أخذ الرجل يفكر ويتخيل كيف ستدخل عليه هى فى أى لحظة ويا ترى فى أى ثياب ستظهر؟! هو: آه.. مؤكد سيكون لونه أحمر, ففى مثل هذا الظرف لابد وأن يكون أحمر.. لا.. لا , بل أبيض مثل بشرتها.. لا, بل أسود, فالتناقض يصنع الإثارة! وهكذا أخذ يفكر فى لون الرداء الذى ستدخل به عليه, لكنه فضل الكف عن التفكير حتى لا يرهق ذهنه وهو مقبل على لقاء حار يجمعه وتلك الفتاة التى طالما حلم بها كلما رآها تمر بسيارتها تلك فى الشارع الذى اعتاد المشى فيه لأنه الطريق الوحيد الذى يسلكه للوصول إلى حيث يعمل.. وفجأة.. يتوقف الرجل تماما عن التفكير وينظر فى دهشة حين يجد فتاته مقبلة وبصحبتها خمسة من الرجال الأشداء ماركة «بودى جارد» ملاهى شارع الهرم, وتبدو عليهم هيبة ترعب العنتيل. هنا انقلب تفكير صاحبنا, وراح يتخيل سيناريوهات مخيفة لما قد يحدث له على أيدى تلك العصابة, وأخذ يسأل نفسه صامتا: ترى ماذا يريدون منى؟ فلوس؟ لا امتلك, فجيوبى أنظف من الصينى بعد غسيله.. إذن, هل يريدون قتلى؟ وما دافعهم لذلك فأنا شخص مسالم ويوما لم أؤذ أحدا أو أتلفظ بكلمة فى حق شخص ولو كان طفلا صغيرا.. دقائق من الصمت الرهيب مرت, هو يفكر, وهم لا يتحدثون بينما الفتاة تضحك.. تضحك.. تضحك وهو يرتعد لدرجة أن «بنطلونه» كاد يسقط عنه فأمسكه بيديه وهو يصرخ: ماذا تريدون منى؟ عاجلهم أحدهم مبتسما: ما لك يا ريس؟ قال مندهشا: ريس, لماذا تسخر منى, لو كنت تريد إيذائي فافعل دون سخرية, فقد مللت منكم جميعا.. أنت تسخر, وأبى كان يسخر منى, وحتى تلك الفتاة التى وقعت فى غرامها وعشقتها اتضح أنها تسخر منى.. قال آخر: اهدأ يا ريس, فكلنا صبيانك, وهذه خادمتك وملك يمينك! ذهب بعض الخوف عن وجه صاحبنا, لكن الدهشة ما زالت عالقة بملامحه, ثم قال: يا جماعة أنا لا افهم شيئا, عم تتحدثون؟ ردت هى فى دلع: اسم الله عليك يا أبو الرجال.. باختصار نحن عصابة وأنت زعيمها! قاطعها مستنكرا: زعيم إيه يا أختى؟ قالت: لا تعجب, فنحن عصابة تسرق البنوك والبيوت وتقتل لحساب الغير وتقوم بالتهريب وكل ما يخطر على بالك. قال هو: تشرفنا, لكن ما علاقتى أنا بهذا؟ يا جماعة أنا عيل «سيس» لا أستطيع ذبح فرخة ولا حتى كتكوت, بل إننى أخشى كسر بيضة لإعداد الإفطار, فكيف لى أن أصبح زعيم عصابة محترمة مثل عصابتكم هذه؟! هنا اقترب منه أحد البغال الخمسة وقال له فى ابتسامة صفراء: علشان كده إحنا اخترناك.. ثم ردد الجميع خلفه: لا هيدينى ولا يرقينى ولا فيه مصلحة بينه وبينى إلا بلدنا ونهب بلدنا, علشان كده إحنا اخترناك.. وافق الرجل على الأمر, لكنه تساءل كيف له أن يتصرف أو يتخذ قرارا فى المواقف التى حتما سيتعرض لها بعد توليه رئاستهم, خاصة أنهم أخبروه أن عصابتهم كبيرة وتضم آلافا من اللصوص والحرامية وقطاع الطرق والنصابين, أى ما يشبه الدولة, غير أنهم طمأنوه بأنهم دوما سيكونون بجواره وسيخبرونه ماذا يفعل وماذا يقول أولا بأول, كما أنهم زوجوه من تلك الفتاة بورقة عرفية ليكون وجوده بالشقة منطقيا أمام الجيران ومن يأتى لزيارتهم . تمت الصفقة فغادروا المكان الذى لم يتبق فيه سوى بطل حكايتنا «الخرونج» وفتاته, وحين ألمح لها برغبته فى الدخول بها لإتمام الزيجة, ضحكت كما لم تضحك من قبل وصدمته بقولها: أنت صدقت نفسك يا خرونج؟! سريعا تجاوز محنته, وبدأ الرحلة بنجاح ساحق دون عناء, ولم لا وهو لا يفعل شيئا سوى ما يأمرونه به وكذا لا يتحدث أو حتى يصمت دون إشارة من عصابته التى تحدد له كم مرة فى اليوم يمكنه دخول الحمام ومتى ينام ومتى يستيقظ.. كل ذلك لكنه أبدا لم يتوقف عن اشتهاء فتاته التى رغم زواجه منها إلا أنه هو الوحيد الذى لم تسمح له بالاقتراب منها, وفى إحدى محاولاته البائسة, راح يبكى تحت قدميها, فأغرق بدموع عينيه أرض الغرفة لكنها لم تلن وواصلت هوايتها فى إطلاق الضحكات المستفزة, فهم واقفا والشرر يطق من عينيه فمسح ما تبقى من دمع على وجنتيه وانطلق مسرعا.. إلى هنا انتهت قصة الرجل الخرونج لكن أحدا لا يعلم نهايتها, فلم يظهر هو سوى مرة واحدة كان فيها يقود السيارة والسرور يكسو وجهه والى جواره فتاته تلقى برأسها على كتفه والسكينة تغشاها, بينما صوت «أبو الليف» يصدح برائعته الخالدة.. « لا لا أنا مش خرونج.. أنا كينج كونج.. دانا وأنا رابط إيدى بلعب بينج بونج». ويقال إن الخرونج لم يعد خرونجا بعدما أبلغ عن عصابته واعتبرته المحكمة شاهد ملك هو وزوجته, وفى رواية أخرى يقال إنه استجمع شجاعته وقتل أفراد العصابة جميعا ودفنهم فى مقبرة سرية لا يعلم مكانها سوى الله.