نعاني في السنوات الأخيرة من تناقض واضح بين أدائنا لشعائر الدين، و العبادات من جهة ، وبين أخلاقنا وسلوكياتنا من جهة أخرى، و كأن هنالك ازدواجية حتى على مستوى الفرد الواحد منا، فتجد أحدنا مرتادا للمساجد ،محافظا على الصلوات، مواظبا على صيام رمضان وغيره ، مكررا للعمرة، والحج، حريصا على الإنفاق في وجوه البر المختلفة، بل و زادت أعداد المساجد و الزوايا و المصلين ،لدرجة أننا صرنا نرى الناس أيام الجمع و في رمضان يفترشون الشوارع والطرقات، زد على كل ذلك انتشار ظاهرة إعفاء اللحية ، و لبس الحجاب بل و الإسدال و النقاب في كل مكان ، اضف لكل ما مضى كثرة القنوات الدينية، والبرامج الإسلامية و كثرة المشايخ والمفتين والمتكلمين في الدين.. كل هذا يجعلك تتوقع مجتمعا غاية في النبل والأدب والأخلاق، بل قمة في الحضارة والتقدم والبناء والعلوم والفنون و الآداب والابتكار والإبداع في كل المجالات، كما كان ذلك كذلك ثمرة حقيقية للتدين الحقيقي في جيل الصحابة، الذين تربوا على يد من قال الله فيه و له ( وإنك لعلى خلق عظيم) ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) والذي أعلن العلة من بعثته صلوات الله وسلامه عليه قائلا :" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " والذي كان خلقه القرآن، فكان لأصحابه مثال يحتذى في الأدب والخلق والعلم والفهم والإدراك و الوعي والتحضر والإنسانية ففتح الله عليهم البلدان ، وصاروا قادة للأمم، بعد أن كانوا مجرد رعاة للغنم ، و أقاموا حضارة بل حضارات في كل البلاد التي فتحوها، بل عبرت تلك الحضارات مضيق جبل طارق إلى أوروبا، لتعلم الأوربيين العلوم و الفنون والآداب والقيم و المبادئ والأخلاق ، فقامت الحضارة الأوربية على أنقاض الحضارة الأندلسية وما الحضارة الأمريكية إلا امتداد للحضارة الأوروبية فالفضل في تلك الحضارات كلها بعد الله سبحانه و تعالى الذي ( علم الإنسان ما لم يعلم ) لأجدادنا العظام من الصحابة رضوان الله عليهم و التابعين لهم بإحسان ممن فهموا الإسلام فهما صحيحا، فأثمر فيهم أدبا وعلما وخلقا حميدا وفضلا وجودا وكرما، وإحسانا وإيثارا وعطاء وبناء وحضارة وعلوما لا تعد ولاتحصى في أمور الدين، والدنيا فإذا عدنا لنتأمل حالنا وجدناه عكس ذلك تماما، فشعوب مسلمة كثيرة العدد تصلي و تصوم وتحج ولكنها يغلب عليها الجهل والفقر والمرض والتخلف وسوء الأخلاق و الفوضى والعشوائية والتشرد والتشرذم والخرافة والدجل والشعوذة والبلادة وكثرة الحوادث والجرائم وقطع الطرق والسلب والنهب بل والقتل واغتيالات هنا وهناك حتى لبعض الزعماء و الرؤساء باسم الدين والجهاد (و الإسلام بلا شك من كل هذا براء)