ستظل مصر دولة وشعبا دائما فى دائرة اللامعقول فهى دائما خارج نطاق التوقعات، كما أنها تختلف عما يحدث فى مثيلاتها من الدول .. فحينما كان العالم كله يعانى من أزمة اقتصادية خانقة، كانت مصر تعيش فى ملابسها التى تعودت ان يراها بها العالم دائما، من جوع وفقر لايقتل ولا يشبع ويظل المواطن المصرى يتأرجح ما بين رغبة فى الحياة وامنية بالراحة من شقاء هذه الحياة ولو بالموت ..هذه الغرابة والاختلاف من الممكن ان تقيس عليها كل مناحى الحياة فى مصر اجتماعية وسياسية ورياضية وهذا المفهوم الخلافى هو الذى يمكن ان يفسر لنا ماسورة القوى السياسية المعارضة التى ضربت فى الشارع السياسى المصرى .. فحينما كنا نبحث عن قوى سياسية يمكن قبولها كطرف اخر فى معادلة الانتخابات التشريعية الماضية لم نجد احدا وكان الاختيار منحصرا بين الاخوان والسلفيين .. وفجأة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية انفجرت ماسورة انشاء قوى معارضة لنظام الحكم الاسلامى الجديد، فوجدنا حمدين صباحى ينشئ التيار الشعبى، ومحمد البرادعى حزب الدستور ، وعمرو موسى تحالف الامة مع حزب الوفد وحتى الهارب احمد شفيق وعد بانشاء الحركة الوطنية المصرية، هذا بالإضافة الى انشقاق بعض اطراف القوى الاسلامية نفسها مثل حزب الامة لحازم ابو اسماعيل، وحزب مصر القوية لعبد المنعم ابو الفتوح، وحزب مصر لعمرو خالد، وغيرها حتى لاتضيع المقالة فى ذكر هذه القوى .. والحقيقة ان تعدد القوى السياسية بالتأكيد هو ظاهرة صحية كما انه امر طبيعى فى مجتمع يعاد تشكيل كل ما فيه، وعلى رأسه خريطة العمل السياسى، ولكن غير الطبيعى ان تكون هذه القوى التى تعمل بالسياسة غير قادرة على قراءة الواقع السياسى ..فكثرة القوى التى تنتمى الى تيار سياسى واحد بالتأكيد يفل بعضها بعضا، وتأكل جميعها من نفس الكعكة، كما أن القياس على الانتخابات الرئاسية الماضية والقول ان الشارع منقسم الى قسمين هو قياس خاطئ ، ويحمل بين جنباته سذاجة سياسية تصل الى حد الجهل بالسياسة وبسيكولوجية الشعب المصرى، فليس كل من اعطى حمدين سيعطى التيار الشعبى، وهكذا مع ابو الفتوح وعمرو موسى وحازم ابو اسماعيل، وانما دائما هناك متغيرات فى الواقع، منها ان المصريين يعشقون الاستقرار، وهو ما بدأ يتحقق نسبيا، فلن يخاطر المصريون تحت اى دعاوى بالعودة الى ما عاشوه طيلة 18 شهرا بعد الثورة .. كما ان هؤلاء جميعا سيتنافسون فيما بينهم، بينما سيظل الاخوان فى مربعهم لم ينتقص منه شيء ، لذا فليس كما يرى البعض ان الاخوان غاضبون لعدم عودة البرلمان، بالعكس فهم اكثر الناس سعادة ،لأنهم يعلمون انهم اذا كانوا قد حصلوا على 47 بالمائة فى الانتخابات الماضية، فإنهم سيحصلون على نسبة اكبر فى الانتخابات القادمة .. ألم اقل لكم سابقا إن الاخوان لايعتمدون على شطارتهم فقط، وانما يعتمدون اكثر على غباء الآخرين .