لأكثر من ثلاثين عاما، ظل الفساد يتوغل وينتشر فى مصر.. لأكثر من ثلاثين عاما، ظلت أراضى المحروسة نهبا لأصحاب الحظوة وأرباب النفوذ.. لأكثر من ثلاثين عاما، ظل رجال الأعمال يستولون على أراضى طريق «القاهرة – الاسكندرية» الصحراوى بملاليم بحجة استثمارها زراعيا، ثم حولوها إلى قرى ومنتجعات سياحية وفيلات وشقق فاخرة وحققوا من وراءها ثروات بالمليارات.. تقول الأرقام إن عددا كبيرا من هؤلاء، حصل على 30 ألف فدان بمتوسط سعر 200 جنيه للفدان الواحد بقصد استصلاحها وزراعتها، أى أن إجمالى السعر لا يزيد على 6 ملايين جنيه تم دفعها بالتقسيط.. وبعد أن خالف رجال الأعمال شروط التعاقد وحولوا الأرض الى الاستثمار العقارى، قفز سعر الفدان بحسب تقديرات الخبراء الى أكثر من مليون جنيه.. وبحسبة بسيطة نجد أن فارق السعر يصل إلى 30 مليار جنيه.. هذا المبلغ لو تم استرداده لأنعش خزينة الدولة وحل الكثير من المشاكل الاقتصادية، ولأغنانا عن قرض صندوق النقد الدولى وشروطه المجحفة.. ولسنوات طويلة أيضا دار صراع بين حيتان الطريق الصحراوى، وبين بعض الشرفاء فى الدولة، وفى كل مرة كان الحيتان ينتصرون بفضل دعم النظام المخلوع.. أما الآن وبعد الثورة فالأمل أصبح كبيراً فى استرداد تلك الأموال الضائعة ومحاسبة المسئولين عن إهدارها. ومؤخراً علم محقق «فيتو» أن نيابة الأموال العامة والمكتب الفنى لرئيس هيئة النيابة الإدارية، وجهاز الكسب غير المشرع فتحا تحقيقات موسعة وفى سرية تامة حول مخالفات أراضى طريق «القاهرة– اسكندرية» الصحراوى تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتورطين فى إهدار تلك المليارات من كبار المسئولين السابقين والحاليين والذين تقاعسوا عن اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين، ورجال الأعمال الذين استغلوا الأراضى فى غير الغرض المخصصة له وربحوا الملايين دون وجه حق.. وربما تتم إحالتهم للمحاكمة خلال الفترة المقبلة. المحقق ومن خلال مصادره الخاصة فى الجهات القضائية المختلفة.. استطاع الحصول على تقرير سرى عن أراضى طريق القاهرة - إسكندرية الصحراوى.. يتضمن المساحات المخصصة لنحو 25 شركة استثمارية والغرض من التخصيص والمخالفات التى ارتكبتها تلك الشركات.. وهو التقرير الذى تعتمد عليه الجهات القضائية فى تحقيقاتها.. وفى السطور التالية يستعرض بعضا مما جاء فيه عن مخالفات. أولى هذه الشركات هى شركة «الفتوح» ويمثلها رجل الأعمال حسام أبو الفتوح.. والتى حصلت على 492 فدانا من أراضى طريق مصر إسكندرية الصحراوى، بموجب عقد موقع بينها وبين الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، بغرض إقامة مشروعات زراعية عليها، ولكن الشركة خرجت عن بنود العقد وأنشأت فيلات ومنتجعات على مساحة كبيرة من الأرض ولم تنشئ أى مشروعات زراعية عليها.. وبعد إجراء المعاينات اللازمة وفحص ملف الشركة من قبل لجنة فنية متخصصة.. أوصت اللجنة بفسخ التعاقد واتخاذ الإجراءات القانونية لاسترداد الأرض. ثانى تلك الشركات هى شركة «صن ست» (محمد الجمال وآخرين).. وعنها يقول التقرير إنها حصلت على «502» فدان بموجب عقد محرر بينها وبين الهيئة فى 28 أغسطس عام 1996، ثم حصلت على قطعة أرض مساحتها 198 فدانا بموجب عقد إيجار قابل للتجديد، ثم عقد بيع لتلك المساحة، وكان الغرض من بيع تلك الأراضى هو إنشاء مشروعات زراعية متنوعة.. وفى عام 2011 أجريت معاينة لكامل المساحة فتبين أن 95% منها أرض بور ولم تستصلح، ونسبة ال«5%» الباقية عبارة عن نجيل وبعض أشجار الموالح.. كما وجد بها شبكة طرق أسفلتية و245 فيلا تزيد مساحة الواحدة على 3500 متر مربع.. وقد أوصت لجنة المعاينة بضرورة فسخ تعاقد هذه الشركة فورا. ثالث الشركات.. كانت شركة «الريف الأوربى» ويمثلها رجل الأعمال عبد الله سعد.. يقول التقرير: «حصلت الشركة فى عام 2005 على «353» فدانا بطريق مصر إسكندرية الصحراوى بسعر 3 آلاف جنيه للفدان الواحد، وسددت الثمن بالكامل، وحصلت على جميع الموافقات الرسمية، غير أنه تبين بعد ذلك أن موافقة وزارة مزورة.. وفى عام 2007 صدر قرار من الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية بفسخ العقد غير أن هذا القرار لم ينفذ».. وأشار التقرير إلى أنه من الأمور الغريبة أن الهيئة باعت مساحة 90 فدانا لذات الشركة مقابل 200 جنيه فقط للفدان الواحد استنادا لقرار وزارى بالمخالفة للقانون، ما تسبب فى إهدار مبالغ ضخمة من المال العام.. أيضا أكدت المعاينات عدم استخدام الأرض فى المشروعات الزراعية، بل شيدت على مساحة 40% منها فيلات ومنتجعات. أما الشركة الرابعة.. فهى شركة «أميكو مصر» السليمانية.. الواقعة غرب الطريق الصحراوى القاهرةالإسكندرية.. وقد أوضح التقرير القضائى أنه تم تسجيل وتوثيق عقدين محررين بين الشركة، وبين الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، دون أن تسدد الشركة وممثلها القانونى سليمان عامر دون سداد كامل الثمن.. كما أنه ثبت من خلال المعاينات عدم استغلال الشركة الأرض فى الغرض المخصصة له وهو إقامة مشروعات زراعية، وإنما أنشأت عليها مشروع سكنى سياحى تحت مسمى «جولف السليمانية» تتخلله حدائق وبحيرات صناعية، وذلك بإنشاء 498 فيلا بمساحات مختلفة، وملاعب جولف وملاهى وفنادق وحمامات سباحة ومطاعم وغيرها.. وأشار التقرير إلى أنه فى عام 2005 قرر مجلس إدارة الهيئة فسخ عقدى بيع الأرض لتلك الشركة، غير أن الهيئة لم تفعل هذا القرار.. الأغرب من ذلك أن اللجنة الوزارية لفض منازعات الاستثمار أوصت بتحصيل 2000 جنيه للفدان مقابل التغاضى عن تلك المخالفات أى بواقع 48 قرشا للمتر دون أخذ رأى اللجنة العليا لتثمين أراضى الدولة أو استصدار قرار جمهورى بتعديل الغرض الذى خصصت له الأرض مما أضاع على الدولة ملايين الجنيهات. الشركة الخامسة التى وردت فى التقرير القضائى هى شركة «سوزى لاند».. وقد حصلت على نحو 399 فدانا بغرض الاستثمار الزراعى، غير انها أقامت مبانى وفيلات على مساحة 100 فدان أى اكثر من 25% من المساحة الكلية، وهو مخالف لشروط التعاقد التى تلزم الشركات بالبناء على مساحة 2% فقط من المساحة.. وقد أوصت اللجان المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية لفسخ العقد مع الشركة وإعادة الأراضى للدولة وهذا ما لم يحدث حتى الآن. أما الشركة السادسة.. فهى شركة «الأمل» للاستثمار الزراعى.. وقد حصلت حسب التقرير على 600 فدان من أراضى طريق مصر اسكندرية الصحراوى عام 2000، وفى عام 2006 صدر قرار بفسخ عقد تخصيص الأرض لعدم جدية الشركة على أن يتم بيع الأرض فى المزاد العلنى.. وفى عام 2011 وردت معاينة تفيد بأن الشركة تضع يدها على مساحة 693 فدانا، وقامت بتقسيم مساحات كبيرة منها الى قطع صغيرة وتصرفت فيها بالبيع لآخرين.. وأكدت لجنة المعاينة أن وضع يد الشركة على الأرض يعد من قبيل الغصب وهو ما يستلزم إبلاغ النيابة والجهات المختصة للتحقيق وهو ما لم يحدث حتى الآن. الشركة السابعة التى رصدها محقق «فيتو» فى التقرير السرى هى شركة «ساندورينى» للاستثمار الزراعى.. وهذه حصلت من الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية على مساحة 222 فدانا من أراضى طريق مصر إسكندرية الصحراوى بغرض استصلاحها وزراعتها، وفى عام 2008 أجريت معاينة للأرض اتضح منها أنها تحولت إلى مدينة سكنية تتضم 175 فيلا، واسطبل خيول على مساحة 166 فدانا تتخللها بعض الشجيرات.. وفى عام 2009 صدر قرار بفسخ التعاقد واتخاذ إجراءات استرداد الأرض ولكن هذا القرار لم ينفذ حتى الآن. وتناول التقرير القضائى وبشكل تفصيلى مخالفات شركات أخرى أبرزها «صحارى فورتى سفن» سامية شركس، ووادى النخيل، وشهاب مظهر، والشركة المصرية الخضراء، والوصل لاستصلاح الاراضى واستزراعها، والشركة المتحدة «فردى»، والثورة الخضراء، وحدائق العزيزية، وغيرها من الشركات التى حصلت على الأراضى بملاليم وباعتها بالملايين بالمخالفة للقانون. كلف المستشار عنانى عبدالعزيد رئيس هيئة النيابة الإدارية المستشار سامح كمال رئيس المكتب الفنى بسرعة إنهاء تحقيقات للوصول إلى العدالة المنشودة.