جامعة عين شمس تطلق النسخة الكبرى من الملتقى التوظيفي لعام 2025 (التفاصيل)    وزارة العمل تعلن عن 2914 فرصة عمل جديدة في 13 محافظة ضمن نشرة التوظيف نصف الشهرية    بعقد 150 ندوة علمية.. أوقاف الفيوم تواصل فعالياتها التثقيفية والدعوية لترسيخ القيم الدينية    محافظ أسيوط: نشر الوعي بمخاطر الإدمان مسؤولية مجتمعية    «القومي للطفولة والأمومة» ينعى الأطفال ضحايا حادث "التروسيكل" بأسيوط    وزير الزراعة يبحث مع نظيره السوداني تعزيز التعاون المشترك    كامل الوزير يوضح حقيقة عرض مصر على السعودية أرض مصنع الحديد والصلب بحلوان    الإسكندرية تبدأ توسعة طريق الحرية.. مشاريع لتحسين الحركة المرورية لمدة شهر كامل    إنعقاد الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي بين مصر والهند    ميناء العريش يستقبل سفينة مساعدات تركية محملة ب900 طن لقطاع غزة    الضفة.. إصابة 4 فلسطينيين باعتداء مستوطنين على موسم جني الزيتون    الاتحاد الأوروبي يخطط لاستخدام أصول روسية مجمدة لتمويل قرض ضخم لأوكرانيا    أرتيتا: الفوز بالمباريات الحاسمة طريق أرسنال للتتويج بالدوري الإنجليزي    تفاصيل هجوم انتحارى قرب الحدود الأفغانية ومقتل 7 جنود باكستانيين    اليوم.. 3 مواجهات قوية في الدوري الممتاز    حمد الله يغيب عن مواجهة الشباب والأهلي في الدوري    برشلونة يعلن غياب فيران توريس عن مواجهة جيرونا    منتخب مصر يتقدم للمركز ال 32 عالميا والثالث أفريقيا    الزمالك في معسكر مغلق اليوم لمواجهة بطل الصومال بالكونفدرالية    أمن القاهرة يستجيب لسيدة مريضة وينقلها إلى المستشفى لتلقي العلاج    الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة: فرص ضعيفة للأمطار    ضبط شخصين احتجزا سمسارا وأجبراه على توقيع إيصالات أمانة بالقاهرة    إنقاذ مسن احتجز داخل شقة بالطابق الخامس في مدينة نصر    هيئة السكة الحديد تعلن مواعيد قطارات المنيا – القاهرة اليوم    الأقصر أرض التاريخ المصرى القديم تستضيف 100 مغامر أجنبى من 15 دولة بفعاليات رياضية الباراموتور.. بهجة وفرحة بين الأجانب بالتحليق المظلى فوق معابد ومقابر الملوك وشريط نهر النيل.. ومغامر فلسطينى يشيد بسحر المشهد    القضاء الإدارى يواصل تلقى الطعون على مرشحى مجلس النواب    ماجدة خير الله تنتقد مهرجان الجونة بسبب محمد سلام.. اعرف التفاصيل    معاون وزير السياحة: إطلاق الموقع الإلكتروني للمتحف المصري الكبير نقلة نوعية في تجربة الزائر    عبد الرحيم كمال ينعي الفنان أشرف بوزيشن: كان رجلا طيبا وجميلا ربنا يرحمه    عيسى زيدان: نقل الآثار ليس سهلا ويتطلب خبرات خاصة وإجراءات دقيقة    «الثقافة»: بهو المتحف المصري الكبير سيشهد تعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني    فيلم "أوسكار: عودة الماموث" يحقق إيرادات مليونية ويقدم تجربة سينمائية غير مسبوقة    الاتصالات والسياحة توقعان بروتوكولين لرقمنة التراث المصري ورفع كفاءة خدمات الاتصالات بالمواقع الأثرية    عالِم أزهري: «ادفع بالتي هي أحسن» قانون إلهي في تربية النفوس ونشر الخير    الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    استشاري يكشف العلامات المبكرة لتأخر اللغة عند الأطفال من الشهور الأولى (فيديو)    وزير الصحة يبحث مع وفد المجلس التنفيذي لاتحاد المستشفيات العربية سبل التعاون في دعم القطاع الصحي    السبكي: منظومة الدواء في التأمين الصحي الشامل إلكترونية بنسبة 100%    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب مقاطعة "ايلوكوس نورت" الفلبينية    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    أسماء المرشحين على مقاعد الفردي بدوائر محافظة مرسى مطروح لانتخابات مجلس النواب 2025    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    ننشر أسماء ضحايا ومصابي الحادث المروع بطريق شبرا بنها الحر    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 17اكتوبر 2025فى المنيا.....اعرفها بدقه    8 قرارات جمهورية مهمة ورسائل حاسمة من السيسي بشأن أضرار سد النهضة الأخيرة    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    كريم وليد: صعب أنتقل للزمالك.. كولر مدرب عادل وموسيماني لم يتحمل الضغوط    جامعة قناة السويس تطلق دورة تدريبية لمواجهة الأزمات والكوارث بالتعاون مع "الكشافة الجوية"    نيوزيلندا تعيد فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي    اليوم.. المصري في ضيافة الاتحاد الليبي بذهاب الكونفيدرالية الأفريقية    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يخوض المران الختامي اليوم استعدادًا لمباراة «إيجل نوار»    حقيقة ارتفاع أسعار مواد البناء خلال الفترة المقبلة بسبب إعمار غزة    ننشر تعريفة الركوب الجديدة لسيارات الأجرة والتاكسي بالخطوط الداخلية والخارجية بالمنوفية    محافظ بورسعيد يعتمد تعريفة الركوب الجديدة بعد زيادة البنزين والسولار الجديدة    أشرف زكي: لا يوجد أي منصب في الدنيا يجعلني أترك النقابة.. والاستقالة لسبب داخلي    تفاصيل لا يعرفها كثيرون.. علاقة فرشاة الأسنان بنزلات البرد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اضربوا الجهلاء..واركبوا الأغبياء!
نشر في فيتو يوم 02 - 10 - 2012

خلقه الله فى طبيعة متمردة،لا يعجبه شيء،سخريته لاذعة وحاضرة دائما،وناقد لأى وضع لا يروق له، يكره الحمقى والأغبياء والجهلاء وثقلاء الدم، ولا يتعاطف معهم،ولا يجدهم قوما يستحقون إشفاقا أو رحمة، ينفر منهم ويقاطعهم، ولا يجد فى ذلك حرجا.
هو واحد من أبرز أعلام القرن العشرين، ثقافته وأسلوبه الساخر وقصائده خلدته ووضعته على رأس الصفوة من الكتاب والصحفيين، شاعر موهوب، له قاموسه ورؤيته ورومانسيته الحالمة، عاش حياته عاشقاً، محباً، ولهاناً، ومن الحب سطر أجمل القصائد ، والحب أيضا قتله، ورغم كل قصائد الحب إلا أنه كان واحدا من أشهر عزاب القرن العشرين فلم يتزوج، لأنه كان يحب المرأة و يخشاها !!
لم يعمر كثيرا،انتزعه طائر الموت من الحياة، قبل أن يكمل عامه الستين بأربع سنوات، غير أن أعماله الشعرية، قاومت الموت، وظلت على قيد الحياة، تزداد توهجاً، عاماً وراء عام.
إنه الصحفى والأديب والشاعر، كامل الشناوى، الذى جسد حالة إبداعية نادرة، فغنى له مشاهير الطرب، أغانيه الرومانسية،مثل: «أم كلثوم» و»نجاة»،»عبد الحليم حافظ»،و»فريد الأطرش»..زرناه حيث يعيش فى مثواه الأخير،وسط نخبة من ندماء العمر،وأصدقاء الرحلة،و»أكوام» الكتب والصحف والمجلات..
في الرابعة عشرة من عمره، بدأت خيالات الشعر تراود «كامل الشناوى»، تكلم فقال شعراً ، وتألم فقال شعراً، ومع ذلك فإن الرجل الذى ظل يقول الشعر طوال حياته،القصيرة نسبيا، لم يصدر له سوى ديوان واحد بعنوان « لا تكذبى «، أما باقى القصائد التى نظمها فقد رفض نشرها على أساس أنها تخصه وحده.
ها هو «كامل الشناوى» فى انتظارى ،كما تواعدنا، بادرتُه بالسلام، فسلّم، وباغتنى بضحكة ساخرة أربكتنى، لم أفهم مغزاها، ولم أستوعب معناها فى بادئ الأمر،لكننى تجاسرتُ على نفسى، فعاود من جديد استفزازى متسائلا:»هو فيه حد يعمل حوار صحفى مع واحد ميت»؟، فأجبتُه:إذا كانت هناك قاعدة تقول:إنه إذا عض كلب إنسانا، فإن هذا ليس خبرا،إما إذا عض إنسان كلبا، فإن هذا يكون خبرا جديرا بالنشر،لذا فإن إجراء حوار مع «ميت» أصعب من إجرائه مع «حى»، كما أنك بإبداعك لا تزال «حيا» بيننا،أو تحديدا بين أدعياء الرومانسية، ورسل الحب الكاذب، فاستحسن ردى إلا قليلا، ووصفه بالماكر، قلتُ له:لم يخلقنى ربى ماكرا، ولا أحب الماكرين، فأقسم بالله جهد أيمانه،أنى «ماكر»، ولذا فإنه لا يمانع من أن يمنحنى شرف إجراء حوار معه بعد رحيله، وإن اشترط علىّ ألا أحرّف كلامه عن مواضعه، فوعدتُه، فوافق، رغم إفصاحه لى بأنه لا يثق فى ذلك..
لم أشأ أن أستهلّ مع «الشناوى» الحوار استهلالا تقليديا،ولكني قررتُ أن أسأله عن «الحب»، لسبيين لا أخفيهما عليك، عزيزى القارئ، أولهما: أننى أردتُ تجديد آلامه، ومن ثم كبح جماح سخريته منى، فأتجنبها بخطوة استباقية، تربكه وتشغله بنفسه،وثانيهما:أنه، بأشعاره، كان ولا يزال أميرا للرومانسية، فضلاً عن أنه أرهق نفسه، فى حب امرأة، بادلته حبا بخيانة، فعزف عن الزواج، وصار أشهر عزاب جيله.
أصابت لعنة الحب الفاشل قلب مُضيفى، حتى أنه كان يشعر أن هجر محبوبته قتله، ولم يبق سوى موعد تشييع الجنازة، فكان يجلس يومياً يكتب عن عذابه، ويتردد على المقابر، وحينما سأله الراحل «مصطفى أمين» عن ذلك، كان يجيبه بابتسامه حزينة : «أريد أن أتعود على الجو الذي سأبقى فيه إلى الأبد».
لذا سألته:ما رأيك فى ذلك الجو الأبدي،الذى تعيشه منذ رحلت عن دنيانا،قبل 47 عاما؟
قبل أن يجيبنى «الشناوى»، لمستُ فيه انكسارا، فلم يرق له قلبى، وأدركتُ أننى حققت هدفى بإحراجه،مثلما حاول أن يحرجنى فى مستهل لقائنا، ثم أجاب: لا أخفيك سرا، فإن جراح الحب الأليم لا تزال تنزف في قلب كامل، الذي ظل مخلصاً لجرحه رغم العذاب والخيانة!
واصلت أسئلتى المحرجة ل «الشناوى»،فقلتُ: بربك، أخبرنى باسم تلك المرأة،التى جعلت قلبك ينزف حتى الآن،رغم مرور نحو نصف قرن على الرحيل؟
لم يأبه «الشناوى» بسؤالى،وتسللت دمعة من عينه،فأشفقت عليه،هذه المرة،ولم ألح عليه فى الإجابة،ثم انتقلت إلى بداياته وأصوله الأزهرية، فقال:»نعم، تربيتُ تربية دينية، فوالدى كان قاضيا شرعيا بمحكمة «مركز أجا» بمحافظة الدقهلية،و درستُ في الأزهر، غير أن الله منحنى إحساسا رومانسياً وعاطفياً، وانخرطت بعالم الأدباء مبكرا، ودرست الآداب العربية والأجنبية..»
قلتُ:ألمس فى كلامك نرجسية مفرطة، فقاطعنى: هذه ليست نرجسية، بل واقعا، وإذا أجهدت نفسك وقرأت عنى ،قبل أن تأتينى،لأدركت أن ما أقوله صحيح،فقلتُ:أدرك تماما، أنك قامة أدبية رفيعة، وستلمس ذلك بنفسك،فى المقدمة التى صدّرت بها هذا الحوار،فتساءل ساخراً:ومن الذى سيجلب لى نسخة من صحيفتكم،فعقّبتُ عليه ساخراً «أيضا»:» هو مفيش بائعى صحف عندكم فى العالم الآخر؟»،فمط شفتيه كثيرا،ثم أجاب :»مفيش يا سيدى،شكلك عاوز تضايقنى وخلاص؟ فقلتُ:»خلاص يا عم كامل،هجيب لك العدد بنفسى وأمرى لله»؟ فتبسم «ابتسامة طفولية»، ثم أردف:»اتفقنا».
قلت:أعدك،أننى لن أتعمد إحراجك مرة أخرى، ولكن دعنى أسأل ما أريد، ولتجب بالشكل الذى يروق لك، فقال: «وهو كذلك»!
حينئذ، أخرجتُ من حقيبتى، كتاب «شخصيات لا تنسى»، للراحل «مصطفى أمين»، وفتحتُه على صفحة يقول فيها:»عشتُ مع كامل الشناوي حبه الكبير، وهو الحب الذي أبكاه وأضناه..وحطمه وقتله في آخر الأمر، أعطى «كامل»، لهذه المرأة ،كل شيء، المجد والشهرة والشعر، ولم تعطه شيئاً، أحبها فخدعته..أخلص لها فخانته..جعلها ملكة فجعلته أضحوكة..
قاطعنى «الشناوى» مجدداً، راجياً منى أن أتوقف،فقلتُ:هذا ليس كلامى، بل كلمات كتبها نديمك «مصطفى أمين»، فهل كذب؟ فأجاب:بالطبع لم يكذب، قلتُ:إذن من تلك المرأة؟ فالتفت إلىّ غاضبا وقال:لقد سألتنى هذا السؤال من قبل،ولم أجب،قلتُ: أهى المطربة «نجاة الصغيرة»؟،فلم يعقب،قلتُ: هل فضلت عليك «يوسف إدريس، فانهار باكياً،وقال: كفى، كفى..أرجوك لا تجدد أحزانى، ثم صمت قليلا، وسألنى: هل لم تجد فى حياتى كلها سوى هذه القصة الموجعة، هل حضرت لتنكئ جراحى،لم نتفق على ذلك؟
قلت: قد تكون محقا فى سؤالك، غير أنى لم أخرق اتفاقنا..أنت لم تشترط علىّ شيئا محددا، ولكن دعنى أقدم لك تفسيرا لما أفعله معك، قال :»تفضل»، قلت:لا تغضب منى،إن قلت لك:أنا لا أشفق على أى رجل تحطمه امرأة، أية امرأة،ليس فى النساء جميعهن، من تستحق أن توجع قلبك من أجلها، أو تبكى من أجلها،أو تضحى من أجلها،أو تذرف دمعة واحدة من أجلها،لذاأنا مختلف معك تماما..
نظر «الشناوى» إلىّ ملياً،وبدا غير مقتنع بما أقول،وربما كتم لسانه عن كلام لا يليق،قبل أن يباغتنى ببيت قديم عن الحب، نصُّه: إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى، فكن صخرا من يابس الصخر جلمدا!فقلت: لم تنجح هذه المرة فى إحراجى، ودعنى أقول لك: ألاترى يا «شناوى»، أنه كان بإمكانك أن تعيش ضعف عمرك، لو كنت يابسا من الصخر جلمدا؟
صمت «الشناوى»قليلا،وتعثر الكلام فى لسانه، ثم أجاب:»تصدق آه»!!
اللافت أننى فكرتُ فى أن أتجاوز هذا الأمر، رفقا به، إلا أنه أصر هذه المرة على أن يستطرد فى الكلام، فقال:
قصيدة «لا تكذبى»، التى أرخّت لمأساتى، وغناها «محمد عبد الوهاب» و «عبد الحليم حافظ»، كتبتُها من واقع قصة حبى، وهى قصيدة ليس فيها مبالغة أو خيال، وكنتُ أنظمها وأنا أبكي،كانت دموعى تختلط بالكلمات فتطمسها،كنتُ أتأوه كرجل ينزف منه الروم العزيز وهو ينظم..».
وقبل أن أعقب على كلامه، التفت إلىّ قائلا:»مثلك لن يقدر ما أقول ولن يفهمه»، فقاطعته:»بل أفهمه،ولكن لا أقدره»،ثم سألته: هذا التأثر المفرط الذى يغلف كلماتك،ينبئ بأنك لا تزال تحبها، رغم غدرها بك؟ فأجاب:نعم،أحبها،ولا أزال أحلم بها..هى لا تزال حية تُرزق، قلتُ:أعلم ذلك، ولكنى سوف أحترم رغبتك فى عدم الإفصاح عن اسمها،طالما أنك تجد فى ذلك «نجاة» لها من أى إحراج..
«المؤلم حقا أن الشاعر الرقيق ذا الجسم الضخم لم ييأس من حبه، بل ظل يحاول التقرب من محبوبته الغادرة، بحسب «مصطفى أمين»،الذى كتب فى هذا السياق: «كان الشناوى يحاول بأية طريقة أن يعود إليها،يمدحها ويشتمها، يركع أمامها ويدوسها بقدميه،يعبدها ويلعنها..وكانت تجد متعة فى أن تعبث به، يوماً تبتسم ويوماً تعبس، ساعة تقبل عليه وساعة تهرب منه،تطلبه في التليفون في الصباح، ثم تنكر نفسها منه في المساء».
« صد محبوبة «الشناوي» له كان يمثل أمراً صعباً عليه، ولم يرغب في تصديقه، حتى أن «مصطفى أمين» نقل عن صديقه قوله: «لا أفهمها، فهي امرأة غامضة لا أعرف هل هي تحبني أم تكرهني؟، هل تريد أن تحييني أم تقتلني..»؟
تلوتُ هذه السطور على مُضيفى، من كتاب صديقه «مصطفى أمين»، حتى أضنيتُه، وحينئذ، قررت أن أنتقل إلى مرحلة أخرى مُبهجة من حياة «كامل الشناوى»، وتحديدا ما يتعلق بمسيرته الصحفية والأدبية،فهدأت نفسه،واكتسحت وجهه ابتسامة رقيقة،قال بعدها: بدأتُ حياتى بالعمل صحفيا فى جريدة « كوكب الشرق « عام 1930، ثم تعاونتُ مع الدكتور «طه حسين»، فى جريدة « الوادى « ثم اشتغلتُ محررا للصفحة الأدبية بالأهرام عام 1935م ، وخلال عملى بالأهرام، كتبتُ فى مجلات: «آخر ساعة» ، «المصور» و»الاثنين»،قبل أن أنتقل للعمل مع «على ومصطفى أمين» ، وتوليتُ رئاسة تحرير «الأخبار»، وحصلتُ على وسام الجمهورية فى نفس العام الذى توفيتُ فيه.
قلتُ:ومع هذه الحياة الحافلة بالنجاح فى العمل الصحفى، وبعيدا عن غدر الحبيبة، ألم تتعرض لمواقف أخرى صادمة؟
أجاب «كامل الشناوى»، بعدما أخذ نفسا طويلا: آه، تعرضتُ لظلم كبير، عندما تمكن خصومى من أن يدسوا اسمى فى قائمة الصحفيين الذين تقاضوا مصاريف سرية من السراى فى عهد الملكية، وكانوا يقصدون بذلك اغتيالى وتدمير تاريخى ، فلجأتُ إلى النائب العام الذى أمر بالتحقيق وكشف الحقيقة، وثبتت براءتى ، فعُينتُ رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية، لسان حال الثورة، ثم منحنى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسام الجمهورية ،فيما بدا أنه اعتذار كاف ، ردّ لى اعتبارى وأيقظ روحى المتوثبة للتغيير «.
قلت:لقد تزاملت مع الأستاذ محمد حسنين هيكل، أليس ذلك؟فأجابنى :بلى، هيكل، أمد الله فى عمره، كان صديقا لى، فقلت:لقد قال الرجل عنك كلاما طيبا فى برنامجه الفضائى، فتبسم قائلا: إذن أبلغه شكرى وتقديرى، ولكن ماذا قال هيكل عنى؟
أجبتُه: قال: «كامل الشناوى صحفى كبير، ومعروف بالطبع، وهو أيضا شاعر، تتجلى موهبته و قدرته الرائعة على الإمساك بروح لحظة معينة أو تصوير مشهد معين، وفى قصائده كلها كانت هناك دائما هذه القدرة على الإمساك باللحظة، وعادة نقول: إن الصورة هى تثبيت للحظة، وإن الصورة أمسكت بموقف عند لحظة معينة، وقبضت عليه وأبقته للزمن وللتاريخ... كامل الشناوى كانت لديه هذه القدرة، فإنه بالكلمات يرسم صوراً لمواقف معينة، وإن هذه الكلمات وهذه الصورة تبقى فيما بعد، والعودة إليها يمكن جداً أن يكشف ظلالاً، وزوايا، وأن يكشف أضواء مما كان فى لحظة بعينها، استطاع بحس وروح الشاعر أن يمسك بها».
قلت لمضيفى :عاصرت بحكم عملك واحتكاكك أطيافا من البشر، فكيف ترى الناس؟
فأجاب:» الناس أربعة،عالم يعرف أنه عالم، وهذا حكيم فاتبعوه، وعالم يجهل أنه عالم، وهذا نائم فأيقظوه، وجاهل يعرف أنه جاهل فاضربوه وعلموه،وجاهل يجهل أنه جاهل، وهذا حمار فاركبوه ..».
قلت:كان لك موقف عنيف من الصنف الأخير، فهل ما زلت تصر عليه؟
فأجاب ضاحكا:»نعم أكره كل حمار وكل غبى، وكل ثقيل الدم، وكل أحمق ، يستهوينى الذكاء، وأكره الغباء والأغبياء،الموهبة تجتذبنى ، والخمول العقلى ينكد عليّ حياتى ومماتى» ..
سألته:كيف ترى حال مصر الآن؟
فأجاب «الشناوى»:» مصر اليوم تبحث عن رجال بحق، وتنقب عن رجل يستطيع أن ينهض بالعبء، ويواجه المسئولية، ويقدس العدالة، ويفرض سيادة القانون، يعرف كيف يقول كلمته ويقف، وكيف يقول كلمته ويمشي».
ثم استطرد :بلادى مفتوحة كالسماء،تضم الصديق ؛ وتمحو الدخيلا ، انا الشعب ، شعب العلا والنضال، أحب السلام ، أخوض القتال ، ومنى الحقيقة .. منى الخيال !!
قلت:وكيف ترى شعب مصر؟
فأجاب شعرا: قوىٌّ ، أبىٌّ ، عريقٌ ، عميقٌ ،يقول : أنا الشعب والعجزة،أنا الشعب لا شىء قد أعجزه،وكل الذى قاله أنجزه،فمن ارضى الحرة الصامدة ،بنيت حضاراتنا الخالدة، بقوميتى واشتراكيتى، ينبض العروبة فى أمتى،انا الشعب ، شعب ذرى والقمم ، زرعت النخيل ، صنعت الهرم ، رفعت المآذن فوق القباب
بنيت المداخن تعلو السحاب ، أنا الشعب لا أعرف المستحيلا ، ولا أرتضى بالخلود بديلا ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.