22 فنانًا من 11 دولة يلتقون على ضفاف النيل بالأقصر.. فيديو وصور    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    منزل جمال عبد الناصر، منارة ثقافية بحي باكوس في الإسكندرية    تراجع سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الخميس 23 مايو 2023    هل ترتفع أسعار الشقق بعد بيع قطع أراض لجهات أجنبية، الحكومة تجيب (فيديو)    تفاصيل المجلس الوطنى لتطوير التعليم فى حلقة جديدة من "معلومة ع السريع".. فيديو    تموين سوهاج: ارتفاع توريد القمح إلى الشون والصوامع ل 96 ألف طن    فوز ناصر تركي وحسام الشاعر بعضوية اتحاد الغرف السياحية عن الشركات    الطيران الحربي الإسرائيلي يشن غارات على شرق مدينة رفح الفلسطينية    ضياء رشوان للجزيرة: التلويح بالانسحاب من مفاوضات غزة لا يعني التخلي عن القضية    أستاذ علوم سياسية: تقرير «cnn» محاولة فاشلة لتوريط مصر    مراسم تتويج أتالانتا بلقب الدوري الأوروبي لأول مرة فى تاريخه.. فيديو    إعلام عبري: إسرائيل تدرس إغلاق سفارتها بأيرلندا بسبب اعترافها بدولة فلسطينية    حسين لبيب: الإعلام الأهلاوي قوي وأرفض الانتقام من الزمالك    تأكيدًا لانفراد «المصري اليوم».. الزمالك يبلغ لاعبه بالرحيل    ماذا حدث؟.. شوبير يشن هجومًا حادًا على اتحاد الكرة لهذا السبب    رد قاطع من حسين لبيب على "البند الصادم" بعقد زياد كمال    لبيب: جوميز مستمر مع الزمالك الموسم المقبل وسنفعل بند شراء شحاتة    وزير الرياضة: أتمنى مواجهة الأهلي ل الزمالك في السوبر الإفريقي    تريزيجيه: أنا تحت أمر الأهلي.. وعقدي مع طرابزون مستمر لعامين    أحمد سليمان: تم تمديد عقد جوميز..وسنفعل بند شراء محمد شحاته    هُنا بوابة الفجر لاستخراج نتيجة الشهادة الاعدادية بالاسم 2024 في محافظة القاهرة.. ترم ثاني الصف الثالث الاعدادي    «هؤلاء هم المتهمون الحقيقيون».. والدة السائق المتهم بالتسبب في حادث «معدية أبو غالب» تخرج عن صمتها    الأرصاد تحذر من موجة شديدة الحرارة اليوم الخميس    ناجية من حادث معدية أبو غالب تكشف تفاصيل الواقعة    حظك اليوم وتوقعات برجك 23 مايو 2024.. تحذيرات ل «الثور والجدي»    محلل سياسي فلسطيني: إسرائيل لن تفلح في إضعاف الدور المصري بحملاتها    محمد الغباري ل"الشاهد": اليهود زاحموا العرب في أرضهم    بسبب التجاعيد.. هيفاء وهبي تتصدر التريند بعد صورها في "كان" (صور)    نجوى كرم تتحضر لوقوف تاريخي في رومانيا للمرة الأولى في مسيرتها الفنية    احذر التعرض للحرارة الشديدة ليلا.. تهدد صحة قلبك    «الصحة» تكشف عن 7 خطوات تساعدك في الوقاية من الإمساك.. اتبعها    أستاذ طب نفسي: لو عندك اضطراب في النوم لا تشرب حاجة بني    الولايات المتحدة.. إنفلونزا الطيور تصيب الأبقار وتحذيرات من "عواقب وخيمة" إذا انتقلت للبشر    هيئة الدواء: نراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين عند رفع أسعار الأدوية    ضبط 53 شيكارة دقيق بلدي مدعم بماكينة طحين بدسوق    طالب يشرع في قتل زميله بالسكين بالقليوبية    انتشال 3 جثث جديدة لفتيات ضمن واقعة غرق ميكروباص من أعلى معدية أبو غالب    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن فى مستهل التعاملات الصباحية الاربعاء 23 مايو 2024    عمرو سليمان: الأسرة كان لها تأثير عميق في تكويني الشخصي    محمد الغباري: العقيدة الإسرائيلية مبنية على إقامة دولة من العريش إلى الفرات    باحث في الشؤون الإسرائيلية: بيان «CNN» ليس جديدًا وهدفهم الضغط على مصر    حظك اليوم| برج العقرب الخميس 23 مايو.. «أجواء إيجابية تحيط بك»    رسميا.. انطلاق فيلم "تاني تانى" فى دور العرض اليوم    حسن شاكوش التريند الرابع على اليوتيوب    بمناسبة الاحتفال بالذكرى 248 لاستقلال أمريكا.. السفيرة «هيرو » تؤكد أن مصر شريك لا غني عنه لتحقيق الاستقرار    "وطنية للبيع".. خبير اقتصادي: الشركة تمتلك 275 محطة وقيمتها ضخمة    إبراهيم عيسى يعلق على صورة زوجة محمد صلاح: "عامل نفق في عقل التيار الإسلامي"    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    رغم فارق السنّ.. «آلاء» والحاجة «تهاني» جمعتهما الصداقة و«الموت غرقًا» (فيديو)    "جوزي بيحب واحدة متجوزة".. رسالة من سيدة ورد حاسم من أمين الفتوى    هل يجوز بيع جلد الأضحية؟.. الإفتاء توضح    الوفد: حريصون على توعية العمال بدور الدولة في الحفاظ على حقوقهم    لينك نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني    أمين الفتوى يوضح أفضل أعمال العشر الأوائل من ذي الحجة: هذا اليوم صيامه حرام    أدعية الحر.. رددها حتى نهاية الموجة الحارة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 22-5-2024 في المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالحليم وسعاد قصة حب معلقة فى حبل الغيرة
نشر في صباح الخير يوم 02 - 04 - 2013

غريب أمر الحب أقول ذلك والذاكرة تستعرض مشهدا لا يمكن نسيانه.هكذا أهمس لنفسي كلما مررت بفندق سميراميس الواقع على نيل القاهرة، وأغمض عيوني قليلاً لألعن قبح المبنى الجديد الشاهق الذي أقيم بديلاً عن الفندق القديم الذي كان ينافس مباني أوروبا جمالاً.



أضحك لنفسى: لعلهم قد هدموا البناء كى يجعلونا ننسى أيامنا الحلوة فى سميراميس القديم، حيث كان الضجيج يبدأ كل ليلة فى «كافيتريا نايت أند داى» بسميراميس، وها هى سعاد حسنى تدخل كأميرة من الحيوية المتدفقة، يصدر منها ولها وحولها ألف شمس وقمر ونجمة، نعم فسعاد تتمتع بخاصية تناثر البهجة منها فى كل اتجاه، ولعل صلاح جاهين وحده هو الذى أبدع تصويرها حين قال عن حضورها «بمبى بمبى، الحياة بقى لونها بمبى» همست أقدامها لأرض الكافيتيريا فالتفت الجميع، وتوقعوا أن تكون بصحبة عبد الحليم حافظ، ولكن التوقع لم يصدق، فقد دخلت الكافيتيريا بصحبة الرسام الصحفى عدلي فهيم، هذا الصامت الممتلئ بالرغبة فى معرفة أسرار الجميلات، ثم يحترف الربت والطبطبة على ظهر الواحدة منهن، لا أكثر ولا حادث مهم بعد الطبطبة، وكان يمتلئ غيظا منى حين أقول ذلك..
ودخل عبدالحليم حافظ بعدها بلحظات، وسبقته رائحة الحب التى ترسم خيوطها المتوهجة بينه وبين سعاد حسنى، والكل يعرف أن الحب بينهما قد خرج من دائرة السر المكتوم بين الاثنين وصار قضية عامة، فعبدالحليم هو النجم المتوج على العواطف، وهو المدلل من كل المجتمع، وهو الطفل المتوهج الذكاء الذى يشق الطريق إلى القمة فوق ما يتصور أى أحد، وهو الذى يقول كلمة مصطفى أمين «أن القمة تصلح لأكثر من واحد سواء أم كلثوم أو عبدالوهاب أو فريد الأطرش أو أى مطرب آخر» لكن الواقع الحقيقى يختلف، فهو يحسب حساب ظهور محرم فؤاد، وهو يدرس خريطة الغناء والمطربين جيداً. ولا داعى أن يقول أحد إن مطربا ما ترك الآخرين يصعدون إلى القمة دون أن يقاومهم، فعبدالوهاب أطاح بعبدالغنى السيد وكارم محمود وإبراهيم حمودة ومحمد أمين وجلال حرب، وعشرات غيرهم وأم كلثوم شقت طريقها بالقوة وبالقسوة معا، أقول ذلك وأنا أعلم أن الكثيرين سيحاولون أن يقولوا «لا لم يحدث أن حارب أحد أحداً» رغم أن أى قائل لمثل هذا الكلام سيتجاهل هذا القلق العنيف على المكانة الذى يصاب به النجم أو النجمة حين يبزغ نجم جديد.

كان الحب متوهجا وهو يزيد من ضوء المكان بالفعل، عيون سعاد تحتضن عبدالحليم من على أمتار، وعيون عبدالحليم ترسل ضوءها لسعاد. والكل يعلم أن الاثنين يعيشان سعادة الوعد ببناء أسرة جديدة، ولكن هذا الحلم كان يتعرض للشد والجذب بين أكثر من اتجاه، فإحسان عبدالقدوس كان يرى أن الحب بين الاثنين يجب أن يتوجه الزواج، هكذا قال لعبدالحليم ولسعاد، وكان رأيه مريحاً لسعاد حسنى أكثر مما هو مريح لعبدالحليم حافظ. أما مصطفى أمين فقط كان له رأى مختلف، هو أن تظل قصة الحب على حالتها من الاشتعال، دون أن يتجه الاثنان إلى المأذون، وكان يقول ذلك مخلصا لتجربته الخاصة، فهو الذى سبق أن قالت الشائعات أنه تزوج من أم كلثوم لمدة عشر سنوات ولم يعلم بالزواج أحد.. وكانت تجربة إحسان عبدالقدوس مع نفسه هى التى تؤكد له أن الفنان عليه أن يعيش حراً، وأن يقبله الجمهور كما هو، فما فائدة خداع الناس بأن تدعى عكس واقعك، وكانت تجربة مصطفى أمين تقول: عليك أن ترسم صورتك أمام الجمهور، والجمهور لا يحب أن يرى المطرب أو المطربة فى حالة زواج، بل يجب أن يظل المطرب أو المطربة كجائزة اليانصيب التى يحلم الجميع بالحصول عليها، وإن حصل عليها أحد فالحسد سيحاصره من كل الجهات.

وسعاد تريد أن تحقق ما فشلت فيه أمها، تريد أن تبنى بيتا وتنجب أولاداً، وتحقق لمن حولها كل السعادة التى فقدتها فى الطفولة، وعبدالحليم يخاف أن يقترب من الزواج، لأنه يعلم أن الزواج هو رحلة إنتاج لأطفال قد يتعرضون للتشتت واليتم، ولكن عبدالحليم لا ينسى أبداً أنه عاش تجربة افتقاد الأم، وكأنه يحب كل امرأة ويكره لها أن تترك ابنها وليداً، ولذلك كان يقترب من الاقتناع برأى مصطفى أمين، ثم إن تجربة الخيانة فى الزواج تزعجه كرجل ريفى، وكان يرى من حوله أكثر من قصة خيانة، فها هى زوجة لفنان مشهور تدخل فى علاقة مع أحد رجال النفوذ إلى حد يزعج عبدالحليم حافظ، وهو لا يتخيل أن يتزوج فيُعجب أحدهم بزوجته فيأخذها منه، ويترك له الأسى والإحساس بالغدر، ودخل أحد المصورين الصحفيين النشطين، وكان قريباً من عبدالحليم حافظ، قال له عبدالحليم: مش حا تحكى حصل إيه فى المركب؟ وضحك الاثنان بصوت عال، وقال المصور الصحفى «يا عم إن الله حليم ستار» وكنت أعلم ما حدث فى المركب، لأني كنت مع عبدالحليم وهو يسمع من بيروت حكاية تقرب من الخيال، حيث سافر المصور الصحفى مع سيدة متزوجة من رجل أعمال عجوز وكانت السيدة فى حوالي الثلاثين، ورجل الأعمال العجوز فى حوالي الخامسة والسبعين. وشهدت المركب قصة مشتعلة بين المصور الصحفى وبين تلك السيدة، وخاض الاثنان رحلة عناق مجنون لدرجة أنهما لم يشعرا بأن المركب الذى يقلهما تتعرض للغرق، وتم إنقاذه بأعجوبة، وحين نزلت السيدة إلى ميناء بيروت واستقرت فى منزلها رفعت سماعة التليفون لتحكى لمخزن أسرارها عبدالحليم حافظ القصة والحكاية بأدق تفاصيلها.

واستقر الجميع حول مائدة كامل بك الشناوى، المائدة الممتدة والتى يجلس عليها أى كائن له علاقة بالفن أو الأدب أو الشعر، وغير مسموح لأى واحد أن يضع يده فى جيبه ليدفع الحساب، فالحساب سيدفعه كامل بك الشناوى. والكل يعلم أن كامل بك لا يقبض أكثر من مرتب رئيس تحرير جريدة الجمهورية، وهو لا يكفى تكلفة السهر مع هذه الجموع المنوعة التى يستضيفها كل مساء، وكنا نعرف أن الأستاذ محمد حسنين هيكل كان يسأل كل عام بشكل سرى عن رقم ديون كمال بك الشناوى، ثم يرسل له شيكا بما يزيد عن رقم الديون كثيرا.
كان الأستاذ هيكل يؤمن أن هناك نوعاً من البشر هم المكتشفون للمواهب، وهؤلاء لا يجب أن يعيشوا مع أى قلق اقتصادى من أى نوع.
وكامل بك الشناوى هو أكبر مكتشف للمواهب فى عصره.
وقال عبدالحليم لكامل بك: إحنا ضيوفك يا كامل بك أنا وسعاد.

كانت عيون عبدالحليم قد التقطت ملامح سيدة جميلة ملابسها غاية فى البهرجة، واتجهت السيدة إلى عبدالحليم وقبلته فى خديه. وتكهربت عيون سعاد حسنى بالضيق. سمعت عدلي فهيم يقول لها «شوفى أهو لو مدام إحسان عبدالقدوس شافت منظر زى ده لا يمكن يؤثر فيها، خليك جدعة، يعنى هو حا يصاحب كل واحدة معجبة بيه» قالت سعاد: إشمعنى هو بيغير بشكل مجنون؟ وكنت أفكر فى نفسى أن عبدالحليم لن يطبق نصيحة إحسان بالزواج، وسينجرف إلى تطبيق نصيحة مصطفى أمين. وسيظل حلم سعاد حسنى فى الزواج هو مجرد حلم معلق فى الهواء.

ولم أكن أعلم أن السيدة التى قبلت عبد الحليم فى خده هى الراقصة «ميمى فؤاد» التى حلمت هى الأخرى بأن تتزوج عبد الحليم حافظ وتحقق ما فشلت فيه سامية جمال التى أحبت فريد الأطرش من كل قلبها، وحلمت أن يغنى هو كل عمره وأن ترقص هى كل عمرها، لكن فريد لم يتزوج سامية، والساحة فى رأى الراقصة التى أحبت عبدالحليم خالية تحتاج إلى مطرب وراقصة.

ولكن حلمها انكسر حين ظل عبدالحليم يؤجل مواعيده معها ويتهرب منها، فاقتربت من محمد الموجى صديق عمر عبدالحليم، وأقامت معه تجربة كاملة بعد زواج سريع، فالموجى لم يكن يطيق الاقتراب من امرأة دون شهود ومأذون. وطبعاً كتم عبدالحليم غيظه من الاثنين لفترة، وقال بعد أيام من لقائه مع هذه الراقصة «دى ست مش مظبوطة» قالت لفلان إنها بتحبه، وكانت بتقول لي إنها بتحبنى، سابتنى لما ما نفذتش اللى كانت عايزاه وهى ترقص وأنا أغنى، وبعد أن طلقها الموجى، عثرت على عريس عربى.

تساءل عبد الحليم: «سعاد دى مجنونة إزاى تغير منها؟»
قلت ضاحكاً: لابد أنها شعرت بأن قلبك تحرك بعاطفة ما.
قال: أنا لا يمكن أن أعود إلى واحدة أخطأت فى حقى.

وسمعت صوت شاعرنا الكبير صلاح عبدالصبور من خلف ظهرى وظهر عبدالحليم وهو يقول: لا أحد يقدر أن يحكم على قلبه بأن يعود إلى قصة حب قديمة أو يرفض العودة. الحب أمير يختار المكان الذى يهواه، ويختار القرارات التى تأتى على مزاجه.

قال عبدالحليم: أهلا يا صلاح.

وقام الشاعر الكبير كامل بك الشناوى ليحيى صلاح عبدالصبور، والمودة التى بين الاثنين كبيرة، رغم أن كلاً منهما له حزب مختلف من أحزاب السلطة، فكامل بك الشناوى يملك التأثير القوى على د. عبدالقادر حاتم وزير الإعلام والذى أضيفت له مسئولية الثقافة والسياحة، فامتلك جراءة فصل صلاح عبد الصبور من مؤسسة الكتب، وكان صلاح عبدالصبور محبا حقيقيا لمن يخطئ د. حاتم ويعتبره منافساً له ألا وهو د. ثروت عكاشة فى العمل الثقافى.

كان د. حاتم يعتبر نفسه فى مكانة أعلى من ثروت لمجرد أنه زميل دفعة جمال عبدالناصر، بينما ثروت هو من تخرج بعدهما من الكلية الحربية، والرتبة الأقدم فى الجيش قد تنظر إلى الرتبة الأقل بنوع من الرفعة، ولم يكن هذا صالحا للتطبيق بين ثروت المثقف الحقيقى، وبين حاتم الذى درس الإعلام.وبالرغبة من «تطهير الثقافة» من بقايا ثروت عكاشة واستدعى د. حاتم الشاعر صلاح عبدالصبور بعد ضم وزارة الثقافة لوزارة الإعلام وتولي د.حاتم مسئولية الوزارتين، وكان اللقاء بشوشا. ولكن بعد أن خرج صلاح من مكتب د.حاتم وذهب إلى مكتبه فى مؤسسة التأليف والنشر، وجد نفسه مفصولا.

وأذكر أن كامل بك الشناوى والذى يملك قدرة وتأثيراً عند الدكتور حاتم، أوصى صلاح عبدالصبور أن يدق باب الأهرام، فوجد الباب مفتوحا. وما إن علم جمال عبدالناصر بما حدث لصلاح عبدالصبور حتى تدخل وعاد للعمل الذى يحبه فى مؤسسة التأليف مرة أخرى. سأل عبدالحليم حافظ صديقه صلاح عبدالصبور: أمرك عجيب يا صلاح حد يسيب الصحافة ويروح لمؤسسة مسئولة عن التأليف والنشر.

ويضحك صلاح عبدالصبور ضحكته الساخرة المحببة، ويقول: أريد أن أعيش حياة منتظمة وأن أعمل من التاسعة إلى الثانية، وأعود إلى بيتى لأقرأ وأكتب، ومن خلال عملى فى مؤسسة التأليف ستجد مصر أدباء وشعراء وكتاباً وفنانين من اكتشافى، فلا أحد يهتم باكتشاف قدرات المصريين فى الصناعة الثقيلة، صناعة التأليف.قال عبدالحليم لي: صلاح عبدالصبور ده لغز كبير، بعد ما كتب قصيدة وغنيتها، طلبت منه أن يكتب قصيدة أسهل منها لعلها تنتشر أكثر من الأولى، لكنه رفض. سألته عن سبب الرفض، فقال إنه لا يؤلف من أجل أن تغنى قصائده، بل يكتب الشعر عندما يحب.

قال صلاح عبدالصبور موجها كلامه لكامل بك الشناوى: عبدالحليم فاكر أني ممكن أقلد أحمد رامى وأكتب قصائد للغناء فقط.
قال كامل بك الشناوى: صلاح مشغول بالمسرح الشعرى، فهل عندك صبر أن تظهر فى مسرحية شعرية يا حليم.

كان كامل بك الشناوى يريد أن ينقذ قيمة صلاح عبدالصبور العملاقة ويخاف أن تتحول إلى مادة للنقاش بين الذين يحضرون هذا اللقاء اليومى الصاخب، ولذلك أخذ عبدالحليم من تلابيبه التى يخاف منها، تلابيب استهلاك الصوت يوميا بالغناء، فما بالنا بالغناء فى مسرحية شعرية فهذا جهد يخافه عبدالحليم. وكأن الرسالة وصلت بسرعة لعبدالحليم حافظ، قال: أنا بس نفسى إن جيلى من الشعراء يبقى موجود على الساحة مع الجمهور.

قال صلاح عبدالصبور: أنا عزمك بعد سنة على مسرحية «مأساة الحلاج».
كانت سعاد حسنى تنظر إلى صلاح عبدالصبور وكأنه طائر غريب، أو هو كائن لا تعرف كيف يفلت من شبكة الشهرة برغبته، قالت لي: أنت تعرفه كويس؟ قلت: هو أستاذى ولكن عبدالحليم يعرفه أكثر منى فالاثنان من الزقازيق.

قالت: من بلد مرسى جميل عزيز ؟
قلت: بالضبط من بلد مرسى جميل عزيز.
قالت: هل فى مصر شاعر يطلب منه عبدالحليم حافظ قصيدة ويقول لا؟
أقول: صلاح لم يقل لا، ولم يقل نعم بل ترك المسألة للظروف.

كانت سعاد مندهشة من رفض صلاح عبد الصبور أن يؤلف قصيدة فور طلب عبدالحليم حافظ، وكانت لا تفهم لماذا جاء كامل بك الشناوى بسيرة الغناء اليومى، تلك السيرة التى يكرهها عبدالحليم حافظ، لأنها تستهلك الكثير من إحساس المطرب.

كنت أعلم أن عبدالحليم لن ينام تلك الليلة من السين والجيم التى سوف تحاصره بها سعاد حسنى.
قال لي عبدالحليم فى اليوم الثاني: من يقول لسعاد حسنى أني لن أطير منها إلا إذا هى التى طارت منى؟
وأقول لعبد الحليم: أنت مستمتع بغيرة سعاد حسنى عليك. ولكنى أريد أن أعرف هل أنت كفريد الأطرش؟
كانت تلك هى نقطة المشاكسة التى يمكن أن تحصل بها على أى حقيقة تعرفها عن عبدالحليم حافظ.
قال بمنتهى السرعة: أعوذ بالله أكون زى فريد الأطرش إزاى.
أقول: توعد الواحدة إنك حاتتجوزها، وبعدين، مفيش جواز يتم ولا يحزنون.
وتهرب من الإجابة ليقول: أنا عندى ميعاد مع الدكتور يس عبد الغفار، تيجى معايا؟
قلت: هل تركت «د. فلان» لقد ظل يعالجك لسنوات.

قال: نعم تركته.
قلت: أذهب معك للدكتور ياسين بشرط واحد هو أن تحكى لي لماذا تركت «د. فلان» واتجهت للدكتور ياسين عبدالغفار.

قال عبدالحليم ضاحكا: سأقول لك بنفس طريقتك لسبب بسيط خالص، ذهبت له مرة لأكشف الكشف الدورى، فتركنى على سرير الكشف عاريا وذهب ليرد على التليفون، وفيما يبدو أنه كان فى تلك الفترة قد دخل فى قصة حب جديدة، لأن زوجته قد كبرت فى العمر. وكانت البنت التى تدير رأسه هى بطلة قصة إحسان عبدالقدوس «لا أنام»، وكانت محترفة إيقاع بالكبار فى العمر ومن عندهم ثروة لا بأس بها، وحين عاد ليكشف على، لم يضع حتى سماعته على بطنى وقال: قوم أنت صحتك زى البومب ولم أقل له شيئا، فقمت وارتديت ملابسى، وقبل أن أخرج من الغرفة قال لى مش تستنى لما أكتب الروشتة لك فقلت له ضاحكا: مش كنت تكشف على الأول قبل ما تكتب الروشته؟

وضحكت أنا لقول عبدالحليم، وخفت أن يكون ما يقوله هو نوع من التشنيع الرهيب على أستاذ كبير من أساطين الطب فى مصر. خصوصا وهو أول طبيب نصح عبدالحليم أن يسافر إلى لندن ويجرى عملية جراحية لاستئصال جزء من المعدة.نظر لي عبد الحليم والتقط ما أفكر فيه بسرعة، وقال: اوعى تفتكر إني بأشنع عليه لا، لأني عارف إنه دكتور كويس وعظيم، لكن لأنه نسى مرة وغلط غلطة زى اللى بأقولك عليها مش ممكن أثق فيه مرة ثانية.



قلت لعبدالحليم: أنت لم تقل لي أبدا كيف أصبت بالبلهارسيا، رغم إنك فى الجزء الأساسى من طفولتك عشت فى الزقازيق مع خالك «متولى عماشة».
قال: هو أنت مش من الفلاحين ولا إيه؟ ما أنت عارف إن الخال إذا كان عايش فى البندر ففيه أجازات وسفر للقرية.
أقول: ولماذا لم تحافظ على نفسك ؟

قال: تحافظ على نفسك من العوم فى الترعة إزاى؟ اسأل شحاتة ابن خالتى إذا كان حد يعرف يحافظ على نفسه من العوم فى الترعة.
فوجئنا ونحن ندخل باب عمارة التأمين الموجودة بميدان لاظوغلى حيث توجد عيادة الدكتور ياسين عبدالغفار بوجود علية شبانة شقيقة عبدالحليم وهى تخرج من المصعد، واندهش عبدالحليم من المفاجأة، فقال لها: إيه اللى جابك هنا ياماما علية؟
قالت: كنت عند الدكتور ياسين.

قال: كنت بتكشفى؟
قالت: لا كنت عايزة أطمئن عليك.
وركبت علية السيارة التى تنتظرها. وصعد عبد الحليم، وهو يقول بحيرة: أطمن علية إزاى على صحتى، أنا حلفت لها على المصحف إني حا أحافظ على نفسى، لكن مفيش فايدة.
قلت: أنت تعرف أنها تعاملك كابنها.



عيادة الدكتور ياسين عبدالغفار فى الوقت الذى دخل فيه عبدالحليم كانت خالية، وكان عبدالحليم كعادته لم ينم من ليلة أمس، وادعى أنه نام، كان موعد د. ياسين هو موعد مع تحديد الأمل، ويحاول أن يعثر على إجابة على السؤال الصعب «كم سأعيش» وهذا السؤال المجنون كان يملأ حياة عبدالحليم حافظ وهو يجرى منه، ولكنه يتوقف عنده لحظة أن يهجم عليه الحلم الذى يرى نفسه فيه طفلا محاطا بحمامات تطير برفرفة حانية، ثم تتحول تلك الحمامات إلى طيور متوحشة تنهشه بمناقيرها، فيصحو مفزوعا. ويحاول أن ينام مرة أخرى ولكن بلا فائدة، وغالبا ما يوقد النور فى الغرفة أو يقوم ليشرب، أو يدخل دورة المياة، وغالبا ما ينادى على أحد ممن معه فى المنزل، وأقرب من يناديها إن كانت موجودة فى حجرتها بالمنزل هى علية..

صحيح أن لعلية شقة فى عمارة العجوزة تقيم فيها مع أولادها، ولكنها فى بعض من أيام الأسبوع تجد بعضا من الرغبة فى أن تبيت فى منزل عبدالحليم، وقد خصص لها غرفة خاصة، فى المنزل المكون من شقتين، أمر بهما جمال عبدالناصر ليعيش عبدالحليم بعيداً عن عمارة العجوزة، وبناء على رغبة عبدالحليم التى عرفها جمال عبدالناصر من خلال شمس بدران مدير مكتب عبدالحكيم عامر الذى كان يعتبر هو مفتاح طلبات عبدالحليم من الدولة المصرية وكان عبدالحليم هو الشخص الذى يقترب من صاحب النفوذ بالمودة التى تمتلئ معظم الوقت بالندية، وتحتفظ فى نفس الوقت بكل الاحترام ولم يحدث اتصال تليفوني بين عبدالحليم وشمس بدران إلا وشكره عبدالحليم على الشقة، لدرجة إني سمعت شمس بدران يقول مرة لعبدالحليم: والله العظيم حا أستأذن الرئيس عبد الناصر وآخذ الشقتين منك لو جبت سيرة الحكاية دى تانى.. وكان وجود علية فى بعض من الليالي مع عبدالحليم حافظ هو نوع من الاطمئنان الذى يملأ حياته بالبهجة. ولكنه كان لا يحب أن يزوره شقيقه إسماعيل. لا أعرف منذ متى كره أن يزوره إسماعيل شبانة. وحين سألته مرة عن ذلك قال بلهجة فيها الكثير من الضيق بالسؤال «إسماعيل تعليماته كتير» وحين قلت له هل هناك غيرة فنية؟



أجاب: أعوذ بالله أن يغير منى أو أغير منه أنت ناسى إنه هو اللى مربينى قلت: أنا لا أنسى أيضا أن علم النفس والطب النفسى يؤكدان أن الغيرة بين الإخوة أمر شائع.
قال: لم أشعر بهذه الغيرة من إسماعيل، وأكيد أنه لم يشعر بها منى.
أقول: ولكنك تتعامل مع محمد شقيقك وتكلفه بالكثير من الأعمال، رغم أنه شقيقك الأكبر منك؟
قال: وهل لمست يوما فى تعاملى مع محمد بقلة احترام ؟ هو يقدر أن حظى مختلف عن بقية حظوظهم، ولا شىء فى نفس أى واحد منهم لم أحققه له وهو يعلم أن ما يعود على من دخلى يفيض عليهم بكل ما يطلبون، لذلك فهو يحب أن يعاوننى فى أى عمل أحب أن أسنده له.

كان د. ياسين قد فرغ من عمل ما يشغله قبل أن يستقبلنا. وحين ترى ياسين عبد الغفار تتجلى أمامك صورة «الحكيم» بأجل معانيها، الصبر والاستماع وقبول الأكاذيب الصغيرة التى يمارسها كل المرضى. ثم بدء الكشف على المريض، وكأنه يراه لأول مرة، ثم العودة إلى الصفحة التى يوجد بها الملف الطبى الذى يضم تاريخ المريض.

وبعد أن انتهى الطبيب من الكشف، قال عبد الحليم: لسه فيه شوية صحة.. ابتسم الطبيب الكبير بهدوء غريب، وقال: الصحة بيد اثنين أنت بمدى التزامك ثم هداية الله لك لتواصل الاستماع لما نعرفه من علاج لك وفوق كل ذلك هناك الله سبحانه «وإذا مرضت فهو يشفين».
وكرر الطبيب الكبير شكره لعبدالحليم على التزامه بالتعليمات وقال له إن علية زارته منذ قليل وأنه طمأنه عليها وختم الكلام بقوله: على فكرة علية قالت إنك من صغرك كنت شقى وكانت بنت الجيران معجبة بيك، ضحك عبدالحليم وهو يقول: حظها طلع كويس أهى كبرت واتجوزت وخلفت خمس عيال، مين عارف لو كانت اتجوزتنى كانت حا تعيش إزاى مع إنسان كل شوية الدكتور ياسين عبدالغفار يحذره من السهر.



قال د. ياسين: أنا بأحب فيك إنك مخلص جدا فى فنك، وأملى إن شوية إخلاص صغيرين يتنقلوا من مجال الفن لمجال الصحة.
وعلى باب العيادة قلت لعبد الحليم: أنت لم تذكر لي شيئا عن بنت الجيران دى؟
قال عبدالحليم: صبرك شوية، حا أحكى لك عنها، قلت أرجو أن تحكى وسعاد حسنى موجودة.
وأشار عبدالحليم ضاحكا إلى المبنى الكبير لمباحث أمن الدولة القريب من عيادة د. ياسين عبدالغفار وهو يقول: أنا أروح المباحث وأحكى هناك أحسن ما أحكى قدام سعاد، دى بتغير موت.
قلت له جادا: هل ستتزوجها أم ستترك الحكاية إلى ما لا نهاية؟
قال: بصراحة خايف أظلمها معايا أو أظلم نفسى بغيرتها.
وساد الصمت ليملأ المسافة بين لاظوغلى والزمالك حيث بيت عبد الحليم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.