إذا أردت أن ترى «القبح» متجسدا فانظر إلى السينما الحالية، وهناك عناوين صحفية تسهل عليك الأمر، من عينة « تاجر لحوم يعتبر تعرية النساء في أفلامه حق»، «منتج مثير للجدل»، «أفلامه رقص وعرى وإسفاف»، «يقدم خلطة رديئة لاعلاقة لها بالفن»، كلها ارتبطت باسم المنتج محمد السبكى، وهذه الجمل ليست سوى قشور مما تعرض له من هجوم شرس من قبل العديد من النقاد والمهتمين بالفن والإبداع.. في مرمى «القبح الفني» هناك آخرون غير السبكي، وليس ببعيد أفلام المخرجة إيناس الدغيدي، والمخرج والمنتج هانى جرجس فوزي. وعلى الضفة الأخرى، وقف بعض المبدعين والمهتمين بالفن في صف السبكى وأعوانه، ورحبوا بما يقدمه من فن خاصةً في مرحلة ما بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وبرروا ذلك بأنه استطاع أن ينتج أفلامًا في ظروف صعبة وتحدى حالة الانفلات الأمني، وصمم على استمرار السينما مما يجعله يستحق التقدير، مؤكدين في الوقت نفسه أن أفلامه تجد من يهتم بها ويقبل عليها في المجتمع. وما بين الرأى والرأى المعارض، أصبحت أفلام السبكى وأشباهها «صداعا دائما» في رأس المجتمع.. اتهامه بالإفساد قائم، والدفاع عنه أيضًا موجود، والجمهور يقبل على السينما ويشترى التذاكر طواعيةً، وتحقق أفلامه أعلى الإيرادات، وفى الوقت نفسه، أعلن وزير الثقافة الجديد عبد الواحد النبوى تحفظه على أفلام السبكى، كما سبق وأعلنت الرئاسة رغبتها في تقليل أفلام الدعارة والمخدرات وتقديم فن هادف يرتقى بالمجتمع عندما وجه الرئيس كلامه لكل من يسرا وأحمد السقا في أحد لقاءاته قائلا: «والله هتتحاسبوا على اللى بتقدموه للناس». هنا نسلط الضوء على ظاهرة أفلام العرى التي لا يستطيع أحد أن يجزم بمصيرها.. هل ستستمر بنفس الأسلوب، أم ستتجه للتوافق مع الرؤية الجديدة للدولة تجاه الفن من خلال تقديم سينما راقية؟ السبكى.. «رقاصة ومهرجان وشتيمة» «أنا بعمل سينما للجمهور مش للنقاد»، «أنا حر والجمهور بيحب أفلامى»، «مش هغير نوعية أفلامى».. جمل شهيرة استخدمها السبكى في حربه الشرسة مع مهاجميه، فقد قرر أن يدافع عن نفسه بسلاح «الجمهور عايز كده»، وانطلق في طريقه متحديًا كل النقاد والمبدعين الذين هاجموه، غزت أفلامه دور العرض السينمائى، وحققت أعلى الإيرادات، وقرر أن يستخدم كل الوسائل الرخيصة لجذب الجمهور ومساعدته على تفريغ شحنة الكبت التي يكاد ينفجر منها الشباب من خلال خلطته السحرية، تلك التي وصفها الكثيرون ب»القذرة والمقززة»، والإبداع منها بريء براءة، فمكوناتها «راقصة لا تستر مفاتنها إلا بالقليل» ومهرجانات ضجيجية يطلق عليها خطأ «شعبية»، وألفاظ خارجة وخادشة للحياء، مع بعض من مشاهد البلطجة والعنف والدم «لزوم التتبيلة»، لتأتى بخلطة سينمائية لا ينصح بها حتى لمن هم فوق سن ال 18. ومن أشهر الوجوه السينمائية التي وجد فيها السبكى ضالته «محمد رمضان»، الذي تعاون معه في أكثر من عمل، قوبلت كلها بالهجوم الحاد، ومنها فيلما «عبده موته» و»الألمانى» في 2012، و«قلب الأسد». في 2013، وليس غريبا أن يطرح السبكى مثل هذه الأفلام في أعقاب ثورة 25 يناير مباشرةً، إذ كان المجتمع يغلى بالأحداث السياسية، فما أفضلها فرصة لإلهاء الرأى العام وإفساد الذوق، حسبما رأى الكثيرون. وفى خطوة أخرى أكثر جرأة، استعان السبكى بالفنانة اللبنانية هيفاء وهبى في فيلم «حلاوة روح»، الذي تعرض لموجة حارة من الهجوم، لتضمنه مشاهد اعتبرها البعض غير أخلاقية وتتعارض مع قيم المجتمع، مما دفع رئيس الوزراء إبراهيم محلب إلى إصدار قرارا بإيقاف عرضه، وبدوره لجأ منتج الفيلم إلى القضاء الذي أصدر حكمًا بإلغاء قرار رئيس الوزراء، ونص على أحقية صناع الفيلم في عرضه. وعلى نفس «قضبان الأرباح السهلة» قدم السبكى أفلامًا أخرى، مثل «حصل خير» و«أيظن» و»عش البلبل» و»القشاش». هانى فوزى.. ومروى وبالحديث عن السينما المثيرة للجدل، لا يمكن إغفال أفلام المنتج والمخرج هانى جرجس فوزى، فهى لا تعترف بالخطوط الحمراء، وقرر أن يسلك طريقًا واضح المعالم يعتمد بشكل أساسى على المشاهد الساخنة والعرى الذي لم تسلم منه الألفاظ، ولعل تجربته عام 2010 في فيلم «أحاسيس» تعتبر الأكثر تأكيدًا للخط الذي اختاره، فقد صنف «للكبار فقط» لاحتوائه على مشاهد أكثر من جريئة، وصفت بأنها فجة ومبالغ فيها. وقبلها بعام واحد فقط، أراد «فوزي» الثورة على الرقابة بفيلم «بدون رقابة»، والذي قوبل بهجوم شديد، خاصةً لدور «الشاذة» الذي قدمته علا غانم عصام زكريا «المجتمع اتدمّر.. من الأفلام اللى هدّمره». كما لاينسى أحد فضيحة هانى فوزى مع الفنانة اللبنانية عندما صورها عارية تماما وسرب صورها على الإنترنت. إيناس الدغيدى.. «الجرأة بلا حدود» لم يكن غريبا ألا تجد المخرجة إيناس الدغيدى حرجا في ممارسة الشباب للجنس قبل الزواج، فهى أكثر الوجوه النسائية الإخراجية ميلا لطرح القضايا الجنسية على الشاشة الفضية، وأفلامها لا تعرف غير «لغة الجسد» والمشاهد ساخنة، ودون تفكير ارجع بذاكرتك إلى عام 2000 حيث «الوردة الحمراء»، وبعده بعام «مذكرات مراهقة»، ثم «الباحثات عن الحرية» في 2004، وغيرها. وأمام سهام الانتقاد لأفلامها، كانت إيناس الدغيدى تدافع دائمًا بشعار «الفن حرية وإبداع بلاحدود»، وأنه لا يجب أن تكون هناك خطوط حمراء، أو حواجز لحرية الإبداع، وأن من حق المبدع تقديم ما يراه، وتجاهلت تمامًا انتقادات أفلامها واتهامها بأنها تقدم فنا يهدف لنشر العرى وإفساد أخلاق الشباب. «وباء وعرى» «ده مش فن ده وباء» بحسب عدد من النقاد الذين يرون أن المجتمع أصبح يعانى انتشار وباء أفلام العرى والإيحاءات الجنسية، ومعها إعلانات «البرومو» التي تخترق البيوت المصرية عبر المحطات التليفزيونية، وتهدد كل القيم والأخلاق. كما يرون أن المنتجين باتوا يتسابقون على تقديم مسلسلات أو أفلام تعتمد على العرى، وتهين المرأة المصرية بصفة عامة بما يتعارض مع المطالبة بمراعاة حقوق المرأة والدفاع عنها، كما أن» بعض المنتجين، لديهم اعتقاد راسخ بأن السينما لا يمكن أن تنجح ويكون لها سوق رائجة دون تعرية الفنانات، وهذا الاعتقاد يمثل خطرا على سمعة المجتمع المصرى عربيًا ودوليًا عندما تعرض هذه الأفلام في المهرجانات». وعلى شاطئ، المؤيدين لأفلام السبكى وقف الناقد الفنى عصام زكريا، قائلا عنها «لا تختلف كثيرًا عما يقدم في السينما المصرية الآن، وهى مثل باقى الأفلام تحتوى على عناصر إيجابية، وأخرى سلبية تبتعد تمامًا عن الإبداع، لكن الاختلاف بين سينما السبكى وغيرها أن الأولى تنجح جماهيريًا وتحقق ربحا تجاريا، مما يسبب نوعا من الحقد والغضب من قبل بعض المتضررين». مؤكدا أن أغلب الأفلام حاليًا ضعيفة فنيًا ومنقولة من أعمال أخرى، وتعتمد على توليفة تجارية، أضاف زكريا «لست مع فكرة منع أفلام السبكى، ده كلام فارغ، والمجتمع مدمر مش الأفلام هي اللى هتدمره، الأفلام بتنقل بعض اللى موجود في المجتمع، وفيه دراسات أكدت أن العنف في المجتمع يقل مع تفريغ الناس طاقاتهم في دور العرض السينمائى ومشاهدة أفلام البلطجة والعنف».