دائمًا ما كانت الكنيسة المصرية تنادى وتشدد وتدعو إلى أنها كنيسة سلمية متخذة مبدأ المسيح "من لطمك على خدك الأيمن حول له الأيسر" و"أن جاع عدوك فاطعمه" يبدو أن تلك الآيات الكتابية هي للمعرفة فقط لأنه بالدليل القاطع والتاريخ الدامغ فإن الكنيسة في أشد ظروفها لم تستخدم تلك التعاليم أو تنادى بها بل لجأت إلى السيف والدم لتصفية الحسابات وهذا ما تحاول الآن الكنيسة المصرية عدم التعرض له أو الإشارة إليه. في أول عرض روائى تاريخى يأخذنا الكاتب سمير زكى في روايته "رجل ضد العالم"، والصادرة حديثا عن دار زحمة كتاب، إلى أجواء الثغر السكندرى إبان القرن الرابع الميلادى وتحديدًا عند ظهور بدعة اريوس ذلك الكاهن الليبى الذي حضر إلى الإسكندرية مفعمًا بالآمال العريضة والأفكار الشاذة من وجهة نظر المسيحية إلا وهي تقسيم المسيح إلى طبيعتين ومشيئتين معترفًا بعدم ألوهية السيد المسيح صانعًا لنفسه شعبًا عظيمًا من السكندريين ما لبث أن انتشر في جميع أنحاء المسكونة حتى إنهم كانوا سيقضون على اتباع المذهب السكندرى ( الأرثوذكسى ) بالكامل وهنا لم يقف الطرف الأخير بل أخذ على عاتقه حق الهجوم وتجلى الشاب اثناسيوس وقتها في سبيل الدفاع عن الإيمان المستقيم وذهب اثناسيوس واريوس وتبقى الشعب الذي أشعل الإسكندرية وغرقت في بحور الدماء التي وفق الكاتب في نقلها كأنك تشاهد فيلما سينمائيا ذا خيال خصب، مسيحيون يقتلون مسيحيين ولا عزاء للمسيحية من قريب أو من بعيد، ومع أن الأريوسية قد انتهت فعليًا في جميع أنحاء العالم إلا أن اتباعهم لايزالون متواجدين وهم أصحاب مذهب الطبيعتين والمشيئتين ( الكاثوليك) الذين فصلوا لاهوت المسيح عن ناسوته تمامًا وهذا هو لب من نادي به اريوس داخل مجمع نيقية وكان الخلاف كله على حرف يونانى واحد ألا وهو يوتا. وأوضح الكاتب في روايته أن المسيحية انقسمت على نفسها ولم تتجمع حتى الآن ولا يظن المسيحيون أنفسهم أنها ستتحد مرة أخرى. يبدأ الكاتب روايته بعد المجمع بنحو ستين عاما حيث انتشرت الأريوسية في جميع أنحاء العالم مع التلميح إلى أن الإمبراطور قسطنطين البار قد اعتنق الاريوسية في آخر حياته نظرًا لتعاطفه الشديد مع اريوس ونفيه إلى البابا اثناسيوس لذا فليس كل المسيحيين يكرمون الإمبراطور قسطنطين ولا يعتبره الجميع حامى المسيحية كما يشاع خطأ في التاريخ المسيحى، أن الاحتمال الكبير أن يكون قسطنطين قد مات اريوسى ومع ذلك تطلق عليه الكنيسة المصرية لقب البار. فلسفة الإيمان بالثالوث القدوس وتحليله ونظرية الثلاثة في واحد يشرحها الكاتب على لسان بطل روايته اثناسيوس الشاب داخل مجمع نيقية ومع ذلك يرفض اريوس الاقتناع أو الاعتراف بالمبدأ ويوضع قانون الإيمان الذي حتى الآن الكنائس الشرقية والغربية مختلفة عليه. عرض تاريخى شيق للمعاملات البشرية في القرن الرابع تشكف مدى زيف العلاقات وجبروت الطبقات الراقية في انتشار الدين والبدع ومساندتهم للسياسة الرومانية حتى إنك تعتقد أن الزمن تغير ولكن الناس كما هي منذ القرن الرابع وحتى الآن، تداخل الطوائف المسيحية وعدم السماح لهم بالزواج معتبرين ذلك أكبر الخطأ فلا يجوز للكاثوليكى أو الأريوسى أن يتزوج الأرثوذكسية والعكس صحيح، وتتوه الآمال وقصص الحب العنيفة في القصة داخل بوتقة يجوز أم لا يجوز وهل يجب أن نكمل الناموس أم لا ؟. رواية رجل ضد العالم قد تخطت حاجز الصمت الذي أغلقت الكنيسة به على نفسها طيلة ما يقارب الستة عشر قرنا من الزمان لا تريد الاقتراب منه أو النظر فيه مرة أخرى لأنه بكل الأشياء يدينها، ويجعل مشهدها الخارجى يتزعزع، لقد سارت الكنيسة وشعبها في طريق الدماء كاسرة تعاليم الإنجيل وبعد أن كانوا يبادوا في العصر الوثنى القريب أصبحوا هم الآن من يأخذون أنفس بعضهم بالسيف وكله تحت شعار الصليب المجيد وبشارة الإنجيل، لذا لا يستبعد الكاتب غضب الله في تفريق رعيته وعدم لم شتاتها من جديد. .... لا أعرف كيف أحارب، لم أترب على مسك السيف و لكنى تربيت على مسك القلم والقرطاس في مدرسة الإسكندرية. بهذا وعلى لسان أحد أبطال الرواية يخلد الكاتب فكرته الفلسفية، القتل بالسيف أكثر إيلامًا أم القتل بالقلم وبالفكر ؟؟؟