لا يوجد مجال تعلو فيه درجات التشكيك في مصداقية تفوق أبنائه أكثر من الفن والإعلام، تارة تكون بحق، وأخرى من باب «النفسنة»، ففى نهاية كل عام، تعلن العديد من المؤسسات المعنية عن جوائزها سواء لأفضل قناة أو فنان أو مطرب. ولا يكاد تخرج للنور تقارير نسب المشاهدة للقنوات الفضائية، والألبومات الفنية الأكثر مبيعًا، إلا وتعقبها الانتقادات والتشكيك من جمهور فنان بعينه، أو من مشاهدى قناة لم ينصفها التقرير الذي يحدد نسب المشاهدة. في واقعة تخطت مجرد الانتقاد، رفض عدد من القنوات الفضائية المصرية العام الماضى، التقرير الصادر عن شركة إبسوس للدراسات والأبحاث التسويقية، ولم يقتصر رد فعل تلك القنوات على إعلانها رفض ما تضمنه التقرير بشأن نسب المشاهدة، وإنما تقدمت ببلاغ ضد الشركة. الأزمة بدأت حينما أصدرت الشركة العالمية التي تأسست عام 1975، وتتخذ من العاصمة الفرنسية «باريس» مقرًا لها، تقريرآً بنسب المشاهدة للقنوات الفضائية خلال عام 2013، وصدر التقرير في يناير عام 2014، ليعلن تربع القناة السعودية «إم بى سى مصر» على عرش نسب المشاهدة، بعد أن جذبت الإعلامي الساخر باسم يوسف ببرنامجه «البرنامج» لشاشتها، مما دفع الإعلانات لتنهال عليها في ظل استقرار بوصلة الجمهور على إشارتها، وتلتها في الترتيب قناة الجزيرة القطرية، لتحل قناة الحياة المصرية في المركز الثالث، فقامت الدنيا ولم تقعد، ضد إبسوس، التي تتعامل مع القنوات الفضائية منذ عام 2006، دون تشكيك في نتائجها. كان يمكن لهذه النتائج أن تمر مرور الكرام، إذا كانت في وقت سابق، وليس في ظروف سياسية خاصة أعقاب ثورة 30 يونيو، فاعتبرت الفضائيات أن نسبة المشاهدة المرتفعة لقناة الجزيرة، تعطى انطباعًا مخالفًا لما هو موجود على أرض الواقع، والأكثر من ذلك أن القنوات اتهمت إبسوس أنها تصدر تقارير تشكل خطرًا على الأمن القومى المصرى. وربما تجدر الإشارة هنا إلى أن الأمر لا يتعلق بالأمن القومى المصرى، قدر ما يتعلق بالملايين التي تنفقها هذه القنوات الخاصة، على الدعاية الخاصة بها، والملايين الأخرى التي تتلقاها من رجال الأعمال الراغبين في الإعلان عن منتجاتهم على الشاشة الأكثر مشاهدة. ومن أجل الملايين والأمن القومى، حررت قنوات «النهار - الحياة - سى بى سي- أون تى في»، المحضر رقم 316 لسنة 2014 إدارى دار السلام، في 16 يناير2014، تشكو فيه من تضررها الأدبى والمادى من التلاعب والتزوير الذي تقوم به شركة «إبسوس» لصالح قنوات أجنبية في إصدار تقارير نسب المشاهدة الخاصة بالقنوات الفضائية. ولنفس الأسباب حررت قناة «دريم،» المحضر رقم 331 لسنة 2014 إدارى دار السلام، في 18 يناير 2014، وزادت عليها بأنها تضررت من عدم مصداقية التقارير، مع امتناع شركة «إبسوس»، عن اطلاع كل القنوات على البيانات والتسجيلات التليفونية الصوتية، التي على أساسها تضع تقاريرها، واتهامها بالمماطلة والتسويف في اطلاعهم على البيانات، لإضاعة الوقت، حتى تتمكن من إخفاء الحقائق، بحسب نص المحضر. من جانبها، قررت نيابة دار السلام، استدعاء المستشار القانونى لشركة أبحاث نسب المشاهدة، لسماع أقواله في بلاغ الجمعية التأسيسية لغرفة صناعة الإعلام المرئى والمسموع -والتي تضم 10 قنوات فضائية- ضد الشركة، واتهامها بالتزوير واستبعاد القنوات الفضائية المصرية من تصدر المراكز الأولى، خلال الاستقصاء الذي أجرته الشركة في النصف الأخير من ديسمبر 2013. ولم تغب عن المشهد قنوات «الحياة، سى بى سي، التحرير، المحور، دريم، صدى البلد، القاهرة والناس، أون تى في، النهار، والفراعين»، فعقد ملاكها مؤتمرًا صحفيًا صباح 26 يناير عام 2014، أعلنوا فيه مقاضاتهم الشركة، وتأسيس غرفة لصناعة الإعلام المرئي، يكون أحد أهدافها حماية مصالح القنوات، وحل أي مشاكل تطرأ بينها والدولة. التليفزيون المصرى لم يرض التليفزيون الرسمى المصري، أن يكون طرفًا في النزاع القائم بين القنوات الفضائية الخاصة، وشركة إبسوس، وصرحت وزيرة الإعلام –آنذاك- الدكتورة درية شرف الدين، بأن اتحاد الإذاعة والتليفزيون لم يعترض على أبحاث المشاهدة الخاصة ب»إبسوس». وأكدت أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون ليست له علاقة بشركة إبسوس، ولم يستعن بها من قبل ولم يدفع لها مليمًا واحدًا أو أي أجر مقابل العمل معه، ما يعنى أنه ليس له صلة بالشركة أو بنتائج أبحاثها، سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة، والمسألة تخص القنوات الفضائية التي تتعامل معها فقط. واعتبرت شرف الدين، إدراج اسم اتحاد الإذاعة والتليفزيون ضمن الجهات الرافضة لتقرير إبسوس، محاولة لإقحام اسم الإذاعة والتليفزيون ضمن ردود أفعال بعض الفضائيات، التي كانت تستعين بتلك الشركة. رد الشركة وفى المقابل، أصدرت إبسوس، بيانًا للرد على الاتهامات الموجهة إليها من قبل غرفة صناعة الإعلام والقنوات الفضائية، وجاء في بيان الشركة أنها تعمل في مصر منذ عام 2006، كوحدة قانونية مثبتة كليًا، وحائزة على جميع التراخيص لمزاولة العمل، ولديها أكثر من 140 موظّفًا مصريًا محليًا، يتمتّعون بالخبرة التقنية اللازمة. وقال «عمر قيس»، مدير عام «إبسوس مصر»: «نحن نمثل واحدة من أكبر ثلاث شركات للأبحاث في العالم، وشركتنا تدير أبحاثًًا في أكثر من 85 دولة حول العالم، وفى 20 دولة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وليست لدينا أيّ مصلحة، سواء أكانت لشخص أو لشركة، تجعلنا نتلاعب بنتائج الأبحاث، إننا نعمل باستمرار إلى جانب زبائننا، الذين يختاروننا لدراسة توجهات الأسواق مؤمنين بمصداقيتنا، ومنذ نشأتنا لم تردنا أيّ شكاوى من زبائننا، ولم نستلم أيّ اعتراض مرتبط بدقة النتائج، وبالأخصّ من هؤلاء الذين طرحوا علامات استفهام على الشركة في مصر منذ عدّة أيّام». وأردف «قيس»: كما هو معترف به، يوجد اختلاف في الإنفاق على الإعلانات على القنوات الإعلامية، ويرتكز هذا الإنفاق إلى خطط التسويق، والميزانية التي تضعها شركات الإعلان عامة، والزبائن خاصة، للوصول إلى الجمهور المستهدف بأفضل الطرق الفعّالة، وإبسوس في هذا الإطار، لا تتدخّل إطلاقًا في إبداء أي رأي، أو أخذ أي قرار في هذا المجال، وهذا ينطبق على مكاتبنا الإقليميّة أو العالميّة على السواء. ميوزك أورد «إبسوس» لم تكن الأولى التي تتعرض لاتهامات بالغش والتزوير والكذب والتدليس، وسبقها جائزة «ميوزك أورد»، التي حصل عليها الفنان عمرو دياب، ليجعل الحديث يدور حولها في الشرق الأوسط وفى العالم العربى، لم يشكك أحد في فوز الهضبة بها، لشهرته العالية وتحقيق ألبوماته لمبيعات غير مسبوقة، لكن التشكيك في مصداقية الجائزة بدأ في لبنان، حين بدأت الحرب على المطربة اللبنانية إليسا، التي حصدت الجائزة لسنتين متتاليتين، ووقتها اتهم الفنانون شركة «روتانا» للإنتاج الفنى بشراء الجائزة لإليسا. وخرج مدير عام شركة «روتانا» سالم الهندي، لينفى ما يشاع من أن الشركة دفعت نصف مليون دولار إلى منظّمى ال «»World Music Award لقاء فوز إليسا بها، وأكد أن الشركة توقفت عن الكشف عن أرقام مبيعات ألبوماتها إلى منظّمى الجائزة لأن الأمر أساء إلى فنانيها، معلنًا رفض روتانا كسب جائزة مقابل خسارة أحد المطربين المتعاقدين معها، وأوضح أن الدفع يتمّ لقاء حق البث الحصرى لوقائع الحفلة وليس ثمنًا للجائزة. لم يقف الأمر عند إليسا، وإنما طال مواطنتها نانسى عجرم، التي اتهمت كذلك بشراء الجائزة، فضلًا عن الحرب التي نشبت مؤخرًا بين جمهور عمرو دياب وتامر حسنى ومحمد حماقى، إلا أن هذه الحروب لم تتعد صفحات التواصل الاجتماعى، ولم تتحول إلى محاضر رسمية كما حدث مع إبسوس.