لاشك أن المادة 60 من الإعلان الدستورى بما تحمله من التباس وغموض وقصور، كان لابد أن تؤدى إلى ما نحن فيه من ارتباك وارباك..ناهيك عن التناقض الصارخ بين المادتين 21 و28 منه، فضلا عن المادة 56 التى فرضت على الشعب المصرى نظام الحكم الرئاسى فى تلك الفترة، علاوة على الاعتداء على حق مجلس الشعب فى ممارسة مهامه الأساسية، ومنها سحب الثقة من الحكومة..بل إن المجلس العسكرى أصدر مراسيم بقوانين فى سرية كاملة، دون مبرر أو مسوغ مقبول، قبل أن ينعقد مجلس الشعب المنتخب بأربعة أيام، مما يعد إهانة للمجلس وفتحا لباب القيل والقال حول المجلس العسكرى!! كما أصبح واضحا أن الطريق الذى سار فيه مجلسا الشعب والشورى فى طريقة اختيار لجنة كتابة الدستور وفقا للمادة 60 المذكورة آنفا لم يكن مصيبا ولا ملائما على أى نحو، رغم صيحات التحذير والتنبيه التى انطلقت فى تلك الفترة من رجال القانون الدستورى والساسة والباحثين والمهتمين بالشأن العام، خاصة فى قضية من أخطر القضايا التى سيتحدد على أساسها حاضر ومستقبل مصر..كنت أرجو من الأغلبية فى مجلسى الشعب والشورى ألا يهيمنوا على لجنة كتابة الدستور، فالدستور يجب ألا يكون مرهونا بالأغلبية، وإنما يجب أن يكون ترجمة وتجسيدا لتوافق ورضا وطنى عام..وكنت أتمنى أيضا ألا يرأس لجنة كتابة الدستور رئيس مجلس الشعب، وكان من الممكن أن يسند هذا المنصب لآخرين ممن لهم دراية بالقانون الدستورى. وقد جاء الحكم التاريخى لمحكمة القضاء الإدارى فى 10 أبريل 2012 بوقف تنفيذ القرار المعيب لتشكيل لجنة كتابة الدستور، لكى يعيد الأمر إلى نصابه الصحيح..وحسنا فعل الإخوان إذ أعلنوا أنهم يحترمون هذا الحكم، وأنهم لن يستشكلوا عليه فى تصورى هناك عدة أمور يجب أن توضع فى الاعتبار.. أولا: يجب أن تختص لجنة المائة المنتخبة من غير المعينين من مجلسى الشعب والشورى بوضع المعايير والشروط التى على أساسها سيتم اختيار الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور. ثانيا: أن يكون أعضاء الجمعية التأسيسية من خارج مجلسى الشعب والشورى، وأن يكونوا ممثلين عن كافة الفئات والشرائح للمجتمع المصرى، أفقيا ورأسيا. ثالثا: ضرورة أن تتضمن الجمعية التأسيسية الخبرات القانونية والدستورية اللازمة لكتابة ووضع دستور جديد ودائم يليق بمصر من حيث المكان والمكانة، إضافة إلى طبيعة المرحلة التى تمر بها، خاصة بعد ثورة اعترف العالم بعبقريتها، وأيضا من حيث الدور الكبير الذى ينتظر مصر على المستويين الإقليمى والدولى. رابعا: أن تعقد الجمعية التأسيسة جلسات استماع يحضرها ويدلى فيها بدلوه كافة شرائح المجتمع لإثراء الأفكار والرؤى..خامسا: عرض كل ما تصل إليه الجمعية التأسيسية فى أى قضية دستورية فى وسائل الإعلام المختلفة وإجراء حوارات ومناقشات حولها يشارك فيها أهل الاختصاص والباحثون والناشطون السياسيون بهدف إيجاد وعى عام على المستوى المجتمعى، حتى يقبل الشعب على الاستفتاء على مواد الدستور وهو على بينة مما يفعل، من منطلق "على مثل الشمس فاشهد"، كما جاء فى الحديث. سادسا: يجب تحديد أفق زمنى للانتهاء من صياغة الدستور، بحيث يتحقق الإنجاز والإتقان معا أظن أنه لن تكون هناك اختلافات جوهرية حول الأبواب الأولى للدستور؛ كالدولة، الحقوق والحريات العامة والخاصة، المقومات الأساسية للمجتمع، وسيادة القانون..لكن الاختلاف سوف يكون مركزا حول الباب المتعلق بنظام الحكم، هل سيكون رئاسيا أم برلمانيا أم مختلطا؟ رئيس الدولة، وما هى صلاحياته وعلاقاته بالمؤسسات الأخرى فى كل من النظامين الرئاسى والمختلط؟..نسبة العمال والفلاحين فى عضوية مجلس الشعب، وهل يتم الإبقاء عليها أم إلغاؤها؟..هل سيلغى مجلس الشورى أم يبقى؟..المحكمة الدستورية العليا..الفصل والتوازن بين السلطات..وضع القوات المسلحة..وزارة الداخلية..إلخ. أسئلة كثيرة ضرورية ومهمة، وتحتاج إلى أن نعطيها الوقت والجهد الكافيين..هذه مرحلة مخاض أرجو أن ننجح فى عبورها وتجاوزها، فمصر الشعب والوطن تستحق منا الكثير.