قال الكاتب الصحفى الكويتى أحمد الجار الله رئيس تحرير صحيفة "السياسة " الكويتية في مقال له اليوم، الثلاثاء، تعليقا على القصف الجوي المصري ضد معاقل تنظيم "داعش" الإرهابي في ليبيا، لم تعض مصر على الجرح وتستخدم المعزوفة العربية التي اعتدناها منذ عقود "إننا سنرد على العدوان في الوقت والمكان المناسبين" فيما تمضي السنوات والرد يصبح مجرد قول مرسل. مصر أقرنت القول بالفعل وردت بحزم وسرعة على المجزرة التي ارتكبها "داعش" ضد 21 مصريا في ليبيا، وهذه، كما جاء في بيان القوات المسلحة، بداية. بين الحزم الأردني في الرد على الجريمة البشعة التي ارتكبها "داعش" ضد الطيار معاذ الكساسبة، والرد المصري السريع، إرادة عربية واضحة على محاربة حقيقية للإرهاب، من دون الخضوع لمكاييل مصالح السياسة الدولية، فمكيالهما الوحيد هو حماية شعبيهما، أيضا هو رسالة واضحة إلى العالم أن العلاج الوحيد لتلك الجماعات هو استئصالها من الجذور. من نحاربها اليوم جماعة ارتكبت من الفواحش ما لا يطاق، واستفادت من حالة الرعب التي بثتها في النفوس، أضف إلى ذلك سعيها إلى تغيير الواقع الديموغرافي والعلاقات في المجتمع الواحد التي ترسخت بفضل عيش مشترك بين مختلف أتباع الاديان في المنطقة طوال القرون الماضية، هادفة من ذلك إلى استدراج الأمم إلى حروب دينية تعيدها إلى عصور الظلمات. هل يستطيع دعاة احتواء "داعش" من المسؤولين الاميركيين الذين يهولون بعدم إمكان هزيمة هذا التنظيم، رد أذاه مستقبلا إذا سارت الدول مسارهم، وهل هو أصلا سيخضع لهم، الا إذا كانوا هم من يمده بوسائل الحياة؟ الأردن ومصر قالا كلمتيهما، ما يعني أنه إذا توافرت الإرادة الحقيقية، ورفعت القيود التي تضعها الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوربية على الدول العربية، وحزمت أمرها في مواجهة حقيقية، من السهل القضاء، ليس على "داعش" فقط، بل على كل الجماعات الإرهابية التي كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، قد حذر الغرب والولاياتالمتحدة منها منذ أشهر بقوله: "لا يخفى عليكم (مخاطبا سفراء الدول الأوربية حينذاك) ما عملوه وسيعملونه، واذا أهملوا، أنا متأكد بعد شهر سيصلون إلى أوربا، وبعد شهر ثان إلى اميركا، لذلك لابد من الاسراع في محاربة الإرهاب قبل أن يستشري أكثر مما هو عليه الآن". لم يكن هذا التحذير إلا جرس الانذار الذي يبدو أن أوربا والولاياتالمتحدة لم تسمعاه جيدا، إلى أن تسللت أفاعي الإرهاب لتلدغها في عقر دارها، فأيقظتها من حلم ابتزازنا بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، على واقع أنها هي من ساهمت بتنمية ذاك الوحش من خلال غضها الطرف عنه، في محاولة منها لتحقيق أهداف سياسية عبره وهو اليوم ينهشها. لاشك أن ردود الفعل الدولية الضعيفة في بداية توسع "داعش" و"النصرة" و"القاعدة" وغيرها من الجماعات الإرهابية، جعلها تتوهم قدرتها على إخضاع الدول العربية لمشيئتها وإرعابها بالذبح والحرق والتفجير والمجازر، لكنها أيقنت، اليوم، أن هذه الدول لا تخضع للاجندة الغربية ولا لاجندة الارهابيين، وتدافع عن مواطنيها، بل انها قادرة على خوض الحرب بلا هوادة إلى النهاية. من البديهي أن ما يهدد الأردن ومصر يهدد دول "مجلس التعاون" الخليجي، لذلك ليست مستغربة سرعة دول الخليج إعلان الاستعداد بالمساهمة في خوض المعركة إلى جانب الأردن ومصر ضد "داعش" ومعه كل الجماعات الإرهابية التي تريد لهذه الأمة أن تغرق في بحر من الدماء. الكرة اليوم في ملعب العالم ليحزم أمره في مواجهة من دون مواربة، فهل هو على استعداد لحماية نفسه من هذه الآفة؟ أخيرا، كان أداء القوات المسلحة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسي رائعا في سرعة الرد الذي أثبت للعالم أن الدول العربية لديها القدرة على محاربة من يهدد أمنها، وان مقولة "الرد سيكون في الزمان والمكان المناسبين" ليست الا مقولة العاجز الخانع، ومصر والأردن ليسا من الدول العاجزة.