الملابس الكهنوتية في الكنيسة الأرثوذكسية ليست ملابس بسيطة، يلبسها الكاهن، ليتميّز بها عن جماعة المؤمنين فحسب ، بل لها معاني لاهوتية عميقة ، فمن يرتديها يتخلَّى عن ذاته ويصبح خادماً للرب. «حلة المجد النورانى».. إنها رداء البابا البطريرك الذى يبعث برسائل إنجيلية.. فجلبابه الأبيض ( التونيه ) رمز للطهارة ، وصديريته التى يلبسها حول عنقه تشير إلى حمله خير المسيح، وتذكرنا أكمامه بشد وثاق يسوع، أما حزامه فيؤكد يقظته لرعيته، ويمثل تاجه سلطان كهنوته، وغير ذلك الكثير والكثير من الإشارات والمعانى. زى البابا ليس وليد الصدفة، ولم تكن تفاصيله رغبة فى مظهر جمالى، بل تمثل كل جزئية وتفصيلة رمزاً إيمانياً داخل كل مؤمن مسيحى, ففى أثناء الصلاة فى الهيكل يرتدى قداسة البابا – وكذلك أى كاهن أو شماس –«تونية» لونها أبيض، وهى ترمز للطهارة والنقاء الذى يجب أن يكون عليهما خادم الهيكل ، وتشير التونيه لحلة المجد النورانية المترشح لها ، وهى عبارة عن جلباب طويل مطرز بالصلبان على الأكمام والصدر والظهر ، ولابد أن تصل للقدمين وعريضة الأكتاف ، وهى إشارة لمن يرتديها أن يكون رحب الصدر واسع البال ، وديعاً حليماً. وعلى التونية يرتدى البابا « الصدرة « يلبسها بالعنق وحتى القدمين أيضاً ، إشارة إلى حمل خير السيد المسيح ، وينقش عليها صور الرسل بخيوط ذهبية اللون. وتشير الأكمام إلى الوثاق الذى رُبِط به يسوع، وكذلك مكتوف اليدين لنتذكر جهاد المصارعة للعدو الشيطان, وتُلبَس فوق أكمام التونيه لكي لا تعطل أكمام الكاهن المتسعة فى أثناء خدمته بل تكون محبوكة على يديه فتسهل حركتها ويكتبون على الكم الأيمن «يمين الرب رفعتني يمين الرب صنعت قوة» (مز 118) وعلى الكم الأيسر «يداك صنعتاني وجبلتاني أفهِمنى فَأتعلم وصاياك» (مز 119). وعلى التونية يرتدى «المنطقة» وهى عبارة عن حزام من الخيوط الذهبية اللون، يلبسه ليشد به وسطه ليرمز إلى يقظته الدائمة على الرعية والاستعداد للخدمة. أما الحبل الذى يُشَد به فيشير لوسط المسيح ، ويشير إلى منطقة السيد لخدمة العبيد، كما ترمز أيضاً لوجود منطقه وفكره بكلمة الحق . ثم يرتدى البابا «البرنس» وهو رداء واسع مُدَوَر مفتوح من الأمام بدون أكمام، يرمز إلى العناية الإلهية التى تحيط بالبطريرك وتستره من كل جهة. «التليج» : يُلبَس داخل الهيكل بدل الحذاء تشبها بالابن الشاطر الذي ألبسوه حذاء في قدميه ويشير إلى تجديد السيرة « لابسين درع البر حاذين أرجلكم باستعداد إنجيل السلام.» (أفسس 6: 14). ثم «التاج» على رأسه يكون مضلعاً لأنه رئيس على أكثر من كنيسة ومنطقة، وتُنقَش عليه صورة السيد المسيح ، دليلاً على سلطان الرئاسة الكهنوتية والرعوية ، وتاج الخلاص والمجد، إضافة إلى إكليل الشوك والمنديل الذى وضع على رأس السيد المسيح وهذا جاء فى الإنجيل حيث كان سليمان الحكيم يضع رقائق ذهبية فى الهيكل لأنه يقابل الله بأفخم الملابس. وهذا الزى يرتديه البابا أثناء الخدمة فى المناسبات الرسمية،أما فى الأيام العادية أثناء الخدمة والصلاة فيرتدى قداسته الجلباب الأسود ويطلق عليه «الفَرَّاجِيَّه» وهو الذى يرتديه العلماء ، لأن الشريعة تخرج من فم الكاملين. كما يرتدى أيضاً عمامة سوداء ترمز إلى قبة الكنيسة، وتاج للكاهن الذى يحمل المسئولية، أما اللون الأسود فيشير إلى مشاكل الشعب وخطاياهم. أما قداسة البابا راهباً فيرتدى قلنصوة وهى غطاء للرأس تحت العمامة السوداء، وينقش عليها 12 صليباً بعدد تلاميذ السيد المسيح الذين حملوا على أكتافهم نشر المسيحية فى أرجاء العالم. والبطريرك أو الأسقف يمسك عصا الرعاية، فقد جاء فى الإنجيل المقدس «أنا هو الراعى الصالح». أما أول مشغل كان يحيك ملابس الكهنة والباباوات موجود حتى الآن فى شارع كلوت بك ، وقد أنشئ منذ 120 عاماً ، وهو الذى أعد ملابس كلاً من القديسين البابا كيرلس السادس، والبابا شنودة الثالث عند تنصيبهما، وهناك «مشاغل» تقوم بالتطريز فى الأديرة والكنائس، ورداء البابا جاء فى الإنجيل فى سفر الخروج لأنه على غرار لبس هارون، فالله وصف ما يرتديه رئيس الكهنه. وملابس قداسة البابا يشغلها دير الأمير تادرس للراهبات بمصر القديمة، وكذلك دير الشهيدة دميانة بدمياط, فضلاً عن المشغل الحالى بالكاتدرائية والذى يعمل بجهد وإشراف الأخوات المكرسات،ومعظم ملابس البابا تأتى كهدية من الشعب والأديرة بل إن بعض ملابسه تأتى هدايا من الخارج ، ويُحتَفَظ بها فى المقر البابوى.