أيا كان الخلاف حول عدد إخواننا المسيحيين فى مصر، فهم مواطنون لهم جميع حقوق المواطنة، وهم جزء من نسيج هذا المجتمع، فضلا عن أنهم شركاء الوطن، القرار والمصير..وقد كتبت يوما بيانا نشرته صحيفة الحياة بتاريخ 7 أغسطس 4991 أبين فيه علاقة الإخوان المسلمين بالحكم، العنف، النقابات، والأقباط..إلخ. وقد صار هذا البيان أحد وثائق الإخوان المسلمين..ما يهمنا هنا هو ما جاء فى البيان بشأن إخواننا المسيحيين، وهو أن بطاقة الهوية التى تعطيها الدولة لمواطنيها من غير المسلمين يمكن أن تحل محل مفهوم أهل الذمة فى الإسلام..وبناء عليه فإن تولى المناصب العامة فى الدولة يجب أن يكون على أساس الكفاءة والقدرة والتميز، وليس على أساس العقيدة، أو المذهب، أو الجنس، أو اللون، أو العرق. ولا خلاف أيضا على أن نهضة مصر لا يمكن أن تأخذ طريقها إلى النور، إلا إذا كان هناك تضافر لجميع الجهود المبذولة من شركاء الوطن جميعا، دون إقصاء أو تهميش لأحد، أيا كان حجمه أو وزنه، خاصة أن المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن: «دين الدولة الإسلام، ومبادىء الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، واللغة العربية لغتها الرسمية»، هى المادة الحاضنة لكل المصريين، مسلمين ومسيحيين. ولا خلاف كذلك على أن السلطة، -خاصة فى عهد الرئيس المخلوع-، كانت سلطة قمعية باطشة بكل شرائح وفئات المجتمع المصرى..وللأسف تم تسليم جميع الملفات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لجهاز مباحث أمن الدولة..وقد لعب هذا الجهاز دورا خطيرا فى إشعال الفتن بين المسلمين والمسيحيين، حتى تظل السلطة محكمة قبضتها على الجميع، وهو لا يدرك أنه بذلك يلعب بالنار..ساعد على ذلك بطبيعة الحال الجهلة والمتعصبون والمتطرفون من الجانبين..وبدلا من أن يسعى البابا شنودة إلى إدماج المسيحيين مع المسلمين فى الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية المصرية، إذا به يجمع المسيحيين حوله فى تكتل سياسى أشبه بدولة داخل الدولة..وغنى عن البيان أن إخواننا المسيحيين كانوا يتمتعون بقدر من الحرية، مقارنة بالإخوان المسلمين، الذين كانوا يتعرضون للسجن والاعتقال والتعذيب والمحاكمات العسكرية..حاولنا نحن كإخوان مسلمين أن نقوم بتجسير الهوة بين المسلمين والمسيحيين، نزورهم فى كنائسهم خلال الأعياد، وندعوهم لحضور مؤتمراتنا وندواتنا..وكنا نحرص أيضا على أن يكونوا على قوائمنا فى الانتخابات النيابية والنقابية..كانت الاستجابة معقولة، طالما لم يكن هناك توتر بين السلطة والإخوان..أما فى حالة وجود توتر، فكنا نلاحظ مقاطعتهم وعدم استجابتهم. لقد كانت مواقف الكنيسة قبل الثورة داعمة ومؤيدة لنظام الرئيس المخلوع، بل كانت تمثل أحد الأعمدة المهمة فى خدمة توريث السلطة..وفى بدايات الثورة، رفضت قيادة الكنيسة أن تسمح للمسيحيين بالمشاركة فيها، إلا أن عددا لابأس به من المسيحيين رفض الانصياع لقرار الكنيسة وانضم إلى الثورة منذ اللحظة الأولى وشارك فيها بنصيب لا يستطيع أحد أن ينكره. فى أجواء الحرية، نريد أن نستعيد روح الثورة ووهجها وألقها..نعم كان هناك ولا يزال تنظيم البلطجة والعنف الذى أسسه جهاز مباحث أمن الدولة والحزب الوطنى المنحل، يعبث بأمن الدولة وأمانها واستقرارها، لكننا قادرون بالهمة العالية والعزم الصادق والإرادة القوية أن نواجهه وننتهى منه، وذلك بفصله عن جذوره..هناك دور يجب أن يقوم به التيار الإسلامى، وفى مقدمته الإخوان المسلمون، فى تجسير الهوة بين المسلمين والمسيحيين، ليس فقط من خلال خطاب سياسى رصين، وإنما أيضا من خلال خطوات وإجراءات عملية تفتح الباب على مصراعيه للتنسيق والتعاون بين شركاء الوطن فى كل المجالات،وما يستلزمه ذلك من شفافية وصراحة ووضوح، وتواصل مستمر ودائم.ثمة مشكلات يعانى منها إخواننا المسيحيين يتعين على التيار الإسلامى أن يوجد لها حلولا..هناك دور أيضا يجب أن يقوم به البابا الجديد وهو أن يتخلى بشكل واضح عن الطموح السياسى الذى كان لدى البابا شنودة، وأن يشارك فى وضع حد لحالة الاستقطاب والاحتقان الطائفى الحاد التى خلفها النظام البائد، والتى مازالت موجودة إلى الآن، وهو ما يتطلب توجيه الإخوة المسيحيين وإرشادهم للاندماج مع إخوانهم المسلمين للمشاركة المجتمعية العامة لتحقيق النهضة المنشودة، فى إطار من النظام العام للدولة وسيادة القانون، حيث إن مصر لكل أبنائها، وأن المواطنة هى الأرضية التى نرتكز عليها جميعا.