عقب اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 , ظهرت فكرة التحول إلى ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي, كبديل للنظام الاقتصادي الحقيقي المنتشر بالعالم, و على المستوى المحلى,و بعد ثورة يناير.. ثم تصدر الإسلاميين للمشهد السياسي فى مصر, عبر تحقيقهم النسبة الغالبة بالبرلمان, أعيد فتح ملف البنوك و الصكوك الإسلامية, فى ظل موافقة البنك المركزي على التوسع فى ذلك الاتجاه, و كذا إعلان حزب «النور» السلفي عن اعتزامه تأسيس بنك «إسلامي « يحمل اسم الحزب. فى صالونها هذا الأسبوع, استضافت «فيتو» عددا من خبراء الاقتصاد, وممثلين عن «النور», خاصة أن الحزب لديه مشروع ورؤية اقتصادية جديرة بالدراسة, لمناقشة الأمر ومستقبل الصيرفة الإسلامية فى الفترة المقبلة, فماذا قالوا.. البداية كانت للخبيرة المصرفية بسنت فهمي , مستشار بنك التمويل السعودي, التى قالت :إن التجارب والخبرات العملية أثبتت أن البنوك الإسلامية تمارس نشاطها فى تمويل الاتصاد الحقيقى والأخلاقى وجميع الأنشطة التى تتوافق مع الشريعة الإسلامية فقط , بعكس البنوك التجارية التقليدية التى تمارس نشاطها فى تمويل الاقتصاد الحقيقى, والورقى, على جميع الأصعدة سواء كان نشاطا أخلاقيا, أو غير أخلاقى متل تمويل مشروعات الخمور أو المشروعات الملوثة للبيئة, ويكون هدفها الأساسى هو الربح فقط , وهو ما أفرز فى النهاية ما يعرف بالرأسمالية المتوحشة بعيدا عن معايير الحلال والحرام. وهنا أرجعت الخبيرة المصرفية سعى بعض البنوك التجارية العاملة فى مصر, وعلى رأسها بنك الإسكندرية خلال الفترة الأخيرة للحصول على موافقة البنك المركزي, لإنشاء فروع معاملات إسلامية إلى حاجة البنوك الماسة للسيولة من ناحية, والإقبال المتزايد من العملاء على الصيرفة الإسلامية من ناحية أخرى, وهو ما سيؤدى- بحسب فهمي - إلى مزاحمة البنوك الإسلامية للبنوك العادية وسحب مزيد من السيولة لديها خاصة بعد تصدر الإسلاميين للمشهد السياسي فى مصر. مشيرة إلى اتجاه البنوك العالمية الكبرى لتقديم منتجات مصرفية تتوافق والشريعة الإسلامية, أرجعت فهمي الأمر إلى حاجة تلك البنوك هي الأخرى للسيولة وتيقنها من أن الصيرفة الإسلامية هي الملاذ الآمن لعلاج المشكلات التى أسفر عنها تطبيق النظام الرأسمالي, و تنظر للصيرفة الإسلامية كونها علماً يجب دراسته والإلمام به وليس نتيجة لوازع الديني. فهمي طالبت بإصدار تشريع يقضى بعدم السماح للبنوك التجارية التقليدية بفتح فروع إسلامية فى مصر خاصة بعد فشل تطبيق ذلك فى جميع دول العالم, مشيرة إلى أن البنوك التى تريد التحول للعمل وفقا للشريعة الإسلامية عليها أن تتحول بالكامل إلى النظام الإسلامى أو الاستمرار كبنوك تجارية تقليدية. الخبيرة المصرفية بررت مطالبتها بالكثير من الأسباب , أبرزها القصور الكبير فى الرقابة على تلك البنوك, خاصة فى ظل عدم رقابة البنك المركزى المصرى على الهيئات الشرعية بالبنوك الإسلامية, أو التجارية على حد سواء, وعدم التزام البنوك التجارية المرخص لها بفتح فروع معاملات إسلامية – وعددها 13 بنكا فى مصر- بإعداد ميزانية منفصلة بالمعاملات الإسلامية, وهو ما يؤدى لخلط الأموال كما تحتاج فروع المعاملات الإسلامية لأسلوب محاسبى, وهيكل تنظيمي مختلف عن البنك الأم, وهو ما لا يحدث حيث يتم التعامل على الحسابات الإسلامية بالحسابات التقليدية , وكذلك الرقابة على النظم الداخلية بالفروع الإسلامية تتم بالطرق التجارية, وهو خطأ تقع فيه كل البنوك, ويتطلب ذلك تنظيميا خاصا بعيدا عن البنك الأم وهو ما لم يتحقق . وانطلاقا من أطروحاتها السابقة فجرت فهمي قنبلة مدهشة فقالت: التوسع فى مجال الصيرفة الإسلامية يتطلب إنشاء هيئة للرقابة الشرعية بالبنك المركزى, على أن تكون مهمتها الأساسية مراقبة المنتجات التى تقدمها البنوك الإسلامية, وضمان موافقتها للشريعة الإسلامية, ومتابعة تلك المنتجات بعد طرحها بالإضافة إلى تولى إدارة السيولة والمقاصة بين البنوك الإسلامية. كما اقترحت الخبيرة المصرفية إنشاء بنك مركزي إسلامى, يتولى إدارة السيولة بين البنوك الإسلامية فى العالم , مبررة: تتعامل البنوك الإسلامية مع البنوك المركزية بالفائدة' فى حالتى الإيداع والاقتراض وتوحيد الهيئات الشرعية فى العالم وتوحيد الأدوات الرقابية والنظم الداخلية بين البنوك الإسلامية خاصة وأنها تحتاج أدوات رقابية خاصة حيث رقابتها وفقا للمعايير التى تتم بها رقابة البنوك التجارية التقليدية من جانبه انتقد طارق حلمي , نائب أول رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب السابق للمصرف المتحد, النظام العام فى مصر والذى لا يسمح بتقديم منتج إسلامى خالص يتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية, مشيرا إلي أن الأوضاع فى مصر لم تتغير حتى بعد قيام ثورة 25 يناير , و قال: «كان نظام مبارك يتعمد ربط كل ما هو إسلامي بالإرهاب».. مؤكدا فى الوقت ذاته أن جهاز مباحث أمن الدولة – الأمن الوطنى حاليا – كان يؤثربشكل مباشرعلى البنوك الإسلامية, مطالبا بضرورة تغيير الإطار العام وإعادة النظر فيما يتعلق بالاقتصاد الإسلامي بصفة عامة والبنوك الإسلامية بصفة خاصة. وأكد أنه لا يوجد ضمان كامل بأن منتجات وبرامج البنوك الإسلامية المطروحة حاليا تتوافق مع الشريعة الإسلامية ,حيث لا توجد جهة رقابية تراقب تلك المنتجات . ومن خلال تجربته الشخصية فى إدارة المصرف المتحد – والمملوك للبنك المركزى- أكد حلمي أن «الفتوى» تعد التحدي الأكبر أمام البنوك الإسلامية , مشيرا إلى أن بعض البنوك التى تقدم منتجات إسلامية تعتمد فقط على ضمائر القائمين, حيث لا توجد جهة تراقب تلك المنتجات, لافتا إلى أن المنتجات التى تتوافق مع الشريعة الإسلامية كانت تلقى إقبالا من الجميع – مسلمين وأقباط - كاشفا للمرة الأولى أن أكثر من 60 % من ودائع المصرف المتحد كانت للأقباط وهو ما يعكس الإقبال على البنوك الإسلامية . أما محمد حامد عضو اللجنة الاقتصادية بحزب النور فأكد أن الاقتصاد الإسلامي هو الملاذ الآمن للخروج من الأزمات الاقتصادية الحالية, خاصة بعد سعى العديد من دول العالم لتطبيقه, لتلافى عيوب النظام الرأسمالي و ما أفرزه من فجوة كبيرة بين الطبقات, وتجاهل تطبيق العدالة الاجتماعية, منتقدا فى الوقت ذاته الدعوات الرافضة لوجود الاقتصاد الإسلامى كعلم قائم على أسس اقتصادية واجتماعية وأن خير إجابة لتلك الدعوات هو تجاهلها من الأساس! حامد كشف أيضا عن أن الحزب بصدد دراسة التعديلات التشريعية التى تضمن التطبيق السليم للاقتصاد الإسلامى, بعيدا عن الممارسات الخاطئة والأهواء, الأمر الذي يتيح إقامة العدل والمساواة فى المجتمع – بحسب حامد - ويضمن تحقيق العدالة الاجتماعية, و يأتي فى مقدمتها التشريعات الخاصة بالصيرفة الإسلامية وأسواق المال. الدكتور عبد الحميد منصور عضو اللجنة الاقتصادية بحزب النور , التقط أطراف الحديث عن الصيرفة الإسلامية مؤكدا أن الهدف وراء تطبيقها ليس إقامة بنوك إسلامية فحسب, وإنما التوزيع العادل للدخل والثروات عبر تمويل مشروعات اقتصادية تخدم الاقتصاد المصرى, وتساعد على زيادة معدلات الإنتاج والحد من البطالة من ناحية, وتزيل الفوارق بين الطبقات من ناحية أخرى. أيضا كشف عبد الحميد عن انتهاء «النور» من إعداد مقترح يقضى بطرح «صكوك التمويل» كأحد الأدوات المالية الإسلامية, التى تهدف لتمويل المشروعات على أن يتم طرح تلك الصكوك بالأسواق وطرحه على مجلس الشعب للقانون, مشيرا إلى تفضيل الحزب عدم تسمية تلك الصكوك بالإسلامية تجنبا لاى انتقادات قد توجه للمشروع منذ بدايته, بالإضافة إلى عدم الخلط بين صكوك التمويل التى ينص عليها القانون الجديد والصكوك المنصوص عليها بقانون سوق المال الحالى رقم 92 لسنة 1995 , معللا الأمر بأن» القانون الجديد يجب أن يضم مادة خاصة تقضى بإلغاء ما نص عليه قانون سوق المال الحالي بخصوص الصكوك». وحول المعلومات المتاحة عن «صكوك التمويل» أكد عبد الحميد أنها ليست كالصكوك العادية, التى نص عليها قانون سوق المال الحالى, باعتبارها إحدى أدوات التمويل, مشيرا إلى أن المشروع المقترح يقضى بتحولها من مجرد أداة تمويل عادية – كالسندات – إلى إحدى ادوات الملكية – كالأسهم- على أن يتم تداولها وتقسيم الأرباح عليها وفقا للشريعة الإسلامية. عضو اللجنة الاقتصادية بحزب النور انهي كلامه بالإشارة إلى أن الحزب يقترح إنشاء هيئة اقتصادية للفتوى والرقابة الشرعية, يتشكل أعضاؤها من مجمع البحوث الإسلامية ,على أن تكون مهمتها الأساسية الفتوى والرقابة الشرعية لجميع المنتجات الإسلامية, التى سيتم طرحها وعلى رأسها صكوك التمويل, مشيرا إلى أن الهيئة ستعمل بالتوازي مع هيئة الرقابة المالية, على أن يقتصر دور هيئة الرقابة الشرعية على الفتوى والرقابة الشرعية فقط. وحول مستقبل المصارف الإسلامية فى مصر, يرى أيمن فاروق عضو اللجنة الاقتصادية بحزب النور إن النتائج الايجابية التى حققتها البنوك الإسلامية أثارت حفيظة البعض لتبدأ حملة تشكيك وافتراءات, وأن ذلك دفع حزب النور لدراسة التجارب السابقة فى محاولة لمعالجة الأخطاء التى شابت تلك التجارب لوضع حلول جذرية لها. فاروق أضاف بان العديد من البنوك المركزية حول العالم أصدرت قوانين خاصة للمصارف الإسلامية, فضلا عن اهتمام الجامعات العالمية بتدريس فقه ونظم المصارف الإسلامية, معلقا:» هو أمر جيد ويصب فى اتجاه أسلمة النظم المصرفية.» مختتما كلامه , أشار فاروق إلى أن انتشار الصيرفة الإسلامية يساهم فى إحياء فريضة الزكاة , و نظام القرض الحسن, واستقطاب رؤوس الأموال الإسلامية التى تمنعها النظم الربوية من السريان فى شريان الاقتصاد المصري, و كذا إيجاد نقاط تماس مشتركة مع الدول التى اعتمدت النظام المصرفي الإسلامي, مثل ماليزيا و اندونيسيا, و دول خليجية.