سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نجيب محفوظ ملك الأدب الواقعي.. "الحارة" صاحبة أبطال رواياته.. "قصر الشوق" تحاكي مجتمع1919.. "زقاق المدق" تحولت لفيلم مكسيكي.. "اللص والكلاب" قصة حقيقية.. وصدام مع الأزهر بسبب "أولاد حارتنا"
نجيب محفوظ، تلك الأيقونة المصرية الثرية، ابن الحارة الشعبية بمنطقة الجمالية، وصانع الحكايات الإنسانية، حيث إن وقع الحارة في قلبه أثراه وأثر فيه، فصار أبطال روايته، هم أشخاص الشوارع البسيطة، يحمل عنهم أوجاعهم، ويحاول تضميدها بأحرفه التي أبدعت في وصف الحالات الإنسانية المصرية . حملت كل رواية من روايات محفوظ، شخصيات عدة تدور من حولها أحداث البلاد، وآلام الواقع، وماكان محض صدفة أن يتم تسميته ب "ملك الأدب الواقعي"، حيث غزل من الحكايات الإنسانية، أزمنه وتداعيات لابد من دراستها والولوج فيها. قصر الشوق قصر الشوق هي الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ التي كانت سببا في حصوله علي جائزة نوبل في الأدب عام 1988م ، نشرت عام 1957م. تعرض حياة أسرة السيد أحمد عبد الجواد في منطقة الحسين بعد وفاة نجله فهمي في أحداث ثورة 1919 وينمو الابن الأصغر كمال ويرفض أن يدخل كلية الحقوق مفضلا المعلمين لشغفه بالآداب والعلوم والفلسفة وحبه وأصدقاؤه، وكذلك يتعرض لحياة نجلتي السيد أحمد وأزواجهم وعلاقتهم ببعض وزواج ياسين وانتقاله إلى بيته الذي ورثه من أمه في قصر الشوق وتنتهي أحداث القصة بوفاة سعد زغلول. السيد أحمد عبد الجواد، تاجر في منتصف العقد الخامس من العمر، له خمسة أبناء أكبرهم من زواج سابق، وأوسطهم استشهد في أحداث ثورة يوليو عام 1919، وكان هذا الابن من الشخصيات الرئيسية في الجزء الأول (بين القصرين)، والسيد أحمد صاحب شخصيتين: في البيت هو الزوج والأب الصارم، صاحب الهيبة والنفوذ، والمحافظ على أداء الصلوات، ومع أصدقائه هو الصديق المرح، الذي يسهر كل ليلة مع أصدقائه الثلاثة، مع الخمر والمومسات والعود والطرب، وإن كان قد ترك هذه العادة خمس سنوات حزنا على فقد ابنه، فإن أصدقاءه شجعوه على العودة إليها فاستجاب لهم. أما السيدة أمينة زوجة السيد عبد الجواد، تتسم بكل صفات ربة البيت في ذلك الزمان: الجهل، الخوف من العفاريت، الطاعة العمياء للزوج واعتباره سيدها وعدم الجرأة على مواجهته بأخطائه أو حتى مجرد نصحه، وهي في الجانب الآخر تحمل كل الصفات الجميلة للأم من طيبة وحنان ورعاية لشؤون المنزل. منطقة قصر الشوق سميت بذلك الاسم حيث كانت هذه المنطقة قديما (تقريبا في عصر شجر الدر)، قصر وهذه الشوارع كانت دهاليز بالقصر وكان هذا القصر تملكة الملكة شوق، وتحتوي المنطقة علي اثار وكنوز بعضها تمتلكها الحكومة وجزء وجده بعض الافراد واحتفظوا به . زقاق المدق صور الأديب الكبير الحياة في هذا الزقاق تصويرا أدبيا رائعا كعادته وقد حولت هذه الرواية إلى فيلم سينمائي قامت ببطولتة الفنانة المصرية الكبيرة (شادية). تدور أحداث القصة في فترة الأربعينات والحرب العالمية الثانية وتاثيرها على المصريين، وتعتبر بطلَة قصة زقاقُ المدق هي حميدة، فقد أفرد نجيب المساحة الكبرى فيها لحميدة التي انتهت حكايتها بين أحضان الضباط الإنجليز، وقد أنهت بمسلكها هذا حكاية خطيبها الذي مات مقتولا بيد الضباط الإنجليز. غير مخرج فيلم زقاق المدق حسن الإمام نهايته من مقتل عباس الحلو إلى مقتل حميدة، وهو ما أثر على جوهر فكرة الرواية التي تدور حول نهاية حتمية وفق مسار البناء الدرامي الذي برع فيه نجيب محفوظ، وهي نهاية درامية لبطل ساذج دفعه حبه الأعمى لفتاة أمية إلى التهور والموت. كما تم تحويل الرواية إلى فيلم آخر في المكسيك عام 1995 باسم El callejón de los milagros أو Midaq Alley وكان أول دور لسلمى حايك في السينما، ونال العديد من الجوائز بالرغم من تعديل الرواية لتلائم النمط السينمائي المكسيكي إلا أنك تشابه النمط المصري إلى حد كبير. اللص والكلاب رواية "اللص والكلاب "تقوم علي خط الصراع الأساسي بين "اللص والكلاب" أو سعيد مهران والمجتمع، وهذا الخط يلعب دور العمود الفقري الذي يربط أجزاء الرواية منذ أول سطر إلي آخر سطر فيها، فلا يتكلف نجيب محفوظ مقدمات لتقديم شخصياته ولكنه يدفع بالقارئ فورا إلي الموقف الأساسي في الرواية ويمكن للقارئ أن يضع يده علي الخيط الأول، وبذلك لا يحس بأنه يوجد هناك حاجز بينه وبين العمل الفني. تصور رواية "اللص والكلاب" شخصية سعيد مهران بأنه لص خرج من السجن، بعد أن قضى به أربعة أعوام غدرا، لينتقم من الذين اغتنوا على حساب الآخرين، وزيفوا المبادئ، وداسوا على القيم الأصيلة لكي يجعل من الحياة معنى بدلا من العبثية ولا جدواها. وهكذا قرر أن ينتقم من هؤلاء الكلاب إلا أن محاولاته كانت كلها عابثة تصيب الأبرياء وينجو منها الأعداء مما زاد الطين بلة. فصارت الحياة عبثا بلا معنى ولا هدف، ولقي مصيره النهائي في نهاية الرواية بنوع من اللامبالاة وعدم الاكتراث ولم يعرف لنفسه وضعا ولا موضعا، ولا غاية وجاهد بكل قسوة ليسيطر على شيء ما ليبذل مقاومة أخيرة، ليظفر عبثا بذكرى مستعصية، وأخيرا لم يجد بدا من الاستسلام، فاستسلم. دواعي التأليف اللص والكلاب، رواية مستوحاة من واقعة حقيقية بطلها "محمود أمين سليمان" الذي شغل الرأي العام لعدة شهور في أوائل عام 1961، ولوحظ اهتمام الناس بهذا المجرم وعطف الكثيرين منهم عليه، فقد خرج "محمود أمين سليمان"عن القانون لينتقم من زوجته السابقة ومحاميه لأنهما خاناه وانتهكا شرفه وحرماه من ماله وطفلته وكان هذا سببا هاما من أسباب تعاطف الناس معه، ولتحقيق انتقامه ارتكب العديد من الجرائم في حق الشرطة وبعض أفراد المجتمع، فأثارت هذه الواقعة اهتمام الكاتب واستلهم منها مادته الأدبية تجمع بين ما هو واقعي وما هو تخيلي فكانت رواية "اللص والكلاب". أولاد حارتنا كانت أولاد حارتنا أول رواية كتبها نجيب محفوظ بعد ثورة يوليو إذ انتهى من كتابة الثلاثية عام 1952، وبعد قيام الثورة رأى أن التغيير الذي كان يسعى إليه من خلال كتاباته قد تحقق فقرر ان يتوقف عن الكتابة الادبية وعمل كاتب سيناريو فكتب عدة نصوص للسينما، لكن بعد انقطاع دام 5 سنوات قرر العودة للكتابة الروائية بعد أن رأى ان الثورة انحرفت عن مسارها فكتب أولاد حارتنا التي انتهج فيها أسلوبا رمزيا يختلف عن أسلوبه الواقعي وقد قال عن ذلك في حوار : ".. فهي لم تناقش مشكلة اجتماعية واضحة كما اعتدت في اعمالى قبلها، بل هي اقرب إلى النظرة الكونية الإنسانية العامة." ولكن لا تخلو هذه الرواية من خلفية إجتماعية فرغم أنها تستوحي من قصص الأنبياء، إلا أن هدفها ليس سرد حياة الانبياء في قالب روائي، بل الإستفادة من قصصهم لتصوير توق المجتمع الإنساني للقيم التي سعى الأنبياء لتحقيقها كالعدل والحق والسعادة، فالرواية نقد مبطن لبعض ممارسات الثورة وتذكيرا لقادتها بغاية الثورة الأساسية وقد عبر محفوظ عن ذلك بقوله: "فقصة الأنبياء هي الإطار الفني ولكن القصد هو نقد الثورة والنظام الإجتماعى الذي كان قائما." الجدل حولها سببت رواية أولاد حارتنا أزمة كبيرة منذ أن ابتدأ نشرها مسلسلة في صفحات جريدة الأهرام حيث هاجمها شيوخ الجامع الأزهر، وطالبوا بوقف نشرها، لكن محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام حينئذ، ساند نجيب محفوظ ورفض وقف نشرها فتم نشر الرواية كاملة على صفحات الأهرام ولكن لم يتم نشرها كتابا في مصر، فرغم عدم إصدار قرار رسمي بمنع نشرها، إلا أنه وبسبب الضجة التي أحدثتها تم الاتفاق بين محفوظ وحسن صبري الخولي، الممثل الشخصي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر- بعدم نشر الرواية في مصر إلا بعد أخذ موافقة الأزهر، فطُبعت الرواية في لبنان من إصدار دار الآداب عام 1962 ومنع دخولها إلى مصر رغم أن نسخا مهربة منها وجدت طريقها إلى الأسواق المصرية. تمت عدة محاولات لنشر الرواية، حيث أعلنت صحيفة المساء الحكومية القاهرية، بعد فوزه بجائزة نوبل، إعادة نشر الرواية مسلسلة وبعد أن نشرت الحلقة الأولى اعترض محفوظ عليه فتم إيقاف النشر، كما كانت محاولة أخرى بعد محاولة اغتياله عام 1994، نظرا للمناخ المتعاطف معه تحدياً للتيار الأصولي .