في حارة درب المهابيل سترى مصر كلها، مصر التي حارت البرية في فهمها، مصر الطيبة، ومصر الشريرة، مصر الكريمة، ومصر البخيلة، مصر التي خضعت للجبابرة، ومصر التي خضعت الجبابرة لها، مصر التي تستسلم للغازي، ثم تقوم بابتلاعه، وفي حارة درب المهابيل ستجد حكيمها "أبو يكح الجوسقي"، ذلك الرجل الساخر الذي تتلخص فيه شخصية مصر، حيث يجلس في الحانة يتحدث مع صاحبها عم مغاوري، وبعد الحديث يجتمع حوله أهل الحارة، فيعب من شراب الجعة، ويشرب قدر الاستطاعة، ثم يخرج من الحانة ليجلس على الرصيف، فيجلس من حوله أهل الحارة، فيتحدث معهم حديثا آخر، فقد أطلق الشراب لسانه، فانطلق من عقاله يحكي ويحكي بلا رقيب أو حسيب، ولكن اليوم لم يكن أبو يكح الجوسقي في حالته المعهودة، إذ يبدو أن آفة الاكتئاب قد أصابته فنهشت من نفسيته ومن انطلاقة لسانه، فظل صامتا فترة، وأهل الحارة يستحثونه: تكلم يا جوسقي، احك لنا، ما بال لسانك اليوم معقودا؟! لكن كانت المفاجأة أن الدموع انسالت من عيني الجوسقي ! ويحك يا جوسقي، أتبكي وأنت حكيم حارتنا، من الذي أبكاك ؟! قال الجوسقي بصوت مرتجف: أبكاني ما أراه في مصر اليوم. قال عم مغاوري له: ولكنك الساخر الأكبر في حارتنا والساخرون لا يبكون. قال الجوسقي: سخرية الساخرين هي بكاء لكن بطريقتهم، فلكل منا طريقته يا عم مغاوري، لقد كان أحمد رجب يبكي ساخرا، ومن قبله كان محمد عفيفي وكامل الشناوي ومحمود السعدني، وهذه هي الشخصية المصرية التي تحول البكاء إلى سخرية، ولولا هذا لهلكنا. قال عم مغاوري: إذن ما الحال الذي جعل الساخر باكيا؟ قال الجوسقي: عرفت بمحض الصدفة يا عم مغاوري أن هناك أشخاصا "ماسكين على مصر ذِلة" ! صدر صوت جماعي من أهل الحارة يقول: نعم يا عوض الله، ماسكين علينا ذِلة ! مين دول يا جوسقي؟ قال الجوسقي: نعم ورب العزة، "ماسكين علينا ذِلة" يا جماعة، والمسألة واضحة جدا. قال أحد أهل الحارة وهو يزم شفتيه معترضا: ليه إن شاء الله، هو إحنا ماشيين في البطال، ولاَّ حد صوَّرنا واحنا مع دولة أخرى في وضع مخل للآداب العامة على كورنيش الأممالمتحدة؟! قال الجوسقي: يبدو ذلك والله أعلم. قال عم مغاوري: لااااا المسألة كده ما يتسكتش عليها، قول الحكاية يا جوسقي، نشَّفت دمنا. قال الجوسقي: اسمعوا ما سأقوله وسأترك الحكم لكم. قال أهل الحارة في صوت جماعي: احك يا سيدنا. قال الجوسقي: أول واحد ماسك على مصر ذِلة هو وزير الداخلية محمد إبراهيم، ففي عهده كوزير للداخلية تم ارتكاب العديد من جرائم القتل والاغتيال والتفجيرات، كلها تدل على فشله الذريع، وهو في مكانه لا يتحرك كأنه أبو الهول، خذ عندك يا سيدي اغتيالات للجنود في رفح، واختطاف لجنود آخرين، وتفجيرات مستمرة في العريش، وسيطرة من الإرهابيين على سيناء، وهو لا حول له ولا قوة، ولم يحدث أن فكر حتى في أن يقدم أي خطاب ولو خطاب تبرير لفشله، ثم تفجير مديرية أمن المنصورة، وتفجير لمديرية أمن القاهرة، وتفجيرات متتالية في أماكن حيوية بالقاهرة والجيزة والإسكندرية، وفي كل تفجير من هذه التفجيرات يتضح أن هناك أخطاء قاتلة في المنظومة الأمنية، فقلنا في أنفسنا إذا كان محمد إبراهيم غير راغب في تقديم استقالته فكان بالأحرى على رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية أن يقيله من منصبه، لكن لا هذا حدث ولا ذاك وقع. ثم حدثت عشرات الاغتيالات لضباط في جهاز الداخلية، واتضح أن جهاز الأمن الوطني مخترق من قبل جماعة الإخوان، وأصبح المكتب الرئيسي لوزير الداخلية هو مسجد الشرطة بصلاح سالم حيث تعوَّد بصفة مستمرة على تشييع جنازات الضباط من هذا المسجد، ولكن أحدا من الدولة لم ينتبه إلى أن هذا الوزير فشل في إدارة المنظومة الأمنية بجهاز الشرطة كما أنه فشل في إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية فظلت على فشلها وظل الوزير في موقعه. وكان الأكثر فداحة أن قامت الجماعات الإرهابية برصد تحركات الوزير، ومعرفة خط سيره بالدقيقة والثانية، ثم قامت بتتبعه بعد خروجه من بيته وقامت بتفجير موكبه الأمر الذي أدى إلى مقتل بعض المواطنين وأمين شرطة وإصابة بعض الضباط، ومع ذلك لم يفكر أحد في الدولة في إقالة هذا الوزير الذي فشل في تأمين موكبه، فكيف ينجح في الحفاظ على أمن البلاد ؟! ومن كثرة الحوادث الإرهابية أصابنا العجز عن حصرها، بحيث أنك لا تستطيع أن تقول لصاحبك: ما آخر حادثة إرهابية، إذ لو سألته وقال لك: عند ميدان نهضة مصر، سيرد عليك آخر قائلا: لا يا فالح بعدها بدقيقة حدثت حادثة إرهابية في العريش، كل هذا والوزير محمد إبراهيم صامد في منصبه لا يستطيع أحد أن يحركه أو يزحزحه، كل هذا دعاني ذات يوم يا أهل الحارة الكرام أن أقول إن بقاءه في منصبه هو بمثابة صدقة جارية. قال عم مغاوري: صدقة جارية على من يا جوسقي؟ قال الجوسقي: صدقة جارية على روح الإخوان، فالجهة الوحيدة المستفيدة من بقاء محمد إبراهيم في منصبه هي جماعة الإخوان، ويبدو أنه يحفظ لهم العيش والملح، فقد كان وجوده في الوزارة أصلا بناء على اختيار جماعة الإخوان له، ولكن مسألة الصدقة الجارية هذه زادت عن حدها فطردتها من ذهني إلى أن حدث ما لم أكن أتوقعه قط. قال عم مغاوري: وما الذي حدث يا جوسقي ؟ قال الجوسقي: عندما كنت في زيارة أحد المسئولين الكبار سمعت بمحض الصدفة حوارا بين هذا المسئول وشخصية ما كانت تكلمه على الهاتف، إذ قال المسئول الكبير لمن كان يحادثه: ما نقدرش يا فندم نشيل محمد إبراهيم من الوزارة، دي تبقى مصيبة، هو حضرتك مش عارف أنه عنده على مصر سيديهات، وكل سي دي ينطح أخوه، يا فندم محمد إبراهيم ماسك على مصر ذِلة، وإذا شيلناه هايفضح مصر بين الأمم، علشان كدة إحنا سايبينه في مكانه إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. استمر الجوسقي قائلا: ثم قال المسئول الكبير لمن كان يحدثه تليفونيا: يا فندم نفس الشيء ينطبق على وزير التعليم، فرغم فشل وزير التعليم، ورغم الكوارث اللي عملها في الوزارة، ورغم فشل هيئة الأبنية التعليمية لدرجة أن التلامذة بتموت في المدارس بسبب الإهمال إلا أن وزير التعليم هو كمان ماسك علينا كام سي دي فيهم حاجات تشيّب، مصر كده يا فندم ممكن تتفضح وما يبقاش عندنا وش نروح الأممالمتحدة تاني. ثم استطرد الجوسقي: وأكمل المسئول الكبير وهو يتحدث مع الشخصية المجهولة قائلا: يا فندم اعذرنا، حضرتك عارف أن وزير الصحة مشارك محمد إبراهيم وزير الداخلية في مكتبة سيديهات، ومؤخرا عرفنا أن محمد إبراهيم باع لوزير الصحة كام سي دي على مصر وهي في أوضة النوم، يرضيك يا فندم العالم يشوف مصر وهي لابسة قميص النوم؟! دي تبقى كارثة، خصوصا أنها ماكانتش لوحدها وربنا أمر بالستر. قال الجوسقي: واستمر المسئول في حواره التليفوني قائلا: يا فندم إحنا حاولنا نسرق السيديهات، وكمان طلبنا من مرتضى منصور يجيب لنا سيديهات على محمد إبراهيم، وإن شاء الله إحنا متفائلين جدا، وأول ما مرتضى منصور يجيب سيديهات محمد إبراهيم اعتبر أن المشكلة اتحلت وتقدر سعادتك تقيل وزير الداخلية ومعاهم وزير الصحة ووزير التعليم... نعم يا فندم ؟ مرتضى هايجيب السيديهات إمتى ؟ بعد انتخابات البرلمان وعليك خير. وهنا توقف الجوسقي عن الكلام وأجهش بالبكاء وأجهشت معه كل الحارة، فقد خشي كل واحد منهم أن تظهر صورته في السيديهات التي مع وزير الداخلية.