- «أم كلثوم»في وصلة سخرية من «أبوإسحاق الحوينى» درب المهابيل.. حارة في مصر «المزنوقة»، فيها الخمارة والبوظة وحواديت الناس المخنوقة.. نكتب بلسان أهل الكيف، بلا مجاملة أو حسابات، ف«أبو يكح الجوسقى» - دائمًا - لا يسكت عن الكلام غير المباح. مساء اليوم الأول من عيد الفطر وحين دخل "أبويكح الجوسقي" إلى حانة حارة درب المهابيل العتيقة كان يغني أغنية "حانة الأقدار" لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، فاستقبله الجالسون بالتصفيق والتهليل، وقال له عم مغاوري صاحب الحانة: لقد أشجيتنا يا عم جوسقي خاصة أنت تغني للست تلك الأغنية التي ترفع فيها من قيمة الحانة، فنظر إليه الجوسقي نظرة ذات معنى وقال له: لاهو انت فاكر يا مغاوري إن الست بتغني للحانة بتاعتك، ياراجل كمل تعليمك، دي بتغني لحانة الأقدار التي تعربد فيها الليالي وهذه معان لا يمكن تفهمها. وحين جلس أبويكح الجوسقي في ركنه المفضل داخل الحانة نظر إليه الجالسون وهم ينتظرون منه بضاعته التي انتظم في تقديمها لهم طوال شهر رمضان، ولما طال سكوت الجوسقي قال له أحد الجالسين: هل ستكلمنا اليوم عن أحد مشاهير الظرفاء يا جوسقي ؟ قال الجوسقي: كنت أريد أن أحكي لكم عن سيدة الغناء العربي أم كلثوم. فرد عليه أحد الأشخاص: يعني ستكون جلسة طرب. الجوسقي: لا جلسة فكاهة، فالسيدة أم كلثوم واحدة من كبار ظرفاء مصر ولها العديد من الطرائف. قال عم مغاوري صاحب الحانة وهو يرص أقداح الجعة على موائد الزبائن: يا أهلا بالجوسقي وحكاياته لطرائف أم كلثوم، خذ كأس الجعة المخصوص يا عم الحارة كلها وعلى رأي الشاعر "رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ". فرد الجوسقي قائلا: الحقيقة لم أكن أنوي الحديث عن أي ظريف من ظرفاء مصر، لسبب سأقوله لكم الآن ولكنني نزولا على رغبتكم سأحكي لكم قليلا من طرائف أم كلثوم. استرسل الجوسقي قائلا: كان لأم كلثوم جارٌ من كبار القوم ثقيل الظل، يحضر إليها دائمًا في فيلتها الشهيرة بالزمالك ويظل جالسًا لا يغادر المكان ولا بالطبل البلدي، وفي أحد الأيام جاء إليها هذا الثقيل وكان عندها الشاعر أحمد رامي والملحن رياض السنباطي، فأراد الضيف الثقيل أن يتبسط معها فقال وهو يسلم عليها "إزيك يا ثومة" وكأنه أحد المقربين منها ولا كلفة بينهما، فرحبت به أم كلثوم ثم قامت بتقديم ضيوفها إليه فقالت: هذا ملحن ثومة، وهذا شاعر ثومة، ثم أشارت إلى جارها الثقيل وقالت لهما: وهذا جارثومة. ارتفعت الضحكات من رواد الحانة وقال مغاوري وهو في قمة النشوة: يا سلام يا ست. استكمل الجوسقي: ذات مرة كانت نقابة المحامين بدمياط قد قررت دعوة أم كلثوم للغناء على أحد مسارح دمياط، وكان الحفل مخصصًا للمحامين وأسرهم، وبعد أن فُتح الستار قام المحامون بالتصفيق لمدة طويلة إلى أن أشارت لهم أم كلثوم بالشكر طالبة السكوت حتى تغني فسكتوا جميعًا إلا نقيب المحامين بدمياط الأستاذ ألفونس نيقولا الذي ظل واقفًا يصفق بحماسة شديدة، وكان الأستاذ ألفونس أحمر الوجه وأشقر الشعر، فقالت له أم كلثوم: لو سمحت تقعد في كرسيك يا "أحمر" محام، فضجت القاعة بالضحك والتصفيق وأصبح لقب الأستاذ ألفونس عند محاميى دمياط من وقتها " ألفونس أحمر محام". استكمل الجوسقي: في إحدى البروفات حضر الملحن الكبير الموسيقار محمد القصبجي وهو يرتدي بدلة جديدة، فقالت له أم كلثوم: إش إش، إيه البدلة الجديدة دي، فقال لها القصبجي وهو يتصنع التواضع: أنا شايف انها بدلة واسعة شوية، فردت عليه أم كلثوم على البديهة قائلة: معلش ربنا يضيقها عليك. ضحك رواد الحانة كثيرًا وانتظروا أن يستكمل معهم الجوسقي حكايات وطرائف أم كلثوم ولكنه التزم الصمت، وبدا حزينًا على غير العادة، فقال له عم مغاوري: مالك يا جوسقي، ما الذي أسكتك. قال الجوسقي: والله لقد رويت لكم القليل من طرائف أم كلثوم حتى لا تكون الجلسة بيننا في يوم العيد "نكد" ولكنني كنت أريد أن أشرب المحيط لأنسى. مغاوري: تنسى ماذا يا جوسقي ؟! هل حدثت كارثة أو مصيبة. الجوسقي: والله هو شيء أكبر من الكارثة والمصيبة فقد استمعت منذ يومين لخطبة دينية أتعبتني جدًا وأرهقت أعصابي من واحد إذا استمع له المسلمون كفروا. فقال شخص من آخر مكان في الحانة بصوت مرتفع وهو يبدي تعجبه: إذا استمع له المسلمون كفروا ! هل هو بوذي أو هندوسي ؟! رد الجوسقي: لا إنه من كبار دعاة الإسلام، وصدق من قال: إنني أتعجب من انتشار الإسلام رغم وجود هؤلاء الدعاة، وقد كان في درسه هذا يقول إنه يدعو الشعب المصري للإسلام ! شخص ثان متعجبًا: الإسلام ! الجوسقي: نعم. شخص ثالث: وهل نحن من عبدة الأوثان ؟! وهل رآنا أحد نطوف حول الأهرامات ونُقبِّل حجر رشيد ونسعى بين باب الشعرية والعتبة ! شخص رابع: وهل شُرْبنا لمنقوع الشعير الذي يسميه عم مغاوري "جعة" يخرجنا من الإسلام ؟! حتى مشروب الجعة هذا لا يسكر أي واحد منا ولكننا نشربه من غلبنا وإن سكرنا فإننا نسكر من أوجاعنا. شخص خامس: وما اسم هذا الرجل، هل هو من الإخوان ؟ رد الجوسقي: لا بل هو إمام من أئمة السلفيين واسمه حجازي ويسمي نفسه أبوإسحاق الحويني وهو يرى أننا لسنا على الإسلام. الشخص الأول: وهل الحويني هذا مصري مثلنا، يفهم في النكتة والدعابة ويعرف الفارق بين الأدب والحقيقة. الجوسقي: لا أظنه يفهم في الأدب وهو لا يفرق بين أن يكتب أحدهم قصة خيالية، وبين أن يحكي أحدهم حكاية حقيقية، الكل عنده سواء، حتى أنه هاجم توفيق الحكيم هجومًا ضاريًا لأنه كتب قصة قصيرة عن إبليس، وأظنه كان يعتقد أن توفيق الحكيم ما زال بيننا على قيد الحياة بدليل أنه طلب من الأزهر اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الحكيم، ويبدو أيضًا أنه كان يعتقده حكيم صحة ! الشخص الثاني: يعني لو كتبنا حكاية خيالية لم تحدث تخيلنا فيها الحويني هذا وهو يجلس بيننا ويتحدث معنا وقلنا إنها حكاية خيالية، هل سيفهم ؟ الجوسقي: سيفهم إذا فهم الذي باع محصوله من العنب كي يشتري معصرة، وسيفهم إذا فهم حالب التيس. الشخص الثالث: أبشروا، إذن هيا بنا لكي نتخيل ما الذي سيحدث إذا حضر إلينا هذا الشيخ، ولتقم أنت يا أبو يكح الجوسقي بدوره، فهو يُكني نفسه وأنت تُكني نفسك. استملح الجوسقي الفكرة، فربط فوطة بيضاء على جانبي وجهه لتكون مثل اللحية الكبيرة، ولبس على رأسه طاقية، ثم أخذ يلقي درسا وكأنه الحويني، فقال: "لا يظن أحدكم أن رجم الزاني المحصن ليس في الإسلام، حتى ولو لم يرد في القرآن، ولكنه ورد في الأحاديث، وسأحكي لكم حكاية طريفة أوردها البخاري في صحيحه، وهي عن سيدنا ميمون رضي الله عنه إذ قال: رأيت في الجاهلية قرودا ترجم قردا زنى فرجمت معها، أي أن الرجم ليس في الإسلام فقط ولكنه مقرر أيضا على أمة القرود بدليل حديث سيدنا ميمون" سكت رواد الحانة جميعا، وقال أحدهم: هل ما ترويه قاله الحويني يا جوسقي ؟ رد الجوسقي: كل ما سأقوله لكم قاله الحويني، ألست أمثل شخصيته. ثم استكمل الجوسقي الحويني: "لو تزوج الواحد منكم واحدة منتقبة فستلاعبه ويلاعبها، ولعلمكم أنا أرمووووط واعجبكم" " مرة واحد مسيحي أسلم حتى يهرب من زوجته لأنه لا طلاق في المسيحية، فأسلمت الزوجة حتى تكون مع زوجها، فارتد عن الإسلام، فوجب علينا أن نقيم حد الردة عليه" " أول مرة سافرت فيها برة مصر لقيت واحد بيفتشني قبل ما اطلع على الطيارة، وانا كنت جاهل فافتكرت أنه بيحضني فأخذته بالحضن، فقال لي يا بني أنا بفتشك مش بحضنك فقلت له معلش اصل انا كنت فاكر انها خدمة عملاها مصر للطيران لتوديع المسافرين" "مرة واحد مغفل دخل يصلي الفجر فالإمام صلى بسورة البقرة، فطالت الصلاة جدا، وعندما انتهت الصلاة قرر هذا المغفل أن يصلي في جامع آخر، ولما دخل لقي الإمام بيصلي بسورة الفيل فولى هاربا". وهنا قال عم مغاوري: يا عم جوسقي انت بتحكي لنا عن شيخ ولا منولوجست. قال الجوسقي: خذ عندك الفتاوى بتاعة الحويني. "دخول كلية الحقوق حرام، التعليم للنساء حرام والستات مالهمش في العلم، إرضاع الكبير حلال، اوعى تاكل عند حد بيشتغل في بنك لأن ماله حرام، لعب كرة القدم حرام، العمل في البريد جائز إلا في قسم الاستثمار، قيادة النساء السيارة حرام وإذا كانت لضرورة فهي مكروهة، التصوير حرام وتصوير الموبايل حرام مثل تصوير الكاميرات العادية، النوم على البطن حرااااام، لا يجوز لبس البنطلون إلا للضرورة، مهنة الحلاقة حرام إذا كان الحلاق يحلق اللحى أو كان يحلق جزءا من الشعر، وحين سأله واحد بأنه يعمل في اليابان ومرتبه يتم تحويله للبنك ولا توجد إلا بنوك عادية فقال له الحويني: هذا حرام والأحسن لك أن تعود لبلدك ولا تظل عاملا في بلاد الكفر" وبعد أن أبدى أهل الحارة دهشتهم من تلك الفتاوى الغريبة قال أحد الجالسين: يا ترى لو سمعت أم كلثوم هذه الفتاوى ماذا كانت تقول؟ فقال الجوسقي: كانت ستقول للحويني بلهجة صعيدية "يا جاموس الفتاوى" تقصد قاموس، وستقول لجمهور الحويني "هي دي العجول اللي بتفهم" تقصد العقول، ويبدو أن المسافة بين الجاموس والعجول ليست كبيرة.