لا شك أن سيناء تعرضت خلال العقود الماضية إلى إهمال جسيم، ليس من ضمن تداعياته فقط أنها صارت مرتعا للجماعات المسلحة، ما يجعل أمر تنميتها وتعميرها من أولويات حكومة الدكتور إبراهيم محلب، لا سيما أن الرئيس عبد الفتاح السيسي تحدث كثيرا في هذا الأمر قبل انتخابه رئيسا، ما يعنى أن الكرة أصبحت في ملعب السيسي وحكومته، ولا شك أن شبه جزيرة سيناء جزء غال من أرض الوطن من حقه أن ينال حظه من التنمية والعمران بما يتناسب مع التضحيات العظيمة لأبنائه منذ نشأة الصراع العربى – الإسرائيلى حتى الآن، وبما يتناسب مع موقعه الإستراتيجى باعتباره بوابة مصر الشرقية التي يجب أن نحافظ على قوتها ومنعتها، علمًا بأن هذه القوة وتلك المنعة ليست مسألة أمنية فقط وإنما هي أيضا – وأساسًا – مسألة اقتصادية واجتماعية وعمرانية، وعلمًا أيضًا بأن هذا الجزء العزيز والغالى من أرض الوطن ليس مجرد صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء وإنما هو كنز زاخر بالثروات المهدرة. ولا يمكن أن يتجاهل أحد أن تعمير وتنمية سيناء «قضية أمن قومى» بامتياز، ومن المؤكد أن الدولة سوف توليها خلال الفترة المقبلة اهتماما جادا وحقيقيا، ويرى خبراء أن الخريطة التنموية لمصر خلال الفترة المقبلة، سوف تعتمد بشكل رئيسى على شبه جزيرة سيناء من خلال انشاء كيانات تنموية قادرة على إيجاد بيئة استثمارية مناسبة، تسهم في تحسين مستوى معيشة المواطن السيناوي، وتعود بالنفع على كل أبناء الوطن، وأن المرحلة القادمة سوف تشهد نقلة تنموية كبيرة في سيناء بمناطق الشمال والوسط والجنوب، وأن أفضل السبل لتحقيق الاستقرار الأمني في سيناء هو التنمية الشاملة، التي يشرف على قيامها أهالي سيناء أنفسهم، وبدعم كامل من القوات المسلحة وأجهزتها، التي تعتبر سيناء قضية «أمن قومي» وهدفا رئيسيا يجب تحقيقه خلال المرحلة القادمة، للقضاء على العنف والإرهاب، كما أن سيناء بها مناطق واعدة، ومساحات كبيرة تحتاج إلى تنمية واستثمار حقيقي، وقدرة اقتصادية ومالية ضخمة. وتحظى سيناء بفرص حقيقية للاستثمار الزراعى أكثر من أي محافظة في مصر خاصة الزراعة، التي تعتمد على الصوب الحديثة، التي تقلل من نسب إهدار المياه وتعطى طاقة إنتاجية تزيد 8 أضعاف على الأفدنة الزراعية العادية. لكن الحاجة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى لتنمية وتعمير سيناء باعتبارها قضية أمن قومى، خاصة أن تنميتها لن تشكل عبئا ضاغطا على موازنة الدولة لأن بها من الموارد الاقتصادية والإمكانات الحياتية ما يمكن أن يعوض سريعا عن الاستثمارات المنفقة فيها، حيث القرب من المدن الحضارية: بورسعيد والسويس، وإمكانات الاتصال الخارجى من خلال البحرين المتوسط والأحمر، ووفرة الموارد والإمكانات في مختلف المجالات من زراعة، وتعدين، وصناعة، وصيد، وسياحة، وكذلك وفرة الأيدى العاملة. و كانت هناك أفكار وخطط عديدة ولكنها معطلة لتعمير سيناء في بداية ستينيات القرن الماضي، وقد بدأت فكرة المشروع القومى لتنمية سيناء تدخل مرحلة التخطيط الفعلى منذ عام1986 حين أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى جدوى استصلاح250 ألف فدان في شمال سيناء، وفى عام1989 أعدت الهيئة لمشروعات التنمية الزراعية واستصلاح الأراضى دراسة جدوى لمشروع شمال سيناء للتنمية الزراعية لاستصلاح265 ألف فدان، وفى عام1990 تمت إضافة135 ألف فدان في سهول السر والقوارير لتصبح المساحة الكلية400 ألف فدان، وفى أكتوبر1994 أقر مجلس الوزراء إستراتيجية لتنمية سيناء وأصبحت أحد مشروعات خطة التنمية الشاملة للسنوات(1994 2017)، وفى سبتمبر2000 تمت إعادة رسم إستراتيجية التنمية لتضم محافظات القناة حيث بلغت التكلفة الاستثمارية الإجمالية110 مليارات جنيه، منها64 مليارا لشمال سيناء، و6،46 لجنوب سيناء، ويمثل الإنفاق الخاص67.5% من إجمالى الاستثمارات. ويهدف مشروع تنمية سيناء إلى توطين3 ملايين مواطن لإيجاد مجتمعات عمرانية متكاملة، وتوفير أكثر من800 ألف فرصة عمل من خلال عدد من المشروعات الكبري، منها مشروع ترعة السلام، فماذا كانت الحصيلة بعد مرور سبعة عشر عاما منذ إقرار مجلس الوزراء لإستراتيجية تنمية سيناء في عام1994. تؤكد دراسة أعدها معهد التخطيط القومى ضمن أعمال المؤتمر القومى لشباب الباحثين، أن نسبة التنفيذ لم تتجاوز سوي20% إلي30%، ولم يتجاوز عدد السكان سوى سدس المستهدف، فضلا عن عدم استفادة أهالي سيناء منه واستمرار معاناتهم ومشكلاتهم، وترجع مسئولية إخفاق المشروع إلى أخطاء التخطيط، وسوء الإدارة، والفساد، وضعف التمويل، وضعف التنسيق بين الجهات المعنية، فضلا عن التركيز في سيناء على التنمية غير المتوازنة بالتركيز على قطاع واحد هو السياحة، ومدينة واحدة لا يمس قطاعا عريضا من السكان الحاليين والمستهدفين وهى شرم الشيخ. ووفقا لدراسات معهد التخطيط فإن اعتماد الخطة بشكل أساسى على الاستثمارات الخاصة، وعدم اتخاذ الدولة إجراءات محفزة لجذب هذه الاستثمارات، وتسهيل إجراءات توطينها دون المستوى المطلوب لمراحل الإنشاء الأولى لمثل هذا المشروع القومى الكبير، وهى أخطاء يجب تداركها من جانب حكومة محلب الطموحة. من ناحية أخرى فإن هناك أهمية لتقنين استخدام المياه الجوفية مثلما هو الحال في مشروع شرق العوينات، حيث تم تشكيل لجنة عليا للمياه الجوفية بغرض رصد المخالفات على مستوى الجمهورية حتى لا يتم استنزاف المخزون الجوفي، فإذا تم ترشيد استخدام المياه الجوفية ومعالجة مشكلات الصرف الزراعى وتحديد هيكل مناسب للتركيب المحصولي، وتنشيط المشروعات الصناعية المكملة للزراعة فإنه يمكن إحداث تنمية حقيقية. ويمكن القول إن أهم الخطوات تتمثل في وضع آلية لتمليك أراضى سيناء للمصريين بما يعطى تيسيرات وأولوية لأهالي سيناء والمستثمرين المصريين لتملك هذه الأراضي، كما يتم التركيز على الاستفادة من العمالة الوطنية من أبناء سيناء في مشاريع التنمية المختلفة، والتركيز على إنشاء محافظة ثالثة في سيناء، وإنشاء هيئة عليا لتنمية سيناء تصدر بقانون خاص وموازنة مستقلة، وتحت إشراف رئيس مجلس الوزراء، وكلها خطوات مهمة على طريق التنمية. باختصار.. سيناء مازالت «خبيئة قومية»، إذا استعرنا مصطلحات الأثريين، وآن لهذه «الخبيئة» أن يكشف النقاب عن مكنوناتها. وهذا هو مشروع مصر القومى العملاق الذي يمكن أن يجمع وراءه طبقات الأمة ومختلف فئاتها ويلهبه خيال وحماس أبنائها على مختلف مدارسهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية، وهو مشروع قومى حقيقى، بكل الحسابات وكل المعايير، على عكس كثير من الأوهام التي تم ترويجها في السابق وإهدار مواردنا المحدودة عليها ثم ثبت أنها هي والسراب سواء. من جانبها..كشفت مصادر سيادية إن مؤسسة الرئاسة تعد حاليًا خطة متكاملة لإنشاء مجتمعات عمرانية، وصناعية، وسياحية، وتعليمية، واستثمارية جديدة في شمال سيناء، وإن الرئيس عبدالفتاح السيسي وجه بتشكيل عدة لجان للبدء الفورى في هذا الإطار للإعلان عن موعد تنفيذه قبل نهاية العام الحالى بعد وضع الدراسات والأبحاث اللازمة. وأضافت المصادر أن الخطة تشمل بناء وحدات سكنية تناسب سكان المنطقة، وطريقة معيشتهم، إضافة إلى مناطق سكنية حديثة للوافدين للعمل في شمال سيناء، وإنشاء 3 مناطق صناعية متكاملة تقوم على التعدين، ومنتجعات سياحية على أعلى المستويات، وجامعات، ومدارس حديثة، وكذلك منشآت طبية متطورة، إضافة إلى إنشاء شبكة طرق متكاملة تخدم الاستثمار في المنطقة، ومدينة أبحاث حديثة لاكتشاف ثروات سيناء.. فهل يتحقق الحلم المستحيل؟!