تحليل: صفاء جمال الدين : مصر وإن كانت في حاجة لتعمير الصحراء من خلال إحياء مشروع توشكي, وشرق العوينات, والبدء في مشروع ممر التنمية, لكن الحاجة أكثر إلحاحا من أي وقت مضي لتنمية وتعمير سيناء باعتبارها قضية أمن قومي... من هنا جاء اهتمام الحكومة الحالية بقضية تنمية سيناء, خاصة أن تنميتها لن تشكل عبئا ضاغطا علي موازنة الدولة لأن بها من الموارد الاقتصادية والإمكانات الحياتية ما يمكن أن يعوض سريعا عن الاستثمارات المنفقة فيها, حيث القرب من المدن الحضارية( بورسعيد والسويس), وإمكانات الاتصال الخارجي من خلال البحرين المتوسط والأحمر, ووفرة الموارد والإمكانات في مختلف المجالات من زراعة, وتعدين, وصناعة, وصيد, وسياحة, وكذلك وفرة الأيدي العاملة. ولقد كانت هناك أفكار وخطط عديدة لتعمير سيناء في بداية ستينيات القرن الماضي, وقد بدأت فكرة المشروع القومي لتنمية سيناء تدخل مرحلة التخطيط الفعلي منذ عام1986 حين أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي جدوي استصلاح250 ألف فدان في شمال سيناء, وفي عام1989 أعدت الهيئة لمشروعات التنمية الزراعية واستصلاح الأراضي دراسة جدوي لمشروع شمال سيناء للتنمية الزراعية لاستصلاح265 ألف فدان, وفي عام1990 تمت إضافة135 ألف فدان في سهول السر والقوارير لتصبح المساحة الكلية400 ألف فدان, وفي أكتوبر1994 أقر مجلس الوزراء استراتيجية لتنمية سيناء وأصبحت أحد مشروعات خطة التنمية الشاملة للسنوات(1994 2017), وفي سبتمبر2000 تمت إعادة رسم استراتيجية التنمية لتضم محافظات القناة حيث بلغت التكلفة الاستثمارية الإجمالية110 مليارات جنيها, منها64 مليارا لشمال سيناء, و6,46 لجنوب سيناء, ويمثل الإنفاق الخاص67.5% من إجمالي الاستثمارات. يهدف مشروع تنمية سيناء إلي توطين3 ملايين مواطن لإيجاد مجتمعات عمرانية متكاملة, وتوفير أكثر من800 ألف فرصة عمل من خلال عدد من المشروعات الكبري, منها مشروع ترعة السلام, فماذا كانت الحصيلة بعد مرور سبعة عشر عاما منذ إقرار مجلس الوزراء لاستراتيجية تنمية سيناء في عام1994 ؟ تؤكد دراسة أعدها معهد التخطيط القومي ضمن أعمال المؤتمر القومي لشباب الباحثين, أعدتها الدكتورة أمل زكريا عامر, أن نسبة التنفيذ لم تتجاوز سوي20% إلي30%, ولم يتجاوز عدد السكان سوي سدس المستهدف, فضلا عن عدم استفادة أهالي سيناء منه واستمرار معاناتهم ومشكلاتهم, وترجع مسئولية إخفاق المشروع إلي أخطاء التخطيط, وسوء الإدارة, والفساد, وضعف التمويل, وضعف التنسيق بين الجهات المعنية, فضلا عن التركيز في سيناء علي التنمية غير المتوازنة بالتركيز علي قطاع واحد هو السياحة, ومدينة واحدة لا يمص قطاع عريض من السكان الحاليين والمستهدفين وهي شرم الشيخ. ووفقا لدراسات معهد التخطيط فإن اعتماد الخطة بشكل أساسي علي الاستثمارات الخاصة, وعدم اتخاذ الدولة إجراءات محفزة لجذب هذه الاستثمارات, وتسهيل إجراءات توطينها دون المستوي المطلوب لمراحل الإنشاء الأولي لمثل هذا المشروع القومي الكبير, وهي أخطاء يجب تداركها بعد الثورة. من ناحية أخري فإن هناك أهمية لتقنين استخدام المياه الجوفية مثلما هو الحال في مشروع شرق العوينات, حيث أعلنت وزارة الري أخيرا أن هناك لجنة عليا للمياه الجوفية تقوم حاليا برصد المخالفات علي مستوي الجمهورية حتي لا يتم استنزاف المخزون الجوفي, فإذا تم ترشيد استخدام المياه الجوفية ومعالجة مشكلات الصرف الزراعي وتحديد هيكل مناسب للتركيب المحصولي, وتنشيط المشروعات الصناعية المكملة للزراعة فإنه يمكن إحداث تنمية حقيقية, خاصة أن حكومات ما بعد الثورة قامت حتي الآن باتخاذ خطوات علي طريق تنمية سيناء. ويمكن القول إن أهم الخطوات حتي الآن بعد الثورة هي وضع آلية لتمليك أراضي سيناء للمصريين بما يعطي تيسيرات وأولوية لأهالي سيناء والمستثمرين المصريين لتملك هذه الأراضي, كما يتم التركيز علي الاستفادة من العمالة الوطنية من أبناء سيناء في مشاريع التنمية المختلفة, والتركيز علي إنشاء محافظة ثالثة في سيناء, وإنشاء هيئة عليا لتنمية سيناء تصدر بقانون خاص وموازنة مستقلة, وتحت إشراف رئيس مجلس الوزراء, وكلها خطوات مهمة علي طريق التنمية.