تتفاقم مأساة الإيزيديين وغيرهم من الأقليات الدينية والعرقية كالمسيحيين والشبك والتركمان الشيعة في شمال العراق، رغم كل وعود المساعدة وعمليات الإنقاذ. "اختبأنا في كهف قديم بأعلى الجبل، كنا نأكل أوراق الشجر.. كانت هناك مياه العيون الطبيعية، إلا أن الوصول إليها لم يكن سهلًا، كما لم تكن هناك أدوات لنقل المياه إلى الصغار والنساء. النازحون يواجهون العطش والموت جوعًا"، هكذا وصف عمار حاجي (شاب 27 عامًا- أحد الإيزيديين العائدين إلى أربيل) معاناة أهله في جبال سنجار. وقال حاجي ل DW عربية: إن "أصعب اللحظات التي مرت على في حياتي لم يكن قلة الطعام والشراب، وإنما صرخات الأطفال والشيوخ والنساء طالبين النجدة عسى أن يسمعهم أحد وينقذهم" ويتذكر شيخ مسن، قبل أن يبدأ حديثه ل DWعربية، فرحته بمكالمة هاتفية من ولده آرام المقيم في ألمانيا ذات صباح، ليخبره أنه عائد إلى سنجار لقضاء موسم الحج بالقرب من معبد لالش مع أهله، والمعروف أن الإيزيديين يحجون في الفترة ما بين الخامس عشر والعشرين من أيلول، إلى ضريح الشيخ عدي في لالش شمال الموصل، ويؤدون بعض طقوس الاغتسال في النهر، وتقديم القرابين. ويقول والد آرام إنه في "ذات اليوم دخل الإرهابيون إلى منطقتنا"، لتنقلب فرحة هذا الشيخ المسن الصباحية إلى كابوس. وأشار الرجل السبعيني إلى أن أهالي قرى سنجار (شنكال، باللغة الكردية) "قاوموا الإرهابيين، وصمد أهالي قرى سيبا شيخ خدر، وكرزرك، رنبوسي وكوجو في وجه مسلحين يحملون رايات سوداء"، تحت اسم "تنظيم الدولة الإسلامية"، الذي كان يعرف ب "داعش". ولفت إلى أن الاشتباكات استمرت حتى الساعة السادسة من صباح يوم 3/8، وعند انسحاب بعض قوات البيشمركة بشكل غير منظم، نزحت العوائل إلى جبل سنجار وهم في حالة يرثى لها. ويؤكد (م ح)، وهو أحد النازحين إلى مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، في تصريح ل DWعربية أنه وبعد سقوط تلعفر (70 كم غربي الموصل) معقل الشيعة التركمان وهروب قائد عمليات الجيش العراقي في محافظة نينوى، اللواء محمد القريشي "أبو الوليد"، المعروف أيضًا ب "أسد المالكي" إلى سنجار، تدهور الوضع أكثر وازدادت تخوفات أهالي سنجار نحو الأسوأ بالرغم من وجود القوات الأمنية والبيشمركة. وبالفعل تم تضييق الخناق على أهالي سنجار بكيلومترات معدودة والخوف خيم على المنطقة كلها. وكانت دوريات مقاتلي الدولة الإسلامية تنطلق من قاعدتها الرئيسية في البعاج (13 كلم عن مجمع كرزرك)، لتسيطر على 65% من مساحة القرى المحاذية لمناطق الايزيدية. شيرزاد، أحد الناجين من منطقة سنجار الذين وصلوا إلى أربيل تحدث ل DW عربية قائلًا إن "المهجرين اضطروا إلى بيع ما تبقى بحوزتهم من حاجياتهم الشخصية مثل (ساعاتهم وموبايلاتهم) بأبخس الأثمان لسد رمق أطفالهم من الجوع والعطش عند مبيتهم في العراء لأكثر من ثلاثة أيام". وأضاف شيرزاد أن هناك المئات من الأسر الإيزيدية ومن الشبك الشيعة النازحين إلى جبل سنجار، وأكد شيرزاد أن الإيزيديين لن يتركوا دينهم أبدًا، كونه الهوية التي تميزهم وتعبر عن قوة شخصيتهم. وفي هذا الإطار، عبر عضو مجلس النواب العراقي ماجد شنكالي عن استيائه من الوضع في سنجار. وقال شنكالي في تصريح ل DW عربية: "الوضع يزداد صعوبةً وخاصة للإيزديين، الذين فروا إلى الجبال، وقتل العديد من صغارهم ونسائهم"، مؤكدًا مقتل أكثر من 500 شخص من النساء والأطفال. وقال شنكالي إن هذا العدد موثق في سجلاته، لافتًا إلى أن الضرر وصل إلى بعض القاطنين في سنجار من الطائفة الشيعية أيضًا، إذ تعرضت بيوتهم للنهب، وهناك بعض العائلات قتل العديد من أبنائها. وأشار شنكالي إلى إن تنظيم "الدولة الإسلامية" فرض الإسلام دون الالتزام بالقاعدة المعروفة في الإسلام (أسلم تسلم)، مؤكدًا أنه على علم بحادثة مقتل أحد الشبان الخائفين رغم اعتناقه الإسلام. فهذا الشاب، حسب شنكالي، فضل نطق الشهادتين أمامهم، بيد أن التنظيم لم يصدقه وبرر تصرفه، أي قتله للشاب، بحجة أن إسلامه غير صحيح. ولفت عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى استقبال حكومة إقليم كردستان للنازحين الفارين من سنجار، وأنها "تبذل جهودًا استثنائية لإنقاذ البقية. الحكومة أوصلت بعض المساعدات بواسطة الطائرات، لكنها غير قادرة بإمكاناتها الحالية كون العدد كبير جدًا وصل إلى 250 ألف شخص دخلوا الإقليم"، والكلام للنائب الكردي. وقال مدير عام شئون الإيزيدية في وزارة الأوقاف بحكومة إقليم كردستان العراق خيري بوزاني في تصريح ل DW عربية: "نأمل من الحكومة العراقية الجديدة أن تولي اهتمامًا أكبر بالمكونات الدينية والقومية". من جانبها جددت رابطة التآخي والتضامن الإيزيدية (وهي منظمة مدنية تتخذ من بعشيقة، 15 كم شرق الموصل، مقرا لها)، نداءها إلى العالم أجمع بالتدخل الفوري لمساعدة النازحين الإيزيديين المحاصرين في جبل سنجار والذين يعيشون في وضع مأساوي ينذر بكارثة إنسانية. وبالرغم من وعود المساعدة الدولية، يسود جو من الحزن مدن إقليم كردستان، نتيجة اقتراب مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" من حدودهم، ومأساة أخوتهم الأكراد من الطائفة الإيزيدية في سنجار تزيد إلحاحهم على تلقى السلاح الثقيل من العالم لمواجهة المسلحين. ويرى مسئول كردي كبير أن إصرار قيادة إقليم كردستان العراق على تلقى السلاح هو بهدف حماية المنطقة الكردية "لتبقى أربيل وباقي مدن كردستان الملاذ الآمن للأقليات مع ازدياد حدة التوتر في العراق، ولحل الأزمة الإنسانية في حماية المدنيين العراقيين، وتقديم المساعدات للسكان والنازحين وخاصة المسيحيين والإيزيديين الذين يتعرضون للاضطهاد الديني والعرقي". هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل