دخل الدكتور كمال الجنزورى رئيس الحكومة المفوض بصلاحيات من رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة على ملف شهداء ومصابى الثورة.. وهو الملف المهمَل رغم ادعاءات الجميع فى المجلس العسكرى والحكومة الاهتمام به.. وصدور قرارات ومراسيم وبيان على صفحات «فيسبوك» سواء للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أو مجلس الوزراء.. وتشكيل لجان.. وعقد اجتماعات ومشاركة الجنرال ذى الإصبع. ومع كل هذا لم يحدث شىء يُذكَر فى هذا الملف الهامّ الذى لولا أصحابه والذين رووا بدمائهم الطاهرة ميادين مصر ما كانت هذه الثورة العظيمة التى هى فخر لكل مصرى. .. ولعل ما صدر عن الدكتور الجنزورى من تشكيل مجلس قومى لرعاية أسر الشهداء والمصابين تحت إشرافه شخصيا (وأخشى من حكاية إشرافه شخصيا حيث يمكن أن يأتى من بعده من يهمله ويهدمه)، هو قرار جاء متأخرا وتسبب فى زيادة الغضب الشعبى من الذين يديرون شؤون البلاد ويتحكمون ويحكمون لأن ما سيحصل عليه المصابون وأسر الشهداء حقوق مكتسبة لهم وليست منحة من أحد بعد التضحيات العظيمة التى بذلوها بأرواحهم ودمائهم الذكية فى الثورة والدفاع عن الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة وتحسين أوضاع المصريين بشكل عام اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا.. وتمثل حقا لهم كان يجب الاهتمام به منذ خلع مبارك وعصابته فى وزارة الداخلية المتهمين بقتل المتظاهرين فى الثورة. وقد جرت معالجة ملف الشهداء والمصابين بتباطؤ كما هو الحال فى جميع المجالات خلال الفترة الانتقالية التى فقد فيها المجلس العسكرى ثقة الناس التى منحه إياها فى أيام الثورة الأولى (ودعكم من بتوع العباسية.. فهم عباسية فعلا)، بل وصل الأمر إلى تواطؤ فى التعامل مع هذا الملف الهامّ حيث وصل ببعض المسؤولين إلى التشكيك مع ترديد عدد من الأبواق الإعلامية هذا الأمر، وهم أنفسهم الذين كانوا مع النظام السابق ويروجون له.. وتحولوا بقدرة قادر إلى مؤيدى الثورة ومعادين لنظام مبارك.. ولكن ما إن تأتى إليهم الإشارات حتى يمسكوا فيه.. ويعودوا إلى سيرتهم الأولى.. وللأسف هم كثر.. ويبحثون عن سيد لهم يحركهم.. فهم تعودوا على تعليمات دائمة. ووصل أمر التواطؤ فى هذا الملف إلى ضرب المصابين المعتصمين فى ميدان التحرير من قوات مشتركة من الشرطة العسكرية والأمن المركزى يوم 19 نوفمبر الماضى.. وسبهم بأفظع الشتائم من قبل قوات اللواء حمدى بدين ومعه قوات اللواء العيسوى.. ومنهم من قال لهم «مصابى ثورة إيه؟ الثورة انتهت وخلصت». وهو الأمر الذى أدى إلى أحداث شارع محمد محمود وسقوط شهداء جدد للثورة على أيدى قوات الأمن بحماية ومشاركة قوات من شرطة حمدى بدين.. فقد أصبحت قواته.. ولا يمكن أبدا أن تكون قوات من الجيش الذى يمثل الشعب. ولعل ما يدل على التباطؤ والتواطؤ فى هذا الملف غير ضرب أسر الشهداء والمصابين، القرارُ الذى صدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى رسالته رقم 84 التى صدرت يوم 24 نوفمبر.. ويعترف فيها بشهداء شارع محمد محمود ومصابيه.. ولم يحدث أى شىء من اهتمام حكومى أو حتى من المجلس العسكرى بهم.. ومن قبلهم شهداء ماسبيرو الذين راحوا ضحية الخلل والارتباك فى تعامل قوات اللواء حمدى بدين مع المواطنين.. وإطلاقه عليهم «المواطنين الشرفاء» إياهم، الذين يخرجون بتعليمات منهم على غرار ما كان يفعله ضباط أمن الدولة من إطلاق البلطجية على المواطنين. .. وها هو ذا الدكتور الجنزورى يعترف عقب اجتماع لجنة المصابين وأسر الشهداء الثلاثاء الماضى أن حصر عد الشهداء والمصابين لم يشمل أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود حيث أوضح أن شهداء ماسبيرو 31 شهيدا ومصابوه 292 مصابا. وشارع محمد محمود 46 شهيدا و471 مصابا. فى نفس الوقت اعترف الجنزورى أن «ما يقدم لأسر الشهداء ليس منحة وإنما هو واجب علىّ أو على مَن بعدى».. وهذا كلام جميل.. ولكن أين ضمانات ذلك حيث أثبتت التجربة عبر 11 شهرا أن تصريحات المسؤولين الكبار ومن بينهم جنرالات المعاش فى المجلس العسكرى كانت على رأى إخواننا اللبنانيين «طق حنك».. ويعتمدون على الزمن لنسيان ذلك. لكن الأمر الأهم فى هذا الملف هو محاكمة المسؤولين عن قتل المتظاهرين السلميين سواء كان ذلك فى ماسبيرو أو شارع محمد محمود.. خصوصا بعد الاعتراف الرسمى سواء من المجلس العسكرى أو رئيس الحكومة بأن من سقطوا فى تلك الأحداث شهداء.. فمن قتلهم؟! .. وقد أصبح فى يد رئيس الحكومة الدكتور كمال الجنزورى تفويض من رئيس المجلس العسكرى بصلاحيات، فمطلوب منه الآن إحالة المسؤولين ومَن أصدر أوامر بالقتل للمتظاهرين السلميين وباستخدام الرصاص الحى والمطاطى والخرطوش والغاز السام، إلى المحاكمة. فهل يفعلها الجنزورى ويطالب النائب العام بفتح تحقيق مستقل فى تلك الأحداث.. خصوصا أن هناك وقائع وشهودا.. ومجنيا عليهم.. يعنى كل أركان القضية متوفرة؟ إن حق الشهداء لن يأتى بتعويضات أو منح زائلة.. وإنما يأتى بمحاكمة القتلى ومن أصدر الأوامر بالقتل.