كان متوقعا أن تفوز قوائم الحرية والعدالة (جماعة الإخوان) وأفرادها ومن معهم من السلفيين والتيار الإسلامى بنسبة كبيرة فى الانتخابات.. لكن ما حدث فى الجولة الأولى فاق التوقعات بما فيها توقعات الإخوان أنفسهم. فقد حصد الإخوان عملهم وجهودهم على أرض الواقع السياسى، واتجهوا إلى المدن والقرى بعد نجاح الثورة وخلع نظام مبارك، ولم يتركوا قرية أو شبرا فيكِ يا مصر إلا ونزلوه، لأنهم وجدوا الفرصة لهم، والأرض عطشى لأى وجود سياسى جديد بعد 30 سنة من الاستبداد والطغيان والجدب فى الحياة السياسية خلال عصر مبارك والحزب الوطنى الفاسد والمنحل. وقد زهق الناس من عناصر ذلك الحزب الذين فرضوا أنفسهم عليهم وكانوا يقضون حاجة الناس بالرشاوى والفساد. فكانت الأرض مجهزة لاستقبال الإخوان الذين قدموا أنفسهم للناس على أنهم كانوا مضطهدين خلال عصر مبارك (على الرغم من أنه كان لهم 25٪ من برلمان 2005)، وأنهم الثوار الذين قادوا التحرير إلى الثورة ضد نظام مبارك.. وهم الذين أسقطوا الطاغوت. وهكذا فعل السلفيون الذين كانوا يٍُفْتُون بأن الخروج على الحاكم حرام.. واستمر مشايخهم يفتون بذلك حتى فى أيام الثورة. وعندما تأكدوا من سقوط أمن الدولة خرجوا هم على الحاكم كأن أمن الدولة كان حاكمهم. ووجدنا كل المشايخ الذين كانوا يتعففون عن السياسة يفتُون الآن فى السياسة والليبرالية والعلمانية، ويلفون ويدورون ويأتون بمن يدفع من أجل تمويل قوائمهم الانتخابية. فضلا عن ذلك بدأت الأموال تنهال على جماعة الإخوان التى اشترت مقرات بالملايين فى جميع أنحاء مصر للجماعة نفسها ومكاتبها الإدارية بخلاف مقرات لحزب الحرية والعدالة.. ولا أحد سألهم من أين لكم هذا؟ وهكذا فعل السلفيون فجاءتهم الملايين من الخارج ومن قوى سلفية عربية.. ولكن لا أحد يسائلهم. وكان كل اهتمام المجلس العسكرى والحكومة بالجمعيات المدنية التى اتهموها بالتمويل المشبوه، كأن أموال الإخوان والسلفيين طاهرة رغم أنها جاءت من الخارج! فى نفس الوقت الذى ارتبك فيه المجلس العسكرى فى إدارة شؤون البلاد وتخبط كثيرا وأدخل الناس فى جدل مرة حول «الدستور أولا» أو «الانتخابات أولا».. ومرة أخرى عن وثيقة المبادئ الدستورية.. واستطاع أن يقسم الناس ويزيد الشقاق بينهم وأصدر قوانين ومراسيم.. كأنها تخدم القوى الإسلامية بدءا من قانون الأحزاب ولجنته التى قبلت أوراق أحزاب دينية.. وقانون الانتخابات المعيب وتقسيم الدوائر الذى يفيد جماعة الإخوان فى النهاية لتنظيمها وأموالها، عكس التيارات الأخرى وشباب الثورة الذين تمنعهم تلك التقسيمات من خوض الانتخابات، وإن خاضوها سيفشلون بالطبع فى المنافسة أمام الإخوان والقوى الإسلامية التى بدت أنها تملك أموالا كثيرة ودعاية مركزية ومحلية عظيمة لا يقدر أحد عليها. فى الوقت نفسه انشغلت قوى الثورة بميدان التحرير والصراع مع المجلس العسكرى لسرعة تسليم السلطة بعد أن فشل لمدة عشرة أشهر فى إدارة شؤون البلاد. ومماطلتهم فى إجراء تغييرات سريعة على مستوى المؤسسات والشخصيات التى تقود البلاد. واعتبر ثوار الميدان أن المجلس العسكرى أصبح غير شرعى بالتفافه حول مطالب الثورة وتحقيقها وهو الذى وعد بذلك عند تسلمه السلطة. وما كان من الإخوان والقوى الإسلامية إلا أن سعت لزيادة مصالحها مع المجلس العسكرى وتقديم نفسها على أنها البديل الوحيد الذى يمكن أن يدير شؤون البلاد بشكل محافظ يتناسب مع «العسكرى» على غير مطالب قوى الثورة من تطبيقه الشرعية الثورية. ومن هنا أبرز الإخوان استعدادهم للتحالف مع أى أحد حتى ولو كانت الأحزاب نفسها التى كانت تتحالف مع الحزب الوطنى المنحل والتى كان يديرها أمن الدولة وصفوت الشريف. وهنا التقى الإخوان كقوى محافظة، العسكر الذين هم محافظون أيضا. فليس غريبا أن يكون البرلمان القادم محافظا، وليس ثوريا. وسنرى نوابا كثرا من نواب السمع والطاعة لا يليق أن نراهم فى برلمان الثورة.. وكأن الثورة لم تقم بعد.