صدر منذ أيام قليلة أحدث كتب أستاذى الدكتور عاطف العراقى، بعنوان «ثورة النقد فى عالم الأدب والفلسفة والسياسة»، والكتاب عبارة عن مجلد ضخم نحو ألف صفحة، صدر عن مكتبة «جزيرة الورد»، والإهداء موجه إلى روح الزعيم مصطفى النحاس، الذى تجسدت فيه القيم النبيلة والأفكار السامية. ولن تسمح هذه المساحة الصغيرة بعرض موضوعات هذا السِّفْر الكبير، لذا سنشير إلى بعض موضوعاته القيمة، ولعل أهمها عدم وجود نقد علمى نزيه، ولا نقاد حقيقيين موضوعيين! إذ يقول: «أين الضمير يا سادة حين يحاول أشباه النقاد خلع هالات الإعجاب والتقديس على مجموعة من الأعمال التافهة، وفى نفس الوقت نجدهم يوجهون مجموعة من الشتائم إلى أعمال جادة، بل يحاولون إخفاءها وجعلها فى منطقة الظل». ويضيف أستاذنا عن حال المؤلف اليوم: «هو مطمئنّ تماما إلى أن العلاقات الشخصية وتبادل المصالح، هى وحدها التى ستؤدى إلى التفخيم فى كل عمل من الأعمال التى تصدر عنه». والحقيقة أننا لا يمكن أن نتوقع ازدهارا للنقد الأدبى والفكرى والفنى والسياسى، إلا إذا وجدنا ازدهارا فى كل جوانب حياتنا الثقافية، فالنقد العظيم يُبنى على أعمال عظيمة. ويهاجم د.عاطف وسائل الإعلام التى تسلط الأضواء على أشباه المثقفين، نتيجة تفشى منطق الشللية، وتحكم المصالح المادية، وهذا ينطبق أيضا على أكثر الجوائز المنتشرة فى عالمنا العربى، التى لا تُعطَى فى الأغلب إلا للأشباه والأقزام وأصحاب المصالح والنفوذ! فنحن فى أحيان كثيرة نقدر الفكر بمعيار صحبه، وهذا يبدو بوضوح حين يقول صاحب المنصب أو الجاه شيئا، فتجد بسرعة من يوافقه على رأيه ومن يعجب بكلامه! ويشير د.العراقى إلى انتشار ظاهرة «البتروفكر»، أى الفكر المرتبط بالبترول أو بالدولار! فيقول: «إذا كتبت مقالة عن فكر عقلية رجعية، فإنك ستنال التقدير المادى، أما إذا كتبت عن عقلية تنويرية لا يرضى عنها من يملكون ثروات البترول والدولار، كابن رشد مثلا، فإنها فى الغالب سوف لا تُنشَر، حيث يستحق صاحبها العقاب من هؤلاء الذين يتمسكون بالفكر الفقير». وثمة ظاهرة أخرى مؤسفة، هى عدم اهتمامنا بفتح النوافذ على الفكر العالمى، مما أصاب فكرنا العربى فى أكثر الأحيان بالانغلاق وضيق الأفق. ومن ثم يسخر مفكرنا ممن يهاجمون الحضارة الحديثة، وهم يستخدمون فى نفس الوقت منجزاتها الرائعة. ويصف أستاذنا فكرنا السائد بأنه فكر رجعى تقليدى، وقد ساعد على ذلك غياب البعد النقدى فى ثقافتنا العربية المعاصرة، ولذلك يدعونا العراقى إلى ثورة نقدية، لتصحيح الأخطاء الفكرية، والمغالطات الثقافية، ثورة تكشف الغثّ من السمين، وتفضح الشهرة الزائفة التى يتمتع بها الكثير من أشباه الكتاب والمثقفين وأصحاب النقد الزائف. وكما أتفق مع أستاذى فى كثير مما قاله، فإننى أختلف معه أيضا فى أمور عدة، منها قوله: «إننا لا نجد أعمالا أدبية تستحق أن يقف عندها الناقد الجاد... ولا نجد فى عالمنا العربى المعاصر شخصا واحدا يمكن أن نطلق عليه صفة شاعر»، فالحقيقة أننا فى أمسّ الحاجة إلى ثورة نقدية تلقى الضوء على أعمالنا الإبداعية الناضجة.