كتب: سامي فريد هل استنفد النقد الأدبي كل موارده الطبيعية باعتباره ظاهرة قولية لا تنهض بذاتها ولكن تنهض بغيرها؟.. سؤال طرح نفسه بشدة في مؤتمر النقد الأدبي والواقع الثقافي الذي عقد في القاهرة في الفترة من5 إلي17 يونيو الماضي. لقد سحب البساط من تحت أقدام المثقف الذي ألقي به الي هامش الهامش بعد أن سيطرت فلسفة العولمة وفكرتها علي الاقتصاد والسياسة والفكر ومراكز صناعة القرار, وماكانت هذه الفلسفة لتمر دون أن تصيب البني الفكرية والثقافية في العالم كله وليس في عالمنا العربي والشرق الأوسط وحده, ومن هنا يري الدكتور عبد السلام المسدي المفكر التونسي والعربي الكبير وأحد أهم صناع الثقافة والفكر في عالمنا العربي أنه قد ضاع وبالتدريج دور المثقف الفاعل في مجتمعه بعدما أحيل إلي التقاعد. سيجرنا هذا الطرح الي سؤال آخر لايقل أهمية حول تعريف: من هو المثقف؟ وهو كما يراه الدكتور المسدي ذلك الذي يحس بأن الهم العام هو همه الخاص. من هنا أعيد طرح اسم يحيي حقي بشدة في المؤتمر باعتبار أنه المثقف الذي حمل الهم العام كأنه همه الخاص متجاوزا خطوط النقد الأدبي إلي النقد الثقافي دون حتي ربما أن يدرك ساعتئذ أنه يؤسس له عندما يعاد طرح القضية في عام2010 وفي هذا المؤتمر بالذات. مارس يحيي حقي فعل النقد الثقافي بوعي منه أنه هكذا يكون دور المثقف في مجتمعه فتكلم في الموسيقي والفن التشكيلي والسينما والمسرح والكونسير والتقي بالأدباء والشعراء والمفكرين في كل بلد زاره أو عمل فيه بل وراح يبحث عنهم كما تكلم في الآثار وأثاث البيوت وتحدث عن ملابسنا كيف تلبس ولماذا وكيف نأكل ونتكلم, ووصف الشوارع والحواري مضمنا مقالاته وكتبه كل ما من شأنه أن ينفع الناس ويساعدهم علي تطوير حياتهم الي الأحسن والأرقي والأنفع. كان المؤتمر الذي أطلق عليه اسم ناقدنا ومفكرنا الكبير الدكتور محمد غنيمي هلال فرصة لإعادة مراجعة اوراقنا الثقافية وكنا نتمني له حضورا أكثر كثافة باعتبار أهميته وخطورة ما طرحه فيه اكثر من65 باحثا ودارسا ومفكرا من أنحاء عالمنا العربي وتأرجحت فيه القضايا الأدبية والنقدية بين تراجع النقد وتخلفه عن اللحاق بحركة الابداع التي سبقته كثيرا كما يري الدكتور جابر عصفور, وبين ماقاله وأكده الدكتور محمد عز الدين المناصرة أن زمننا هذا هو زمن النقد ودعوة الدكتور محمد حسن عبد الله إلي أن يسعي مثقفونا الي تأسيس حركة نقدية عربية تغنيهم عن المشي في ركاب الحركات النقدية المستوردة والجاهزة والتي استهلكت نفسها تماما حتي لا نظل ندور في أفلاك نقاد وأدباء تجاوزهم الزمن. وكان الاجماع علي أن فرصتنا اليوم هي أن نعيد تأسيس البني الثقافية العربية في خصوصيتها بشرط أن نمارس الفعل النقدي بوعي متحرر من قيود الاتباع متمسكين بهويتنا رافعين راية الابتداع..