يبدو أن ما يعرف ب«حزب الكنبة» دخل طورا جديدا. فى الطور الجديد أصبح للكنبة أجنحة وقاذفات صواريخ. يريد أبناء الكنبة النوم فى هدوء.. هدوء قاتل. وهنا لا بد من طلعات حربية ضد كل من يشكك فى الروايات الرسمية. نريد أن نصدق والسلام.. نريد أن ننام. نريد الاستقرار.. وخلاص.. «إنتو هتوجعوا دماغنا» ...و«انتو بالتأكيد عملاء ونصابين ومأجورين علشان تقلقوا راحتنا...» قاذفات الكنبة.. تطوير مهم يطارد كل من يشكك فى الروايات الرسمية. يريدون التصديق بأى ثمن، يعيشون فى خداع ولا يفكرون لحظة فى إمكانية كذب أو عدم دقة أو زيف الرواية الصادرة من السلطة. بعض قادة حزب الكنبة ليسوا أعضاء أصليين، لكنهم وجدوا فى هذا الحزب المسترخى أمام الشاشات، مجالا مهما لاستعادة ما خسرته السلطة، ورواياتها من مصداقية. هؤلاء يمثلون أنهم كنبة وهم قادة فى سلطة خسرت مواقعها بعد 25 يناير.. يلعبون على الطبيعة المحافظة للمجتمع المصرى، واحترامها، أو بتعبير أكثر صدقا خوفها من السلطة، وكل كبير يسكن فى القصر العالى. الكنبة بأجنحة «جرين دايزر» عنيفة توجه شتائم واتهامات وتشكيكا فى كل من يخدش روايات السلطة. يموت سجين تبحث له طلائع الكنبة عن خطايا وذنوب يستحق بها القتل، لا تفكر كيف حدث؟ ولا لماذا؟ وماذا سيحدث إذا استمرت ماكينة التعذيب فى جوعها للالتهام؟ هل يجب أن تنهشك آلة التعذيب لتستيقظ وتثور عليها وتصرخ من نهشها؟ لا يفكر حزب الكنبة إلا فى الدفاع عن الرواية الرسمية، ويعتبر نقدها، عمالة وخيانة وإثارة للفتن، فى تطور نفسى بالغ لمن وضعهم عالم النفس إريك فروم تحت عنوان عريض «الخوف من الحرية». العنوان كان لدراسة عن هروب قطاعات من المجتمع الألمانى من العجز والضعف والشعور باللا جدوى إلى السلطة والقوة المتحكمة فى العالم.. الدراسة كانت عن هروب الشعب الألمانى من الحرية إلى هتلر. لماذا يهرب حزب الكنبة إلى السلطة؟ إنه شعور جبار بالضعف والعجز، يبحث فيه ساكن الكنبة عن سلطة يخاف الابتعاد عنها، ويتوحد معها إلى درجة تلغى العقل والوجود وتحول الشخص إلى رد فعل هستيرى تجاه كل من يجرؤ على الخروج عن هذه الرواية. الخروج عن الرواية إرادة باتجاه الحرية، يخاف منها سكان الكنبة بأجنحتهم الهجومية الجديدة، يُستغل فيها الحزب الخائف من الحرية، ورغبتهم فى النوم مرتاحى الضمير، استغلالا يحوّل المعركة إلى رغبة فى نهش الرواية المضادة لرواية السلطة، وتدمير أصحابها معنويا. يستخدم هؤلاء ديمقراطية الشتيمة، التى من المفترض أنها سلاح لكسر قداسة وجبروت السلطة، تحولت إلى سلاح مضاد للخارجين عن طاعة السلطة. هكذا لن يفكر أحد فى كيف مات عصام عطا؟ ولا فى استسهال الشرطة تعذيب سجين؟ ودلالة الاستسهال وتأكيده على النظرة المتعالية للسلطة فى أنها سلطة علوية تتخذ أحيانا شكلا أبويا، وأحيانا شكلا متعجرفا مثل السادة فى الدول الإقطاعية. السلطة درجات، والضابط فيها هو أداة من أدوات قهر وترويض الفرد العادى. يفعل هذا بإحساس أنه مربٍّ أخلاقى، أو البطل حامى الشعب، وهذه كلها أوهام قاومتها الدولة الحديثة، بتسييدها القانون وسحبها كل مواصفات البطولة عن السلطة. إنها سلطة إدارة، وليست سلطة تأديب وتصليح الشعب. للسلطة روايتها، لكنها ليست رواية مقدسة، ومن أجل ترشيدها لا بد من التشكيك فى كل آلياتها، لأنها آليات تزييف حسب خبراتنا الطويلة، خبرات قهر كما تقول قصص قبل عصام عطا. من سيصدق سلطة تضامنت كلها ضد خالد سعيد، وعندما اكتُشف كذبها لم تعتذر ولم تحاسب كذّابيها؟! من سيصدق سلطة تدافع وتبرر ولا تحاسب؟! من سيصدق سلطة عوّدت جمهورها على النوم سعداء بالكذب؟!