أنا من زمان وانا عندى القناعة دى بس ساعات تتهز، وساعات تَتَرسّخ، بس عموما يعنى بتَتَرسّخ أكتر ما بتتهز؛ قيادات الجيش مش أشرار كما أراهم فى معظم الأحيان، بل هُم بسنين عمرهم، بالجيل اللى بينتموا ليه، وطبعا بالمؤسسة اللى عاشوا فيها أعمارهم كلّها، بتَتَجسّد فيهم بس، كل ما فى ذلك الجيل من عيوب؛ مع احترامى الواجب لجيل بينتمى ليه أبويا وعمّى وخالى وكثير من الرجال اللى بحترمهم هُم وآراءهم، فده نقد وانتقاد صريح الحقيقة لكنّه لا ينفى الاحترام (عشان الموضوع مايتغيّرش بس، إلى إن عسيلى قليل الأدب ولّا حاجة!) العيوب أوّلها ظهر أهُه من غير مناسبة! (والله ما كان قصدى، مش بَصيع ولا حاجة) بس أول العيوب دى وواحد من أهمّها انّه جيل مابيحبّش يسمع. الأجيال اللى بعده طبعا عندها نفس العيب، لكن من الأمانة إقرار ان الكُبار هُمّ اللى بيعلّموا الصغيّرين، هُمّ اللى بيأثّروا فيهم، والعكس «كان» طول عمره غير صحيح. وأيوا قُلت «كان»، لأنّى مؤمن إن ده فى طريقه للتغيّر، ففى العقود القادمة، أنا حاسس وشايف مؤشّرات إن الصغيّرين هُمّ اللى حيبدأوا يأثّروا فى الكِبار. والأيّام بيننا لو حد مش مصدّق. تعوّد ذلك الجيل من آبائنا والسابقين لنا، أن ينظر لمن هُم دونَه فى العُمر نظرة إستعلاء، حتى لو كانت مبنية على حُب مثلا؛ زى فى حالة كل أب؛ يَبقى فى كل الأحوال، الأب المصرى بل والعربى عموما بيبص لولاده إنّهم مش فاهمين حاجة، وحتّى لو بعد عمر طويل أثبت العُمر ان «العيال» دول يقدروا يبقوا أطبّاء مهرة، كُتّاب موهوبين، سياسيين مُحنّكين. أى حاجة؛ يتصوّر لى أن من سبقونا، بيفضلوا شايفين ولادهم مهما كان حجم إنجازهم فى الحياة، على إن معرفتهم ناقصة، وحُكمُهم على الأمور لا يؤخَذ بيه إذا إنفصل عن الجماعة، «هُم مُجرّد إمتداد لينا»، «هُم بالضرورة لا يعرفون قدر ما نعرف»، «أكيد احنا أدرى بمصلحتهم» وهكذا. إتدرّب ذلك الجيل على التفرّد بالرأى، واتدرّب ذلك الجيل على معاداة الجديد من الأفكار، إتدرّبوا على التشبّث بآراءهم، واترّبوا على الاستخفاف بما يناقضه؛ ماكانوش أبدّا عايزين يغيّروا الواقع (أو على الأقل انا شخصيّا ماشُفتش)، فى شبابهم يمكن، بس الأكيد إن حتّى لو كانت تلك الرغبة عندهم فى الصِغَر، فاحنا مجتمع عنده طريقة فعّالة جدا إننا نموّتها فنضيّعها منهم وهمّ بيكبروا. فيه حد، فى مثل عُمرى كده أو أكبر قليلا، وقّفنى فى الشارع يتكلّم معايا كلمتين، وفى وسط كلامه لقيته بيقولّى كده «هو انت مثلا وانت صغيّر، كان أبوك يقدر يقولّك كل تفاصيل ما يجرى فى البيت، ولّا لازم ينقّيلك إيه اللى انت بتسمعه وتشوفه عشان ماتتعلّمش حاجة غلط؟» وعرفت أول ما سمعته إنه كان يقصد يتكلّم على مطالبة ناس كتير للحاكم العسكرى للبلاد وبالتالى طبعا لمن سوف يتولّى حُكم مصر من بعدهم؛ بالشفافية فى المعاملة مع الشعب. وهالّنى المثال بالرغم من إنّه مش مفاجئة بالنسبالى ولا حاجة، بل سمعته مرارا وتكرارا، بس كل مرّة الحقيقة بيخضّني! إزّاى نجحت تلك الخطة؟ إزاى أقنعت ناس كتير ان علاقتهم برئيس الدولة، بالسُلطة، بالحاكم، هى زى بالظبط علاقة الاب بولاده؛ والمفاجأة بقه، إن مش ولاده الكبار يعنى، اللى بيفهموا ويعرفوا ياخدوا قراراتهم بأنفسهم، ويغلطوا ويتعلّموا من أخطاءهم وهكذا، لأ. دول عيال صغيّرين، لازم حد «كبير» ياخدلهم كل القرارات المهمّة، وإلّا حيودّوا نفسهم فى داهية. أكيد كانت خطة ذكية وتم تنفيذها باقتدار؛ تلك الخطة اللى خلّت ملايين الناس يقتنعوا إنّهم حيلعبوا دور الطفل اللى مش عارف حاجة فى المسرحية دى، وحيبقوا كمان مبسوطين وموافقين وكلُّه كلُّه تمام! المجلس العسكرى الحاكم مش محيّرة مواقفه وردود أفعاله وطريقته على الإطلاق، أوّل ما تفكّر نفسك ان رجال المجلس العسكرى، هم نفس رجال مجلس «الآباء»، دى وجهة نظر جيل بحاله للأصغر منّه، المشكلة مش فيهم لوحدهم أبدا. دى وجهة نظر جيل بحاله لبُكره، حاسّين انّهم بيمتلكوه، بالرغم من إن ده قطعا مش حقيقى. (ولا ننسى طبعا على سبيل الأمانة إن قلّة قليلة ممن ينتمون للجيل ده، نفدوا من تلك الحفرة وماوقعوش فيها، لكن هُم فى رأيى، أقل أقل القليل. بلال فضل النهارده كتب على تويتر قائلا « كانت ثورتنا صغيرة وجميلة الآن كبرت وخرطها خراط الثورات» ورديت عليه قلتله «كانت صغيرة وجميلة فعلا، كانت بريئة يا بلبل، بقت فى سن المراهقة المتعب». وبالرغم من اننا ماكنّاش ولا انا ولا بلال بنتكلّم فى الموضوع اللى بنتكلّم فيه دلوقتى ده، لكن انا بدأت أكتب المقالة بعد الكلمتين دول.. أعزّائى الكِبار، واحدا واحدا، كل ما تتمسّكوا بالماضى كل ما حتأثّروا عالمستقبل، يجب أن تطلقوا ايديكم، كفاية عناد نرجوكم، الساعة بتتحرّك فى اتّجاه واحد بس، لو رجعت لورا مش حتبقى ساعة حتبقى آلة زمن؛ مافيش آلة زمن، فيه بُكره اللى كلّنا حنروحله مع بعض، لو عشنا يعنى، وحيفضل مِلك أصغر من فينا، لحد ما ييجى بعده اللى أصغر منّه، عشان يطالب بحقّه فى امتلاك بكره بتاعه. التغيير سُنّة الحياة وفرْضَها