لو أتينا بكائن من المريخ لا ينتمى إلى أى من فرقنا السياسية ولا تعصباتنا الدينية، وأعطيناه الحقائق عما حدث فى مصر بعد «الثورة». من الذى يحكمنا؟ ماذا حدث لجهاز الشرطة وكيف يتعامل مع المواطنين الآن؟ كيف تتعامل الشرطة العسكرية معنا؟ كيف يدار جهاز الإعلام فى العهد الجديد ومن الذى يديره؟ كيف تسن القوانين وما محتواها وفى أى اتجاه تصب؟ لو أعطيناه هذه المعطيات وسألناه ما رأيك فى «ثورتنا»؟ فسوف يرد علينا بكلمة قبيحة، ثم سيعود إلى سفينته الفضائية فورا، سيفتح الشباك قبل أن يُقلع لأنه مخنوق، وسينظر إلينا نظرة احتقار وهو «يبرطم» و«يقزقز لب» وينفخ القشر فى وجوهنا. ربما، بعد فترة الصمت والنظرات تلك، سيتساءل مستنكرا: وهل تحتاج هذه المعادلة إلى كائن من المريخ يهز طوله ويأتى إليكم، اسألوا أى شخص عاقل على كوكبكم! أليس منكم رجل رشيد؟ بل اسألوا شخصا من الجوار. اسألوا تونس. هل انهارت الدولة فى تونس؟ لم يحدث. تشكل مجلس وطنى، تشكلت حكومة انتقالية، سينتخب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور. سينتخب رئيس وبرلمان وستتشكل حكومة على أساس الدستور الجديد. لقد مرت تونس بصعوبات، وبارتفاع فى معدل الجرائم، وبفترات عدم استقرار. نعم، لكن بدرجة أقل كثيرا مما حدث فى مصر. ولو أنكم تفكرون، والكلام لكائن المريخ، لعلمتم أن من أقنعكم أن وجود عسكريين -وحدهم، ودون مشاركة مدنية- على رأس السلطة هو الضمان الوحيد للاستقرار ودوران عجلة الإنتاج أو حتى الحفاظ على هيكل الدولة قد خدعكم. المدنيون فى تونس يؤدون أداء أفضل كثيرا. والأهم، أنهم لا يملكون مصدرا مؤسسيا للقداسة يمزجون بينه وبينهم كأشخاص. بل انظروا إلى العالم كله. ما من دولة يحكمها الفكر العسكرى إلا وفشلت. أما فى مصر فقد صارت العسكرية دينا، دينا قائما بذاته، يدعى أنه وحده القادر على تسيير أمور البلاد، ويشكك فى قدرة المواطنين من غير العسكريين على الأداء، دون أن يعطى المواطنين المدنيين فرصة لإثبات العكس، دينا، مُحرَّما، مقدسا، لا يجوز انتقاده ولا الاقتراب منه، حتى حين تخرج عقيدته من ثكناتها، وتتدخل فى حياة المواطنين اليومية، ولا تكون مقتصرة على «مهمتها المقدسة» فى الدفاع عن الوطن ضد الأخطار الخارجية، دينا إغريقيا متعدد الآلهة، هذا إله القوانين، وذاك إله الإعلام، وهلم جرا، وما على المواطنين إلا التسليم بقدرة تلك الآلهة وتخيل حياتها فى الأعالى والقبول بتصرفاتها كما هى. والأدهى أن قطاعا كبيرا من المواطنين مسلم بهذا وراضٍ به، دينا يدعى أنه يعرف كل شىء. يملك الفهم الأرقى فى الصناعة والزراعة والهندسة والطب والاقتصاد والسياسة الخارجية والاجتماعية، بل ويفهم فى شؤون المرأة رغم أنه يفتقد تماما إلى أى تمثيل، ولو ضئيل، للكائن الذى حصته 50٪ من المجتمع، وصفر فى المئة من سلطته الحالية. وهل سأعلمكم تاريخكم؟ قبل أربعين عاما حدث لديكم ما عرف وقتها بثورة التصحيح. عدد الذين حوكموا من رموز «النظام السابق» وقتها أكبر من عدد الذين يحاكمون الآن، بل وأجريت انتخابات حرة بعدها بخمس سنوات. لكن ماذا حدث؟ لا شىء. لأن الجوهر لم يتغير فيه شىء. والعقيدة الحاكمة هى نفس العقيدة الحاكمة. لا تلبث أن تضيق بمن حولها وترتاب فيهم وتقصيهم. وتقسم على هواها الصغائر والكبائر والمخاطر، فتعتبر أن حلقة لم تسجل بعد فى برنامج حوارى كارثة إن أرادت، وتجيب على هواها عن ما تحب من أسئلة، وتحتفظ بسرية ما تحب. سبحان من وصف نفسه: «لا يسأل عما يفعل وهم يسألون». قبل أن تقلع المركبة مباشرة ابتسم الكائن لأول مرة وقال: لكن تذكروا، ثمة فارق كبير بين ما حدث فى «ثورة» 15 مايو وما حدث فى ثورة 25 يناير. فى الأولى كانت المعركة بين الآلهة بعضها وبعض. أما فى الثانية فقد خاض «مواطنون» معركة ضد الآلهة، وانتصروا فى جولة. والمباراة لا تزال مستمرة. تسألونى إن كان هناك أمل. نعم، هناك أمل. بشرط أن يصر المواطنون على المشاركة فى السلطة.