يوم السبت، خرج المصريون فى حشود غير مسبوقة للإدلاء بأصواتهم فى استفتاء على تعديلات ثمانى مواد من دستور 1971. وإذا كان هذا المشهد قد تم فى أى وقت سابق ل«الثورة»، لكان هذا حدثاً تاريخياً عظيماً، فالشعب المصرى استشار، وبشكل غير مسبوق، بخصوص تعديلات مدة حكم الرئيس وبعض الأمور الفرعية الأخرى، لكن أن يكون الاستفتاء بعد قيام «ثورة» شعبية مصرية من المفترض أن شرعيتها هى ما أسقطت نظام الحكم ومعه دستور كان معمولا به بشكل متواصل منذ عام 1971 وبه مواد تحمل أرقاماً مثل 76 و77 و189 وليس 1، 2، 3 لإعلان دستورى جديد، فهذا ما لا يبدو منطقيا بالشكل الكافى. ولذلك أن تكون هذه «التعديلات» لدستور قديم قد ظلت مقترحة أساسا من قبل المجلس العسكرى، فإن هذا قد يعنى نفى «الثورة» ذاتها كحدث تاريخى. فالدساتير تسقط مع الأحداث التاريخية الجليلة ولا «تُعدّل» بعد سقوطها. فهذا هو أصل الأشياء. والسؤال فى هذه الحالة: كيف سيتم انتخاب البرلمان؟ هل سينتخب على أساس دستور 1971 الذى سيكون قد طرأ عليه بعض التعديلات فى حالة ظهور نتيجة الاستفتاء لصالح «نعم»؟ إذن لم يحدث «فصل» و«بدء» جديد. لماذا من المهم الإشارة لنقطة الفصل والبدء هذه كذلك نقطة «من يوكّل من» للقيام بوضع دستور؟ ربما المقارنة بحالات أخرى توضح بعض الأمور. تركيا كانت إمبراطورية عثمانية. تركيا أصبحت دولة حديثة فكُتب دستور 1924. تم القيام بانقلاب عسكرى عام 1960 فكتب العسكريون من خلال البرلمان دستور 1961. تم انقلاب عسكرى ثان فى 1980 فكُتب دستور1982 من قبل العسكريين وتم الاستفتاء عليه من الشعب. لم يتم أى حدث سياسى كبير سواء ثورة شعبية أو انقلاب عسكرى ثالث منذ هذا الحين، ولذلك ما تم كان فقط «تعديلات» فى عام 2010. هذا يختلف عن الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية حين كُتب الدستور فى اللحظة الفاصلة لنشأة الدولة الجديدة. إذن ما يؤرق فى الحالة المصرية هو أولاً الرجوع لدستور 1971 بإجراء تعديلات عليه كأن «الثورة» لم تسقطه بالفعل، ثم ثانيا التساؤل: من يوكل المجلس البرلمانى، الذى سينتخب على أساس دستور قديم «معدّل»، مهمة القيام بوضع دستور جديد؟ هل فى هذه الحالة من سيوكّل هذا الطلب هم العسكريون كما حدث فى تركيا، أم من يوكّل هذه المهمة هو الشعب الذى ما كان ليفعل هذا على أساس دستور قد أسقطه بالفعل نتيجة قيامه بثورة؟ إذن، إحدى القراءات للوضع الحالى هى أن أى تمديد فى عمر دستور 1971 بتعديلات تحمل أرقام مواده قد يعنى نفى شرعية هذه الثورة كمحرك أساسى لأى تغييرات دستورية حالية واستمداد الشرعية من المجلس العسكرى الذى اقترح التعديلات. النقطة الثانية والمهم الإشارة إليها الآن هى بعض خصائص الدستور الذى أتمنى أن يكون عليه الدستور المصرى المقبل، أياً كان من سيوكل له القيام بوضعه. أعتقد أن من أهم شروط الدستور القادم أن يكون قصير المواد. فلنعلم مثلا أن الدستور الأمريكى بعد الثورة الأمريكية فى 1776، كُتب من قِبَل جمعية تمثل وفود وأطياف «الشعب الناشئ»، واحتوى فى بدايته على عشر مواد كلها تتعلق بحريات المواطن. والآن وبعد أكثر من 200 عام وبعد عدد من التعديلات الدستورية عليه، فإن عدد المواد فى الدستور الأمريكى لا يتعدى 27 مادة فقط. ومازال أهمها المواد العشر الأولى المتعلقة بحريات المواطن وحقوقه والتى تنظم أيضا علاقة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ماعدا ذلك فهى قوانين تُحفظ فى مجلدات ويتعامل معها المحامون والقانونيون والبرلمانيون. أما الدستور فمن خصائصه القصر والسهولة كى يستوعبه بل «يحفظه» المواطن عن ظهر قلب، ليعلم حقوقه، أما أن يكون فى دستور 1971 الذى نحن بصدد «تفعيله ثانية» مادة تحمل الرقم 189 و189 مكرر فهذه كارثة. كم مواطناً عادياً يُفترض أن يحفظ 189 مادة فى دستور بلاده، فى حين ينبغى عليه ذلك تجاه دستوره الذى يمنحه حرياته وينظم علاقته مع الدولة؟ أخيراً، هل سعدت عند ذهابى للإدلاء ب«لا»، تماما كما قلت «لا» فى استفتاء 1999 على رئيس الجمهورية السابق لا لشىء ولكن لنظرتى فى حينها أن المدة قد طالت؟ بالقطع، سعدت بيوم السبت سعادة بالغة حين رأيت أعداداً كبيرة ومنظمة جاءت لتقول «نعم» أو «لا»، ولكنى مازلت قلقة بخصوص الخطوات المترتبة على استفتاء يكاد يُوصِلنا وصلا بدستور يرجع لسنة 1971 وكأن شيئا لم يكن.. الحل؟ فى حالة «نعم» المرتقبة، يجب السعى الفورى لإعلان دستورى ينظم العلاقة فى الفترة الانتقالية الحالية. بعدها نضطر اضطراراً للانتظار وتأجيل ما كنا على وشك البدء فيه بالفعل وهو كتابة الدستور الآن، وهو المنطقى، ولكننا نتأخر وننتظر حتى تُسند هذه المهمة لبرلمان سينتخب بمرجعية 1971. هل غاب تفاؤلى؟ لم يغب تماما، ولكن «الفرحة» فى غاية الحذر فى الوقت الراهن. *زميل مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة واشنطن، سياتل، الولاياتالمتحدةالأمريكية [email protected]