.. نعم طيبون.. هذه حقيقة ربما أختلف فيها مع كثيرين ممن يرون أعضاء المجلس العسكرى غير ذلك. إنهم طيبون، هذا ما أكده حوار إبراهيم عيسى ومنى الشاذلى مع اللواء العصار واللواء حجازى. إنهم طيبون، يتكلمون عن قيم هامّة: نحن نريد بناء دولة حديثة لا فرق فيها بين مسلم ومسيحى ومن لا دين له.. كلهم مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات. يتكلمون أيضا عن 30 سنة من الفساد، والضحك على الشعب، وتزوير إرادته. يقولون: القوات المسلحة ملك الشعب. وهم صادقون غالبا فى إعلانهم أنهم مجروحون لأن هناك من يتهمهم بأنهم فى مذبحة ماسبيرو وربما قبلها أطلقوا النار وقتلوا مصريين. الدم المصرى غالٍ بالنسبة إليهم.. وهذه تربيتهم، وعقيدتهم، وإيمانهم الذى لا رجعة فيه. نعرف ذلك وأكثر. كما نعرف رغبتهم فى اعتذار أنيق، يحاولون به مسح آثار المؤتمر الصحفى العالمى، وتبرير مذبحة ماسبيرو على أنها استهداف مشترك من «عدو خفى» يبحثون عنه. إنهم طيبون وصادقون.. لكن النيات الطيبة لا تصنع دولة، والعدو الذى يبحث عنه المجلس داخلى، بينهم، إنه العقل السلطوى الذى يصور لهم أنهم يعرفون كل شىء وأنهم رسل العناية الإلهية. نصدق أن الجندى الذى دهس المتظاهرين بالمدرعة، أصابته لوثة رعب، لكن مَن وضعه فى هذا الرعب؟ هل المتظاهرون، أم القائد الذى أعطاه أوامر باستخدام العنف فى وضع لا يمكن السيطرة عليه..؟ الدولة الحديثة أيها الجنرالات الطيبون، تقوم على المحاسبة، وتحديد المسؤوليات لكى لا يتكرر ذلك. وذلك لن يتكرر إلا بتغيير الأسلوب والطريقة الدفاعية، التبريرية لكل ما تفعله السلطة. نصدق أيضا أنهم لا يريدون الحكم، لأنه لا يمكنهم ذلك ببساطة، إلا بفاتورة باهظة ليسوا قادرين على دفعها، وأدوات لا يملكونها. العدو بينهم كما قلت، هذا العقل السلطوى الذى تنمو على ضفافه أنواع من بكتيريا معروفة، تزين للجنرال الطيب أنه على حق دائما، وأنه ضحية نياته الطيبة، وأن فى الخارج أعداء، خارج القاعة، يترصدونه، وينوون هدم المعبد على رأسه. الجنرال الطيب يتحصن فى معبده، وقلعته، ويتعامل بنفسية المدافع عن نفسه فى مواجهة هذا العدو الوهمى. الجنرالات فى الحوار أجابوا عن أسئلة أخرى، لم يقُل أحد إن الجيش لا يحب الشعب، أو إن الجيش ضد الشعب، لكن سؤالنا كان: لماذا تحمون المسؤول عن خطيئة ماسبيرو؟ لم يقل أحد إننا لا نريد سيادة القانون، لكن قانون مبارك لم يكن سيدا لكنه خدم استمراره فى الحكم، والسير على إيقاعه الآن يجعل الثورة محشورة فى صناديق زجاج، تكاد تنفجر، وحولها حواة ومشعوذون يريدون الفتك بها، والعودة إلى مواقعهم، فماذا يعنى تأجيل قانون إفساد الحياة السياسية إلا حماية المفسدين أو تعطيل الحياة السياسية؟ هل هو إيمان بالشرعية؟ الثورة تعنى قطيعة لا استمرارا يا جنرالات يا طيبون. والنظام ليس هو الدولة، ومحاسبة المجرمين المشاركين فى الفساد والمستفيدين من الاستبداد ليست إنهاءً للدولة لكنها تقويم لها من اعوجاج نظام أعادنا إلى عصور ما قبل الدولة. هل دولة مبارك.. كانت دولة؟ إنها فتات دولة.. مجرد فتات. والحفاظ عليها تدمير لا بناء. الحفاظ على شركاء الجريمة.. شىء يقترب من الجريمة. الثورة.. التى أيدها المجلس، تعانى اختناقا، بينما يتنفس شركاء مبارك فى جريمته التى اعترفتم بها أيضا، فى حرية تامة. .. وأخيرا، رغم كل شىء لا يمكن مقارنة ما يحدث الآن بما كان يحدث أيام مبارك.. لا يمكن لأن هناك اختلافا نوعيا.. كبيرا جدا.. كنا أيام مبارك فى صحراء كبيرة.. لكننا الآن على أعتاب بناء دولة.. نتصارع عليها ونحارب من أجلها.. وهذا فرق كبير وحكاية أخرى.