إخواننا العرب يعتبرون مصر وحدها هى المسؤولة عن التصدى للنزاع العربى الإسرائيلى، فإذا حدث أى اعتداء إسرائيلى على أشقائنا فى فلسطين، اتهموها بالتخاذل لمجرد أنها أدانت هذا العدوان ولأن القرار لم يعجبهم، فتخرج صحفهم مع الفضائيات العربية تصب هجومها علينا وكأن مصر هى التى تهاونت فى حق القضية، لمجرد أنها تستخدم العقل والمنطق دون أن تنزلق فى حرب لا نعرف نهايتها، هم يعرفون جيدًا أن الرئيس مبارك ليس غريبًا عن الحروب، فهو بطبيعته رجل مقاتل خاض معارك كثيرة، وسبق أن أعطى لإسرائيل درسًا قاسيًا فى حرب أكتوبر بضربته الجوية الأولى.. فهل مطلوب منه أن يدخلنا فى حرب لترضية مشايخ الجنوب اللبنانى الذين حرضوا على الحرب وهم داخل مخابئهم.. ثم إن أى حرب لها حساباتها.. وإخواننا العرب، بمن فيهم شيوخ لبنان، يعرفون أن أكثر من 100 ألف شهيد مصرى هم حصيلة معاركنا مع إسرائيل منذ عام 1948 حتى حرب أكتوبر، ومع ذلك لم تطالبهم مصر يومًا بأن يمدوا أيديهم ليقفوا معها وقفة جماعية شجاعة ضد أى اعتداء. ولأنهم تعودوا أن يرموا بحملهم على مصر.. فقد غسلوا أيديهم من مسؤولية التحرك الجماعى ضد أى عدوان إسرائيلى على الشعب الفلسطينى المسكين الذى يتمسك بأرضه، وكأن هذه الأرض ليست جزءًا من الوطن العربى، لقد اكتفوا بالشعارات وبيانات الاستنكار والشجب، لكن أن يجتمعوا على قرار لم نسمع.. فى حين أن لديهم أسلحة أقوى من صواريخ «الكاتيوشا» التى يستخدمها أطفال «حماس» فى جر شكل إسرائيل.. فى مقدور إخواننا هؤلاء أن يهددوا بسحب استثماراتهم من دول الاتحاد الأوروبى للضغط على إسرائيل، وفى استطاعتهم أيضًا أن يضغطوا على الأب الشرعى لإسرائيل ويسحبوا أموالهم من البنوك الأمريكية. هم يعلمون أن جميع المعارك التى خاضتها مصر مع إسرائيل كانت بمفردها دفاعًا عن القضية الفلسطينية، وقد دفعت فيها فواتير كثيرة راحت معها الآلاف من أرواح الشهداء ولم نسأل أحدًا عن قيمة هذه الفواتير.. لقد تقاسمنا مع شعب فلسطين رغيف العيش واسألوا قادتهم.. صحيح أن القيادات تغيرت علينا.. وفيهم من كان وفيًا لمصر.. وفيهم من كان جاحدًا ناكرًا لدور مصر.. ومع ذلك لم ننتظر شكرًا من هذا ولا ذاك، لأننا نقف مع شعب أعزل، عاش سنوات القهر والحصار.. قدره أن يظهر من بين قادته قلة يزايدون ويتاجرون بقضيته، لا يهمهم أن يقتل طفل أو امرأة أو عجوز.. يعيشون القضية بقلوب ميتة.. فالشهداء الأبرياء الذين سقطوا فى مذبحة غزة بالأمس هم فى رقبة هؤلاء القادة. إن مذبحة غزة تعيدنى بالذاكرة إلى مذبحة صبرا وشاتيلا التى ارتكبها مجرم الحرب آرييل شارون، الذى دخل فى غيبوبة لايزال فيها حتى الآن.. وقد كانت هذه المذبحة باعتراف العالم أبشع المجازر الصهيونية وحشية ودموية، استمرت أكثر من 48 ساعة داخل مخيم صابرا ومخيم شاتيلا ونشرت القوات الإسرائيلية الرعب والفزع بين النساء والشيوخ والأطفال، الذين كانت تذبحهم علنًا.. وقد خلفت وراءها قرابة ثلاثة آلاف جثة بلا رأس، ورؤوس بلا أعين وأخرى محطمة لأطفال ونساء وشيوخ. هذه المجزرة تمت أمام العالم ونحن منهم.. أى كان العرب فى قائمة شهود العيان ولم نسمع صوتًا وقتها لمشايخ الجنوب.. ولا للمزايدين إياهم.. وكالعادة يجتمع القادة العرب والنتيجة لا شىء.. ثم يتكرر السيناريو، وتحدث مذبحة غزة.. وبيانات الاستنكار والشجب.. والمعونات والإمدادات تتدفق.. وقلة الأدب على مصر والمصريين.. هذا هو حالنا كعرب.. فماذا كان مطلوبًا منا بعد أن طرحت مصر عدة طروحات لإعادة الوئام وتصفية الخلاف بين أبناء الوطن فى فلسطين.. وكما حدث بعد اتفاق مكة.. واتفاق الدوحة.. حدث معنا وانشقوا وتنازعوا وقلبوا مائدة التصالح.. قادة المفترض أن لهم وزنًا بعد وصولهم إلى الحكم، لكن أن ينقضوا الفاتحة بعد أن أدوا العمرة هذه هى المأساة.. لقد حذرت مصر وأعلنت رؤيتها، فقد كانت تخشى أن يتحقق مثل ما حدث فى غزة لأنها لا تستبعد غدر الأعداء.. فهم يتظاهرون بالضعف والاستكانة وفى داخلهم مرض الانتقام.. نحن والفلسطينيون نعرف عن إسرائيل ما لا يعرفه غيرنا.. نعرف أنها غدارة.. لا تلتزم بالكلمة ولا بالوعد.. فهى عدو ليس سهلاً يراوغ ويخادع.. ويتحين الفرصة.. وقد جاءته فرصة الانقضاض على غزة عندما تحججوا بصواريخ العيال وأخذوهم ذريعة للدفاع عن النفس.. وارتكبوا جريمتهم القذرة.. النتيجة كما شاهدناها.. عدو لا يعرف الاستئذان ولا يعرف الالتزام وليس له كلمة شرف فارتكب مذبحته البشعة، وقد التزمت أمريكا الصمت ولم نسمع عن بوش ولا أوباما حتى الاتحاد الأوروبى وكأنه لم يسمع عن هذه المذبحة. تخرج علينا بعض التصريحات غير المسؤولة من خارج الحدود تدعو أبناءنا إلى التظاهر والفوضى، وكأننا مثلهم نبيع الغالى والرخيص.. نحمد اللّه أن انتماءنا لتراب مصر وليس للشعارات.. ونحمد اللّّه أنهم خرجوا علينا لتزداد غلاوة الرئيس مبارك فى قلوبنا.. ولذلك نقول شكرًا يا رجل.. لأنك عاقل جنبت شعبك ويلات الحروب ولم تستجب للأقزام. [email protected]