كيف يمكن لتحالف عمره 60 عاما أن ينقلب إلى هذا السوء؟ ما الذى حدث حتى تصبح تركيا وإسرائيل الآن عدوين على شفا حرب؟ فى تركيا كانت ردود الفعل ضد إسرائيل مفهومة، حيث تعرض متطوعون فى قافلة مساعدات للهجوم وأصيب بعضهم وقتل آخرون. ويعتبر رد الفعل المباشر والجهود لإعادة المصابين إلى تركيا، بالإضافة إلى الدعوات لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن ومؤسسات دولية أخرى والسعى للحصول على مساعدة المجتمع الدولى ضد إسرائيل.. كلها أمور مناسبة. كما تعكس مساندة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الكاملة لهجوم القوات البحرية الإسرائيلية على أسطول المساعدات، إرهاب الدولة المستتر وراء تعبير دبلوماسى هو «الاستخدام غير الملائم للقوة» كسياسة رسمية لإسرائيل. ونحن نعرف ذلك. وتستحق الحكومة الإسرائيلية أن يطلق عليها دولة «مارقة، قرصانة، إرهابية، قاتلة». بل إن هذه النعوت ليست كافية لوصف الحكومة الإسرائيلية لأنها راضية للغاية عن تصرفاتها. فإسرائيل تقتل الجميع، بمن فيهم النساء والأطفال، لأن الهجوم على غزة أفلت من العقاب. وأعتقد أنه ينبغى الإطاحة بالحكومة الإسرائيلية القاتلة. وقد ألمح رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان خلال اجتماع المجموعة البرلمانية للحزب إلى أن على الشعب الإسرائيلى أن يتخلص من حكومته. وبطبيعة الحال أثار قتل متطوعين على سطح السفينة واعتقال معظمهم غضبا فى تركيا. ومن السهل رؤية الفورات العاطفية خلال تشييع الجنازات. غير أنه ليس من حق الدول أن تكون عاطفية. عليها أن تكون واقعية وتتصرف على نحو منطقى. فالدول ملزمة بأن تضع فى اعتبارها أن كل خطوة تخطوها حاسمة بالنسبة لمستقبلها. وفى حين تتم مناورات كبيرة وتطلق مشروعات حساسة فى الشرق الأوسط، لن يكون مفيدا للدبلوماسية بأى حال انتهاج سياسات تقوم على الانفعالات. فربما تساعد مثل هذه السياسات فى تعزيز الإثارة فى الداخل، لكنها قد تكون مؤذية فى نهاية المطاف. وأحدث الصور فى السياسة الخارجية هى: لن نتبع نهجا مواليا للغرب بعد ذلك. فتركيا تنجرف بسرعة بعيدا عن السياسات المتوازنة، تلك تركيا التى تعطى انطباعا بوقوفها فى صف محور إيران حماس. ويمكن القول إن المتظاهرين كمن يحملون أعلام حماس كانوا يتصرفون على نحو انفعالى. لكن المسئولين فى الدولة لا يمكنهم التصرف وفقا للغضب. فضلا عن أنه على الحكومة أن تضع الانفلاتات المماثلة تحت السيطرة. فنحن نعرف بالفعل أن العلاقات الثنائية مع إسرائيل تسوء تدريجيا. وقد ظلت تركيا دائما تتبع سياسة متوازنة، باستثناء بعض التقلبات عبر السنين، جعلت منها لاعبا نشطا فى الشرق الأوسط، وفى حل النزاع الإسرائيلى الفلسطينى. فإذا كانت هذه السياسة سيتم التخلى عنها، وإذا كنا «سنقف إلى جانب أحد الأطراف»، علينا أن نعد حساباتنا بدقة. فالإضرار بالعلاقات الخارجية مع إسرائيل على نحو لا يمكن الرجوع فيه، لمجرد وجود حكومة مسعورة، لا يمكن أن يكون واقعيا ولا مقبولا كتصرف سياسى ملائم فى السياسة الخارجية. وإذا كنا سنتبنى سياسة «العصا والجزرة» تجاه إسرائيل، فلن نتمتع بثقة كاملة لدى المجتمع الدولى. وعلينا أن نحسب حساب مواجهة احتمال أن يصفنا المجتمع الدولى نفسه «بأنصار حماس». وهناك أيضا احتمال معاملتنا بمعاملة البلدان العربية نفسها، التى تتحدث كثيرا ولا تفعل شيئا مع كل مرة تشن فيها إسرائيل هجوما. وعندما يتعلق الأمر بالسياسات الشرق الأوسطية والعلاقات الثنائية مع إسرائيل، على تركيا أن تتصرف على نحو أفضل من مصر، لأن علاقتها مع إسرائيل هى الأصعب.