المواطن الذى ينشأ فى كنف حكومة ترعاه وتسبغ عليه حمايتها، ولو فى أقصى بقعة من بقاع الأرض ينشأ على تقديس أرواح بنى البشر ومعرفة قيمتها. أما الذى ينشأ فى دولة حكامها لصوص، ويعايرون المواطن بكثرة شرب الشاى واستهلاك السكر ويتهمون المواطن بأنه يقوم بأعمال مشينة مثل الزواج والإنجاب وتناول الإفطار وركوب الأوتوبيس.. هذا المواطن الذى يكرهه حكامه ويحتقرونه ويتمنون موته لا يمكن أن ينشأ على احترام وتقدير الحياة الإنسانية، بل إنه يتمنى الموت الذى يريحه من بؤس حياته. فى الفيلم المصرى الكوميدى اللذيذ «الإرهاب والكباب» الذى تدور أحداثه الخيالية فى مجمع التحرير، قدم وحيد حامد وشريف عرفة فيلما لا يمت إلى الواقعية بصلة.. وكلما شاهدته تساءلت: ماذا لو أن هذه الحدوتة حدثت فعلا وكيف يكون سلوك الحكومة فى أزمة رهائن كهذه؟ بالتأكيد لم تكن لتفاوض الخاطفين أو تحرص على أرواح الرهائن كما فعل وزير الداخلية الخيالى الفنان كمال الشناوى.. لكنها كانت ستندفع بكل الغشم التاريخى لتقتل الخاطفين والرهائن وتحل المشكلة من جذورها! دليلى على هذا ما حدث عند تحرير ركاب الطائرة المصرية المختطفة فى مالطا فى منتصف الثمانينيات ونتيجتها المأساوية.. كما يحضرنى أيضا ما حدث فى السبعينيات من جانب المواطن سعد إدريس حلاوة الذى أغضبه افتتاح سفارة العدو الإسرائيلى فى قلب القاهرة فقام فى سورة غضب باحتجاز زملاء له بالوحدة المحلية بإحدى مدن محافظة القليوبية، واشترط للإفراج عنهم إلغاء الاتفاقات مع إسرائيل، ثم ما كان من ضيق صدر السلطة التى لم تحاول التفاوض معه أو كسب الوقت لإنهاكه وتحرير الرهائن سلميا، لكن ولأنها حكومة أبية لا تخضع إلى الإرهابيين فإنها قتلته وأصابت الرهائن بجراح عندما أطلقت رشة جريئة من الرصاص عليهم جميعا! الحكومات المنتخبة هى التى تعرف قيمة المواطن وتحترم حياته، أما السلطات المستبدة المغتصبة للحكم فإن المواطن لديها أهون من جناح بعوضة، لذلك لا يستطيع أحد أن يلوى ذراعها، ولو احتجز جمهور استاد القاهرة يوم ماتش الأهلى والزمالك. فى نفس هذا الإطار وهذه الخلفية أشعر بالحزن للصفقة المزمع القيام بها بين الفلسطينيين وإسرائيل للإفراج عن العسكرى شاليط مقابل ألف أسير فلسطينى، كذلك الصفقة لتسليم الجاسوس الإسرائيلى جرابيل مقابل ثمانين سجينا مصريا. بالطبع لا يحزننى عودة الأسرى الفلسطينيين والمصريين إلى أهاليهم، وإنما حالة الهوان العربى التى تجعل أهمية ولد إسرائيلى واحد عند أهله بألف رجل من رجالنا. ليس اللوم بالطبع على رجال المقاومة البواسل الذين أسروا فردا واحدا من جيش شديد القوة والتسليح، ولا هى شطارة من إسرائيل أن تقوم بأسر المواطنين العزّل الذين لا صاحب لهم وتجمع منهم الآلاف الذين سمح ضعف حكامهم بأسرهم ثم تقاعس هؤلاء الحكام عن إعادتهم، ولكن فكرة أن أعداءنا يحترمون أبناءهم إلى أقصى حد ويقدسون حياة كل مواطن، وينظرون إليه على أنه الناس جميعا، ويسعون سعيا حثيثا إلى إعادة أى أسير أو إعادة رفاته.. هذا هو ما يحزننى. الأمر نفسه شعرت به عندما قام السيد حسن نصر الله فى عام 2004 بإعادة أربعمئة سجين عربى كانوا قابعين فى السجون الإسرائيلية ومن بينهم مصريون، وكل ذلك فى مقابل رفاة جنديين صهيونيين قتلا منذ سنوات. ولطالما ألقت علىّ أخبار من هذا النوع فى حيرة فلم أعد أعرف هل أفرح لأن المواطن الإسرائيلى غال إلى هذا الحد ونستطيع أن نفكه ببضعة مئات من العرب، ومن ثم نقوم بإسعاد مئات الأسر العربية مقابله؟ أم أغتم نتيجة هواننا على أنفسنا وعلى الآخرين؟ هو أن بلغ الحد أن إسرائيل بعد أن هزمتنا فى عام 67 قامت بالقبض على آلاف الفلاحين بالقرب من شط القناة وبادلتنا الواحد منهم مقابل بطيخة!