شاهدت أحدث أفلام دينزل واشنطن مع جون ترافولتا، ويعرض حالياً فى مصر باسم «اختطاف بيلهام»، فأثار فى نفسى مشاعر وأفكارًا لا أعلم إذا كانت صادفت غيرى ممن شاهدوا الفيلم أم لا. الفيلم من النوع البوليسى المشوق، ويتعلق باختطاف أحد قطارات الأنفاق بمدينة نيويورك بواسطة عصابة من المجرمين المحترفين مع طلب فدية مقابل تحرير ركاب القطار. ما لفت انتباهى، رغم أنه ليس جديداً عليهم، هو الحرص البالغ من جانب السلطات على أرواح الرهائن والاستعداد لعمل أى شىء ولو كان الاستجابة للخاطفين ودفع الفدية مقابل ألا يراق دم برىء. ليس الحرص فقط من جانب المسؤولين الرسميين، ولكن احترام الحياة الإنسانية من جانب المواطن العادى، وهو ما تجلى فى سلوك البطل دينزل واشنطن، الذى أدان نفسه فى جناية لكى يفتدى شاباً لا يعرفه وينقذه من الموت. صحيح أن السينما الأمريكية تحرص على تمرير رسائل عن روعة وشجاعة وإنسانية المواطن الأمريكى، ولكن صحيح أيضاً أن المواطن الذى ينشأ فى كنف حكومة ترعاه وتسبغ عليه حمايتها فى أقصى بقعة من بقاع الأرض ينشأ على تقديس أرواح بنى البشر ومعرفة قيمتها. أما الذى ينشأ فى دولة يعاير حكامها المواطن بكثرة شرب الشاى واستهلاك السكر، ويتهمون المواطن بأنه يقوم بأعمال مشينة مثل الزواج والإنجاب وتناول الإفطار وركوب الأتوبيس.. هذا المواطن الذى يكرهه حكامه ويحتقرونه ويتمنون موته- فلا يمكن أن ينشأ على احترام وتقدير الحياة الإنسانية، بل إنه قد ينظر إلى الموت على أنه راحة له وللآخرين من شرور الحياة ونطاعة الحُكام. تذكرت الفيلم المصرى الكوميدى اللذيذ «الإرهاب والكباب»، الذى تدور أحداثه الخيالية فى مجمع التحرير، حيث وجد مواطن بسيط نفسه دون أن يقصد إرهابياً فى ذمته عشرات الرهائن، وتساءلتُ فى براءة: ماذا لو أن صانعى الفيلم حاولوا أن يقدموا فيلماً واقعياً يحكى عما نعرفه جميعًا عن سلوك حكومتنا فى أزمة رهائن كهذه؟ بالتأكيد لم تكن لتفاوض الخاطفين أو تحرص على أرواح الرهائن كما فعل وزير الداخلية الخيالى الذى قام بدوره الفنان كمال الشناوى.. لكنها كانت ستندفع بكل الغشم التاريخى لتقتل الخاطفين والرهائن وتحل المشكلة من جذورها!. دليلى على هذا ما حدث عند تحرير ركاب الطائرة المصرية المختطفة فى مالطا فى منتصف الثمانينيات ونتيجتها المأساوية.. كما لا ننسى ما حدث فى السبعينيات من جانب المواطن سعد إدريس حلاوة الذى أغضبه افتتاح سفارة للعدو الإسرائيلى بقلب القاهرة فقام فى ثورة غضب باحتجاز زملاء له بالوحدة المحلية بإحدى مدن محافظة القليوبية، واشترط للإفراج عنهم أن نلغى الاتفاقات مع إسرائيل، ثم ما كان من ضيق صدر السلطة التى لم تحاول التفاوض معه أو كسب الوقت لإنهاكه وتحرير الرهائن سلمياً، لكن ولأنها حكومة أبية لا تخضع للإرهابيين فإنها قتلته وأصابت الرهائن بجراح، عندما أطلقت رشة جريئة من الرصاص عليهم جميعاً! الحكومات المنتخبة هى التى تعرف قيمة المواطن وتحترم حياته، أما السلطات المستبدة المغتصبة للحكم فإن المواطن لديها أهون من جناح بعوضة، لذلك لا يستطيع أحد أن يلوى ذراعها ولو احتجز جمهور استاد القاهرة يوم ماتش الأهلى والزمالك. فى نفس هذا الإطار، وهذه الخلفية، أشعر بالحزن للصفقة المزمع القيام بها بين الفلسطينيين وإسرائيل للإفراج عن العسكرى شاليط مقابل ألف أسير فلسطينى. بالطبع لا يحزننى عودة الأسرى الفلسطينيين إلى أهاليهم، وإنما حالة الهوان العربى التى تجعل أهمية ولد إسرائيلى واحد عند أهله بألف رجل من رجالنا. ليس اللوم بالطبع على رجال المقاومة البواسل الذين أسروا فرداً واحداً من جيش شديد القوة والتسليح، ولا هى شطارة من إسرائيل أن تقوم بأسر المواطنين العزل الذين لا صاحب لهم، وتجمع منهم الآلاف الذين سمح ضعف حكامهم بأسرهم ثم تقاعس هؤلاء الحكام عن إعادتهم، ولكن فكرة أن أعداءنا يحترمون أبناءهم إلى أقصى حد، ويقدسون حياة كل مواطن، وينظرون إليه على أنه الناس جميعاً، ويسعون سعياً حثيثاً لإعادة أى أسير أو إعادة رفاته.. هذا هو ما يحزننى. الأمر نفسه شعرت به عندما قام السيد حسن نصر الله فى عام 2004 بإعادة أربعمائة سجين عربى كانوا قابعين فى السجون الإسرائيلية ومن بينهم مصريون، وكل ذلك فى مقابل رفات جنديين صهيونيين قتلا منذ سنوات. ولطالما ألقت بى أخبار من هذا النوع فى حيرة، فلم أعد أعرف هل أفرح لأن المواطن الإسرائيلى غال إلى هذا الحد ونستطيع أن نفكه ببضع مئات من العرب، ومن ثم نقوم بإسعاد مئات الأسر العربية مقابله، أم أغتم نتيجة هواننا على أنفسنا وعلى الآخرين.. هوان بلغ حد أن إسرائيل بعد أن هزمتنا فى عام 67 قامت بالقبض على آلاف الفلاحين بالقرب من شط القناة وبادلتنا الواحد منهم مقابل بطيخة!