كان أمير الشعراء، أحمد شوقى، ينصح تلميذه الموسيقار، محمد عبد الوهاب، بأن يصبح مثل النحلة، ينتقل من غصن إلى غصن، ومن وردة إلى وردة، يستحوذ على رحيقها ليفرز لنا عسلا شهيا.. إنها فلسفة تليق بالفعل بحرية النحل، التى هى الوجه الآخر لحرية الإبداع، ولكن الناقد لن تجدى معه طريقة النحلة، عليه أن يتذوق كل شىء، ويتحمل أيضا كل شىء ليس لديه هذا الترف فى الانتقاء، ولهذا تعودت فى شهر رمضان أن أخترع نظرية أخرى، أحتفظ ببراءة اختراعها، ولن أنصح بها أحدا غيرى، إنها حيلة الفأر.. المعروف أنه فى عالم الفئران مهما كان الأكل شهيا والمعدة خاوية، فإن الفأر لا يحصل منه سوى على جرعة قليلة من الطعام، تحسبا لاحتمال وجود سم قاتل، وبعد أن يتأكد أنه لم يخدع، ولم يصب بتلبك معوى، يواصل التهام الطعام، وهو مطمئن إلى أنه بصدد وجبة معتبرة! فى رمضان فى أثناء مشاهدتى المسلسلات والبرامج، أتعلم من حيلة الفأر، خصوصا فى الأيام الأولى، أعيش داخل خيمتى الرمضانيةا التى أقيمها بجوار التليفزيون، ليس مبنى الإذاعة والتليفزيون حتى لا يذهب ذهنك بعيدا، لأن المجلس العسكرى لن يسمح، ولكنها خيمة أمام الشاشة الصغيرة، وألهث فى المشاهدة طوال الأسبوع الأول.. وأشاهد الجرعات كاملة، تصل مدة المشاهدة اليومية إلى قرابة 12ساعة، وبعد هذا الأسبوع الإجبارى أشعر أن من حقى أن أتخفف قليلا من هذا الحمل، وأنتقى فقط ما أريده، أحاول أن أتعلم هذه المرة من حكمة نحلة عبد الوهاب! ولأننا لا نزال فى منتصف الأسبوع الأول من ماراثون رمضان، فأنا أقدم لكم القطفة الأولى، اعتبروها وش القفص.. إنها حصيلة يومين فقط، فهى مجرد انطباع مبدئى، وتلك الانطباعات لا تستطيع أن تراهن على دوامها، إنها آراء تحمل فى ثناياها خط الرجعة! المسلسلات التى رأيت أنها تبشر بالخير، وأتمنى أن لا تخيب الأيام ظنى هى دون ترتيب «دوران شبرا»، «الشوارع الخلفية»، «رجل لهذا الزمان»، «الشحرورة»، «خاتم سليمان»، «الريان»، «فى حضرة الغائب»، «المواطن إكس»، «عابد كرمان»، «الكبير قوى»، «مسيو رمضان»، « الحسن والحسين».. مسلسلات أجد صعوبة فى متابعتها، ولكن مجبر أخاك وأيضا من دون ترتيب «الزناتى مجاهد»، «كيد النسا»، «سمارة»، «نونة المأذونة»، «آدم»، «إيد واحدة». الملاحظة العامة هى أن التغطية الإخبارية لم تخفت برغم هذا السيل الرمضانى، حيث إن الريموت كنترول بين الحين والآخر كان ينتقل إلى القنوات الإخبارية، بل إننى أتوقع أنه مع نقل تفاصيل محاكمة مبارك على الهواء، ثم التحليلات التى سوف تلى ذلك، حيث إننى أكتب قبل تلك الجلسة التاريخية، أتوقع أن الإقبال على مشاهدة تفاصيل المحكمة التى سوف يحتكرها التليفزيون المصرى حصريا سوف تحقق درجة كثافة عالية، لتتنحى فى هذا اليوم المسلسلات والبرامج جانبا، لأن موجة الناس منضبطة فقط على المخلوع، سواء أكان غائبا أو حاضرا عن القفص، لأن هناك «جمال» و«علاء» و«العادلى»، إنهم الأبطال المساعدون للمحاكمة، وغياب الشرير الأول لا شك سوف يؤثر على قوة الأفيش، ولكن لا تستطيع أن تنكر حالة النهم والرغبة فى المشاهدة، ستصل فى كل الأحوال إلى الذروة، وسوف تخبو تماما بجوار مشهد قفص مبارك، كل البرامج والمسلسلات التى تشاهدها بنظرية الفأر أو فلسفة النحل!