هل تسلل يوماً فأر إلي منزلك وأحضرت له عشرات من السموم وضعتها بعناية وذكاء علي طعامه المفضل ثم انتظرت أن تعثر علي جثة الفأر ملقاة علي الأرض فلم تجد شيئاً واكتشفت أن الفأر تزداد حركته ويزداد أيضاً وزنه وهو هانئ سعيد في مقر إقامته الجديد؟! تعوَّد الفأر بحكم التجربة علي ألا تخدعه المأكولات المفضلة التي من الممكن أن ترسلها له من جبن وطماطم، لأن خبراته السابقة قد أكدت له أنه من الممكن أن يلقي حتفه متأثراً بتغلغل السموم في دورته الدموية، ولقد علَّم الآباء أبناءهم هذه الحيلة لقد اكتشفوا في عالم الفئران أنه من الممكن أن يجرب فأر كبير الطعام لأول مرة بكمية ضئيلة جداً قد تصيبه بتلبك معوي ولكنها بالتأكيد لن تقضي عليه ويستطيع بعد ذلك أنه يؤكد لأبنائه من الفئران الصغار أنه قد ضحي بنفسه لإنقاذهم، والحقيقة أن الأمر لم يزد عن كونه آلاماً في معدته قد تصيبه ربما بإسهال وليس أكثر ويصل بالتأكيد الدرس إلي أبنائه وهكذا لو تسلل أحدهم إلي مطبخ يستطيع إيقاف حالة النهم التي تعتريه كلما وصل إلي أنفه رائحة الطماطم أو الجبن يلتهم فقط القليل ويقاوم حالة النهم انتظاراً لما ستسفر عنه هذه الكمية الضئيلة التي تناولها. المشاهد التليفزيوني أتصوره في الأسبوع الأول من رمضان يطبق لا شعورياً نفس تلك النظرية، يأخذ القليل من المسلسلات والبرامج يتذوق قضمة هنا وقضمة هناك يتحمل مشهداً هنا وآخر هناك، صحيح أنه يسعي وراء النجوم الذين صنعوا معه تاريخاً عبر تراكم السنوات إلا أنه بعد البدايات الأولي من الممكن أن يولي وجهه شطر أي عمل فني آخر لفنان جديد لم يصنع تاريخاً بعد ولكنه استطاع أن يستحوذ علي مشاعره في الحلقات الأولي.. لا أحد من الممكن أن يعتقد أن المشاهد يستطيع أن يلتهم كل هذه الأطباق بحجة أنه في حالة نهم.. من الناحية الطبية ينصح المتخصصون بألا تزيد ساعات مشاهدة التليفزيون يومياً عن ساعتين فقط لا غير، وبالطبع لا أحد يلتزم بهذه النصيحة لا في رمضان ولا شعبان ولكن حتي لو زادت المساحة إلي 24 ساعة يومياً مشاهدة، لو استغنينا عن ساعات النوم لن تستطيع أن تشاهد أكثر من 1% فقط مما تقدمه كل الفضائيات الناطقة بالعربية التي يبلغ عددها 700، ولهذا فإن الاختيار ضرورة ولا وسيلة للتغلب علي ذلك إلا بالرجوع إلي نظرية الفأر التي ينبغي للإنسان الذكي أن يسارع بتعلم الدرس منها!!