هل تتذكرون «كتيبة» الاتصالات التليفونية الكذابة التى تحركت فجأة مساء يوم 28 يناير الماضى (جمعة الغضب) على جبهة امتدت إلى كل قنوات وبرامج تليفزيون أنس الفقى أفندى والتليفزيونات والبرامج الخصوصية التابعة له، طبقا لخطة اكتشفنا بعد ذلك أنها دُبِّرت بليل وبإحكام بهدف بث الرعب والهلع فى قلوب المصريين وإجبارهم على استدعاء أبنائهم وشبابهم من ميادين التحرير فى طول البلاد وعرضها ومنعهم من المضى قدما فى الثورة على المخلوع وعصابته؟ أظن أن الكثيرين ما زالت ذاكرتهم تحتفظ بذلك السيل الهائل من المكالمات الهاتفية المذاعة على الهواء مباشرة وبأصوات أغلبها أنثوية لكنها جميعا تردد أسطوانة واحدة محفوظة تبدأ وتنتهى ببكاء وصراخ وعويل ملتاع ومرعوب من عمليات نهب وسلب وسرقة بل واغتصاب أيضا، كلها انطلقت آنذاك فى لحظة واحدة وفى كل مكان.. فهذه سيدة مثلا مهددة من مجهولين بالاغتصاب أو ربما اغتُصِبت فعلا، ومع ذلك كان لديها متسع من الوقت وفائض من الجهد والعافية للاتصال بواحد من تليفزيونات «الفقى» وإبلاغ الست المذيعة أو الأستاذ المذيع بالتفاصيل المرعبة للفظائع التى تحدث معها أو أمام عيونها الكحيلة! هذه الكتيبة المجرمة توهمنا أنها حُلَّت وجرى تسريح أعضائها المقاطيع بعد انتصار الشعب المصرى ونجاح ثورته، وانتقال وزير الإعلام السابق للإقامة فى السجن، وحل جهاز مباحث أمن الدولة وإحلال مباحث أخرى مكانه، غير أن العبد لله شخصيا شاهد على وقائع تؤكد أن مقاطيع الكتيبة المذكورة ما زالوا موجودين فى الخدمة وقد عادوا مؤخرا لاستئناف نشاط الكذب والتدليس والترويع نفسه من دون تغيير يُذكر سوى تعديلات بسيطة (تناسب الأوضاع الراهنة) فى نغمة ولغة الأسطوانات المكلفين بترديدها خلال الاتصالات التليفونية التى صاروا يمطرون بها حاليا برامج تليفزيون الزميل أسامة هيكل ووفد فضائيات «الفلول» المرافق لسيادته. والحال أننى بدأت أشك فى أن الكتيبة التليفونية التليفزيونية المباحثية هذه عادت بالسلامة بعد انسحابها المؤقت من حياتنا عندما لاحظت من أسابيع أن هناك سيناريو واحدا أخذ يتكرر معى (ومع غيرى) فى أغلب المرات التى قبلت فيها دعوة الزملاء المسؤولين عن إعداد بعض برامج التليفزيون الرسمى للتعليق على حدث أو موضوع سياسى ما، خلاصة هذا السيناريو أن الزميل المذيع أو الزميلة المذيعة فجأة يتلقى عبر السماعة المندسة فى أذنه أمرا (من الكنترول) بتوقيفى عن الكلام لأن هناك مشاهدة كريمة أو مشاهد كريم يتصل ويريد أن يدلى بدلوه فى الموضوع، لكن ما إن يتحدث هذا المتصل أو المتصلة حتى أكتشف أنه ليس كريما ولا كريمة وإنما هو «شريف» المهندس الذى من مدينة نصر، أو «مدام رجاء» ست البيت التى هى أيضا من مدينة نصر! طيب.. لماذا يتصل «شريف» أو الست «رجاء» بالبرنامج (دعك من كيف اتصلا مع أنه لا أرقام هواتف مكتوبة على الشاشة) وما الذى يريدان قوله للمشاهدين؟! لا شىء سوى تعريفنا بأنهما من الناس العاديين قوى جدا خالص، ورغم أن أحدا لا يسألهما عن جنسيتهما فإن «شريف» و«رجاء» يحرصان دائما على تأكيد أنهما مجرد «مواطنين مصريين» ليس لهما فى السياسة ومع ذلك يشنون هجوما عنيفا على العبد الله ومعه الثورة والثوار جميعا الذين يظهرون قلة أدب وحياء وعدم وفاء ل«رئيس حكم مصر ثلاثين عاما» ويستخدمون ألفاظا غير لائقة فى الحديث عنه من نوع وصفه بأنه «رئيس مخلوع»! وعادة لا يكتفى «مهندس» مدينة نصر المصرى العادى الذى ليس له فى السياسة، وكذلك زميلته المصرية العادية بتاعة مدينة نصر برضه، بهذا الدرس التليفونى التليفزيونى فى آداب الحديث عن «المخلوعين» ولكنهما ينتقلان بسرعة إلى التحذير والتخويف من عاقبة استمرار الكلام عن الثورة والحرية والديمقراطية، لأن هذا «الكلام الفارغ بيعطل عجلة الإنتاج وبيدمر مصر اللى هيه أمنا كلنا يا جماعة حرام عليكو كفاية بقى».. هكذا هتفت الست «رجاء» ذات مساء رائع. أما «شريف» ففى آخر مرة شرفنى بالاتصال (وحده من دون أى «رجاء») بينما كنت أعلق فى أحد البرامج على قانون الانتخابات الهزلى الجديد، وبخنى ووبخ الزميلة المذيعة بعنف متهما كِلِينا بأننا بمثل هذه البرامج وذاك الكلام، نعطل الإنتاج ونفسد «بسكلتته» إفسادا شديدا.. فاضطرنى للرد عليه متسائلا: لماذا إذن يا أخ «شريف» يا مهندس يا عادى يا بتاع مدينة نصر، ضيعت وقت سيادتك الثمين وتركت عجلتك الإنتاجية وجلست أمام التليفزيون تسمعنا وتتفرج علينا؟!