من ضمن هتافات الثوار في شوارع مصر وميادينها: العدالة الاجتماعية، وبالتالي فالعدالة هدف من أهم أهداف ثورة يناير، خصوصا أننا عشنا على مدى سنوات طويلة جدا، ونحن نفتقد كل معاني العدالة الاجتماعية. ومن أبسط معاني العدالة الاجتماعية -حتى إنك تجده في بلاد العالم الاشتراكية والرأسمالية أيضا- وضع حد أدنى، وحد أعلى للأجور، وهذان الحدان كانا من ضمن مطالب الثورة، فلا يصح أبدا أن يحصل مواطن مصري على مرتب 95 جنيها في الشهر (وأحيانا أقل!)، في حين أن هناك مواطنا مصريا آخر يحصل من ذات الحكومة على مرتب شهري يتجاوز مليون جنيه! هذا ظلم فاجر، وعبث مجنون. وقد شاهدت في التليفزيون -قبل الثورة- مذيعا يسأل الناس في الشارع عن رأيهم في من يتجاوز راتبه الشهري حاجز مليون جنيه، فكان أغلب المواطنين الغلابة لا يصدقون أن في مصر من يحصلون على مثل هذا المبلغ كل شهر! وقد تتصور -عزيزي القارئ- أن من يحصل على هذا المرتب المهول، هو رئيس الجمهورية مثلا، أو رئيس مجلس الوزراء على الأقل، أو حتى الوزراء، لكن الحقيقة غير ذلك، فمن يحصلون على هذه المرتبات الخرافية هم رؤساء مجالس إدارات بنوك، ومؤسسات صحفية، وهيئات وشركات حكومية! ويأتي من بعدهم موظفون حكوميون يأخذون مبالغ أقل، إذ تصل إلى نحو نصف مليون جنيه كل شهر، مثل بعض المستشارين في مختلف الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، ومديري الأمن في وزارة الداخلية، وآخرين يجمعون بين أكثر من وظيفة في نفس الوقت! حتى إن بعضهم يجمع بين أكثر من عشر وظائف معا، فيحصلون على أكثر من عشرة مرتبات أول كل شهر! فما رأيك في كل هذا العبث؟! وإذا كان القضاء المصري قد ألزم الحكومة بحد أدنى للأجور 1200 جنيه في الشهر، فإن الحكومات قبل الثورة وبعدها لم تلتزم بتنفيذ حكم القضاء! حتى جاءت حكومة ميدان التحرير! وتحدث د.عصام شرف بنفسه عن تحديد حد أدنى، وحد أعلى للأجور، لكن د.سمير رضوان وزير المالية، خرج علينا، وقرر أن 700 جنيه تكفي جدا! في حين رفض بشكل حاسم تحديد حد أعلى للأجور، واعتبر هذا الموضوع «دغدغة لمشاعر الناس»! وفي سؤال لوزير الداخلية عن المرتبات الخيالية لمساعديه ومديري الأمن، جاء رده هكذا: «أنا حجمتهم شوية»! فهكذا تعمل الحكومة الثورية: «شوية.. شوية»!! ومن المعروف أن الحد الأدنى للأجور يسري على البلد كله، في حين أن الحد الأعلى يسري على الموظفين عند الشعب، أي في الحكومة وما يتبعها، فما سبب رفض المسؤولين عن الحكم تحديد حد أقصى للأجور؟ هل هم ضد الثورة، أم ضد مبدأ العدالة الاجتماعية، أم أن الأمر يرجع إلى ما سيصيبهم شخصيا من تحديد حد أقصى لما يحصلون عليه من مميزات كبيرة ومرتبات ضخمة؟