لا أدرى، كم من الوقت سأنتظر حتى أنام فى بيتى على سريرى وأنا «مطمئنة» أنه لن تنطلق فى الهواء أعيرة نارية، مجهولة المصدر، تخترق وسادتى وأذنى؟ كم من الوقت لا بد أن يمضى حتى تعلن الجريدة الرسمية أن «مصر وطن خال من البلطجة؟» كم من الوقت نحتاج لكى لا نقرأ ولا نسمع ولا نرى التصريحات الإعلامية من «خفافيش الظلام؟» إلى متى نضطر للعيش حتى يختفى -دون رجعة- اللصوص المتخصصون فى سرقة الأوطان.. ومرتزقة نهب الثورات؟ أيحتاج الوطن قرونا من الزمان ل«استرداد ثورته» من أنياب ديناصورات السياسة ومن مخالب المتقاتلين على الحكم باسم الحق الإلهى؟ ومن تحت ضروس المتضورين جوعا للسيطرة والقمع؟ كيف يتجرأ بعض التيارات الإسلامية للقول إنها هى صاحبة «الثورة»، وبالتالى هى الأجدر لانتزاع كرسى الحكم؟ وكيف أصبح الإخوان، هم المتحدث المعتمد للوطن، فيقررون شكل مصر.. ومعنى السياحة.. ووظيفة النساء.. ودور الفن.. وجبرية الحجاب.. ومنع الخمور.. وحظر ارتداء المايوهات؟ كيف أصبح الوطن غنيمة مثل غنائم الغزوات الإسلامية، يتم الاتفاق على توزيعها بالقسمة الشرعية؟ كيف تحول الوطن بعد ثورته المجيدة إلى فريسة سهلة ملقاة على الطريق لكل صياد جائع يريد الشبع على جثة مصر؟ كل يوم تحدث تناقضات جوهرية، والحكومة مع المجلس العسكرى لا يتنبهان إليها، وبالتالى لا يفعلان شيئا، لإسقاطها. على سبيل المثال.. تم رفض تأسيس واحد من الأحزاب السلفية، لأن قيام أحزاب على أساس دينى محظور. هذا شىء جميل، ويتماشى مع القانون المدنى لتأسيس الأحزاب. وبعد يومين نقرأ إعلانا عن صدور العدد الأول من جريدة الحزب السلفى، المحظور تأسيسه. شىء مضحك حقا.. فالجريدة التى أخذت رخصة الإصدار هى للحزب السلفى، الذى رُفض تأسيسه لأنه على «أساس دينى».. لكن الجريدة التى هى أيضا سلفية، وقائمة على «أساس دينى»، تم السماح بها. أنا لا أفهم هذه التفرقة، ولا أستوعب هذا التناقض؟ إن الجريدة السلفية أخطر مليون مرة من وجود الحزب السلفى. فهى التى تؤثر فى حياة الناس الذين يقرؤونها، وهى تترجم أفكار الحزب السلفى من خلال المواد المتنوعة للجريدة إلى واقع سلفى، وهى لسان حال التيار السلفى. كما أن أحزاب الإخوان لم تجد صعوبة فى التأسيس رغم أنها تعلن يوميا أن مرجعيتها إسلامية، تطبق شرع الله. أليست «المرجعية الإسلامية» «أساسا دينيا»؟ أليس تطبيق شرع الله «أساسا دينيا»؟ لماذا إذن سُمح للإخوان بتأسيس أحزابهم؟ هل الحكومة لا تعلم أن المرجعية الإسلامية، وشرع الله، ومصطلح «الإخوان المسلمين»، هى كلمات دينية من الطراز الأول لا لبس فيها ولا غموض؟ ألا يعلم المجلس العسكرى، بالإضافة إلى ما ذكر، تاريخ «الإخوان المسلمين» منذ تأسيسها سنة 1928 من عنف، واغتيالات، ومراوغة، وتحالفات سياسية مريبة، والاستعداد للتعاون مع أى جهة تقربهم من إقامة الحكم الإسلامى، ليس فقط فى مصر، لكن فى المنطقة كلها.. إن لم يكن فى العالم بأسره؟ لماذا يسلمنا المجلس العسكرى طعما سهلا للتيارات الإسلامية؟ لماذا تتردد الحكومة، ألف مرة، قبل أن تقول شيئا يغضب التيارات الإسلامية، وفعلا لا تقوله؟ ولماذا تتهاون فى انتزاع حق الوطن، عندما يعنى المواجهة مع أصحاب الحكم بالحق الإلهى، حتى إذا ارتدوا الجينز، والملابس العصرية، والبرنيطة المستوردة من بلاد يصفونها بالكفرة، وانحلال النساء، وموطن جميع الرذائل، والشذوذ الأخلاقى، وعقر دار الشيطان، ولبس المرأة البيكينى على شاطئ البحر وهى تشرب المنكر وتهزر مع الرجال فى «مسخرة» أخلاقية مريعة؟ منذ يومين قرأنا تصريحا من أحد القيادات السلفية، تقول «كل من يرفض الشريعة مصيره النار فى الآخرة.. إن الحكم السلفى هو الحكم الوحيد الذى يحقق الاستقرار والأمان للوطن، ومن يقول عكس ذلك جاهل». ما هذا الهزل والسخف والعبث الذى يعكر مزاجنا، كل صباح؟ ما هذا الإرهاب الدينى السلفى الذى يتجرّأ على مخاطبة مصر بهذا الشكل؟ وكيف يصبح شخص سلفى، أو غير سلفى، هو الذى يحدد لنا من يدخل النار ومن يدخل الجنة؟ هل منحت تلك التيارات الإسلامية، سلفية وغير سلفية، تفويضا أو توكيلا من الله، للحديث باسمه وتحديد العقاب فى الدنيا وفى الآخرة بالنيابة عن الله؟ كم من الوقت علينا تحمله، لكى نفرح ولو مرة واحدة، ونسترد الوطن «السايب» بسبب قيادات غير ثورية تخاف القرار الحازم، والرؤية المستنيرة الجادة، والقانون الصارم، والتهديد الجاد ضد «خطف الوطن». من واحة أشعارى بالفطرة النساء أحرار بالفطرة الرجال أحرار ولن تخضع الغريزة الفطرية وحكمتها النقية لتفصيل وضبط الأحكام الدينية على مقاس قتل الحرية