استقرار أسعار الذهب في مصر قبيل بداية التعاملات    حار نهارا، حالة الطقس اليوم الاثنين 13-5-2024 في مصر    "2100 مدرسة".. كيف استعدت التعليم لامتحانات الثانوية العامة 2024؟    استخبارات سول تحقق في تزويد بيونج يانج موسكو بالأسلحة    مساعد رئيس تحرير «الوطن»: إسرائيل منبوذة دوليا.. وبايدن «بين نارين» بسببها    ارتفاع عدد القتلى إلى 14 شخصا جراء قصف قوات كييف مبنى سكني في بيلجورود    الأقصر تتسلم شارة وعلم عاصمة الثقافة الرياضية العربية للعام 2024    بعد انخفاضها.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الإثنين 13 مايو 2024    مناقشة آليات تطبيق رسوم النظافة بمنظومة التخلص الآمن من المخلفات بالإسماعيلية    اليوم| محاكمة متهمي قضية اللجان النوعية    مؤلفة مسلسل «مليحة»: استخدمنا قوة مصر الناعمة لدعم أشقائنا الفلسطينيين    الإثنين 13 مايو.. توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية    ارتفاع «حديد عز».. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 13 مايو 2024    مقتل وإصابة 15 شخصا في إطلاق نار خلال حفل بولاية ألاباما الأمريكية    هل يجوز التوسل بالرسول عند الدعاء.. الإفتاء تجيب    جيجي حديد وبرادلي كوبر يرقصان في حفل تايلور سويفت (فيديو)    بعد بيلوسوف.. أبرز تغييرات بوتين في القيادة العسكرية الروسية    «اللاعبين كانوا مخضوضين».. أول تعليق من حسين لبيب على خسارة الزمالك أمام نهضة بركان    تدريبات خاصة للاعبي الزمالك البدلاء والمستبعدين أمام نهضة بركان    خطأين للحكم.. أول تعليق من «كاف» على ركلة جزاء نهضة بركان أمام الزمالك    أزهري يرد على تصريحات إسلام بحيري: أي دين يتحدثون عنه؟    وزير التعليم: هناك آلية لدى الوزارة لتعيين المعلمين الجدد    الأزهر عن اعتزام مصر دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»: تليق بمكانتها وتاريخها    حدث ليلا| زيادة كبيرة في أراضي الاستصلاح الزراعي.. وتشغيل مترو جامعة القاهرة قبل افتتاحه    تشديد عاجل من "التعليم" بشأن امتحانات الشهادة الإعدادية (تفاصيل)    وكيل «خارجية الشيوخ»: مصر داعية للسلام وعنصر متوازن في النزاعات الإقليمية    بعد تعيينها بقرار جمهوري.. تفاصيل توجيهات رئيس جامعة القاهرة لعميدة التمريض    قرار عاجل من اتحاد الكرة بسبب أزمة الشحات والشيبي    افتتاح مسجد السيدة زينب.. لحظة تاريخية تجسد التراث الديني والثقافي في مصر    بالفيديو.. كواليس تدريب تامر حسني ل بسمة بوسيل على غناء "البدايات"    بطولة العالم للاسكواش 2024.. مصر تشارك بسبع لاعبين في الدور الثالث    لا أستطيع الوفاء بالنذر.. ماذا أفعل؟.. الإفتاء توضح الكفارة    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك أن تستجيب دعواتنا وتحقق رغباتنا وتقضي حوائجنا    «من حقك تعرف».. هل المطلقة لها الحق في نفقة العدة قبل الدخول بها؟    منها تخفيف الغازات والانتفاخ.. فوائد مذهلة لمضغ القرنفل (تعرف عليها)    سر قرمشة ولون السمك الذهبي.. «هتعمليه زي المحلات»    قصواء الخلالي تدق ناقوس الخطر: ملف اللاجئين أصبح قضية وطن    استثمار الذكاء الاصطناعي.. تحول العالم نحو المستقبل    العدو يحرق جباليا بالتزامن مع اجتياج رفح .. وتصد بعمليات نوعية للمقاومة    أمير عزمي: نهضة بركان سيلجأ للدفاع بقوة أمام الزمالك في الإياب    بسبب سرقة الكابلات النحاسية، تعطل حركة القطارات في برشلونة    «الإفتاء» تستعد لإعلان موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات قريبًا    مسلسل لعبة حب الحلقة 24، فريدة تعلن انتهاء اتفاقها مع سما    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد مستشفى الحميات وتوجِّة باستكمال العيادات (صور)    رئيس «البحوث الزراعية»: ارتفاع إنتاجية المحاصيل الحقلية والبستانية للقطاع الخاص دليل «نجاح البحوث التطبيقية»    أربع سيدات يطلقن أعيرة نارية على أفراد أسرة بقنا    مستقبل وطن بأشمون يكرم العمال في عيدهم | صور    رئيس مجلس الأعمال المصري الماليزي: مصر بها فرص واعدة للاستثمار    الكشف على 1328 شخصاً في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    نقابة الصحفيين: قرار منع تصوير الجنازات مخالف للدستور.. والشخصية العامة ملك للمجتمع    وقوع حادث تصادم بين سيارتين ملاكي وأخرى ربع نقل بميدان الحصري في 6 أكتوبر    ليس الوداع الأفضل.. مبابي يسجل ويخسر مع باريس في آخر ليلة بحديقة الأمراء    وفاة أول رجل خضع لعملية زراعة كلية من خنزير    عمرو أديب يعلن مناظرة بين إسلام البحيري وعبدالله رشدي (فيديو)    وزيرة الهجرة تبحث استعدادات المؤتمرالخامس للمصريين بالخارج    رئيس جامعة المنوفية يعقد لقاءً مفتوحاً مع أعضاء هيئة التدريس    الأعلى للصوفية: اهتمام الرئيس بمساجد آل البيت رسالة بأن مصر دولة وسطية    منها إطلاق مبادرة المدرب الوطني.. أجندة مزدحمة على طاولة «رياضة الشيوخ» اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ أسامة القوصي : الإسلام لا يعرف شيئا إسمه الدولة الدينية
نشر في الأخبار يوم 18 - 04 - 2011

الشيخ أسامة القوصي هو واحد من الشباب الذين انضموا للتيار الإسلامي في الجامعات المصرية أثناء حكم الرئيس السادات حيث كان يدرس الطب في جامعة عين شمس، إدراكه كان متطابقا مع قناعات غالبية رموز الجماعات الإسلامية وأعضائها، كانوا متشددين ومغالين في فهم وتفسير الكثير من المفاهيم والوصايا الدينية، كان ميالا لاعتبار العنف الوسيلة الأمثل للخروج علي الحاكم والدولة باعتبارها دولة جاهلية وكل من يعيش علي ظهرها كفار ماداموا لا يؤمنون بتلك الأفكار بحد وصفهم حينها والهدف كان إقامة الدولة الإسلامية. هذه الأفكار كانت مستمدة من مؤلفات الشيخ سيد قطب النبع الذي استمدت منه كافة الحركات الإسلامية المتشددة أسس تحقيق رسالتها لتطبيق شرع الله كما كانوا يعتقدون! .. وبعدها تحول العنف كوسيلة للتغيير من فكرة إلي واقع ملموس وحدث ما حدث في مصر وأماكن مختلفة من العالم، وسقط الكثير من الضحايا من المواطنين وشباب الجماعات علي حد سواء، وألُصقت بالإسلام صفات أوصاف هو بعيد كل البعد عنها.
في الوقت ذاته شاءت الأقدار ألايكمل الطبيب أسامة القوصي الحلقة المفرغة التي دخلها الكثير من شباب الجماعات الإسلامية ، أقلع عن اعتناق أفكار التشدد بالدراسة والتعلم معتنقا المذهب السلفي، وعرف بأنه الشيخ السلفي الأجرأ من بين شيوخ التيار السلفي في مصر.. آراؤه وأطروحاته تضعه دائما محل انتقاد من جانب كثير من رموز التيار السلفي البارزين علي الساحة.
التقيناه في إطار رحلتنا الاستقصائية حول مستقبل الحركة الإسلامية في مصر بعد نجاح ثورة 25 يناير 2011 فكان هذا الحوار:
بعد ثورة يناير خرج الكثير من رموز التيار السفلي معلنين عن رغبتهم في الخروج من عزلة طويلة إلي ممارسة العمل السياسي .. كيف تنظر لهذه الرغبة؟
قبيل خوض السلفيين للحياة السياسية، فإنه يتعين علي مشايخ الدعوة السلفية أن يحددوا موقفهم، إما سيدخلون السياسة فيؤسسون حزباً، وإما يكتفون بالدعوة فينشئون جمعية دعوية ، وإن كنت قد سمعت مؤخرا ان السلفيين أعلنوا إنهم سيكتفون بالوقوف في خلفية المشهد السياسي مفضلين علي أنفسهم الكيانات الإسلامية التي يرونها مؤهلة للعمل السياسي أكثر منهم وهم يرون أن الإخوان المسلمين هم أكثر الكيانات الإسلامية قدرة علي ممارسة العمل السياسي .
هناك من يروج للسلفية علي إنها سلوك وتصرفات، وبما يعني أن ممارسة هذا السلوك وهذه التصرفات أمر تحتمه العقيدة الإسلامية.. كيف تري هذا الطرح؟
أختلف تماما مع هذه الأفكار ولابد أن نفرق بين سلفية الوسائل وسلفية المقاصد، أنا أتبني سلفية المقاصد أي المبادئ والقيم، والمقاصد الشرعية التي هي من أصول ديننا، لا تتبدل ولا تتغير، مثل مبدأ العدل إ»ن الله يأمر بالعدل " .. لا يمكن أن يأتي زمان يقال فيه أن العدل قد تغير أو سنعطل العدل في هذه السنة، إذن ديننا يضع لنا اللافتات الكبيرة، القواعد والمبادئ والقيم.
السلفية عقيدة هي منهج وسلوك، ونبينا عليه الصلاة والسلام كان خلقه القرآن، فنحن لابد أن يكون خلقنا القرآن، ولابد أن نحتمل الآخر، كوني أختلف معه لا يعني أن أقتله، لا يعني أن أشتمه والشتائم والسباب ليست من أخلاق الإسلام، نبينا عليه الصلاة والسلام كان يقول : " ما كان لنبي أن يكون فاحشا ولا بذيئا "، ولا يجوز لنا أن نسب الأصنام وقال ربنا سبحانه وتعالي " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ". أنا أفرق بين الدين والدنيا ، بمعني أن الدين الأصل فيه المنع وليس الأصل فيه الحل الدين هو الشرع، والشرع توقيفي كما قال ربنا سبحانه وتعالي :" ام لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ".
التشريع الديني لله وحده لا شريك له وهو كتاب وسنة ، ونحن نفهمه بفهم السلف الصالح هذا هو المنهج السلفي باختصار وكل السلفيين يقولون هذا الكلام ، لكن السلفيين دخلت عليهم أمور لم تكن من طريقة السلف الصالح.
سيد قطب
بعض السلفيين وهم المشهورون الآن علي الساحة بدأوا ينشرون أنهم الجماعة السلفية، ويتبنون فكرة الحاكمية السياسية عند سيد قطب، بمعني إنهم سلفيون، الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، ولكن يقولون إن الحكم إلا لله بالمفهوم السياسي، الذي نصره وأشهره المرحوم سيد قطب، وهذا ليس من منهج السلف .. إن الحكم إلا لله دينا وشرعا.. إن الحكم إلا لله قدرا وكونا .. يعني أن ربنا هو الذي يقدر المقادير، ويعني لا يتحكم احد في الكون إلا الله سبحانه وتعالي .. إن الحكم إلا لله حسابا وجزاء يوم القيامة، فالحاكمية عندي أما ان تكون ما شرعه الله من دين، أو هي الكون، وهذا يعني ان التصرف في الكون لله وحده ويعني ان الحكم في الكون للقدر، ثم الجزاء والحساب يوم القيامة ليس من بينها السياسة .. السياسة علم دنيوي، إخواننا في السلفية لا يفهمون التفصيل الذي أقول به ولا يؤمنون به، وهذا من بين الأمور التي أختلف فيها معهم أن السياسة للناس أما الدين فلله سبحانه وتعالي.
سبب التخلف!
بعض إخواننا الذين ينتسبون إلي السلفية يتصورون أن السلفية هي سلفية الأشكال والملابس، علي الرغم من أن الملابس والمأكولات من باب العادات والمعاملات والأصل في كل هذا هو الإباحة، أما العبادات فالأصل فيها المنع والتوقيف، فالشاهد كوننا نفهم السلفية علي إنها الجمود هذا مصيبة هذا هو سبب التخلف الذي نحن فيه الآن، وهناك من يعتبر ان لبس الملابس الحديثة والأخذ بالعلوم الحديثة خروج علي السلفية ، كل هذه المظاهر والفهم للسلفية خاطئ تماما .
ولكن ممارسات بعض المنتسبين للتيار السلفي من حرق أضرحة وإقامة حدود، وتهديدات بمهاجمة النساء المتبرجات، ولدت مشاعر قلق عميقة وتخوفات من أن تتحوّل مصر لإيران أو أفغانستان أخري؟
للأسف ما نراه الآن ليس من الفكر السلفي في شيء، فقد لجأ قام بعض الأفراد بوصف أنفسهم بالسلفيين، وكوّنوا جماعات منظّمة استقت علومها كما أشرت سابقا من أفكار سيد قطب المتشددة، ومن الفكر الوهابي المتشدد القادم من السعودية، وحدث امتزاج بين فكرين كلاهما متشدد ليصل إلينا هنا في مصر، عبر كتب وأشرطة وقنوات فضائية مموّلة بهدف تعميم ونشر هذا الفكر، وسعْوَدَة الدعوة السلفية، والغريب أن هذا الفكر هو فكر جديد ظهر منذ سنوات قريبة، وبالتالي فهو أصلاً ليس سلفياً، لأنه مبني علي فكر حديث وليس قديماً، بينما ترادف كلمة "السلف" كلمة "القدامة"، وتعني الجيل الأول من الإسلام، ونحن بدورنا تابعون لهذا الجيل الأول من الإسلام، مما يعني أننا كلنا سلفيون بالتبعية مصداقاً لقوله تعالي:" وَالسَّابِقُونَ الأولونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "، أي أن السلف هم "السَّابِقُونَ الأولونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ" ونحن "الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ"، وليست السلفية هي تلك الجماعات المنظمة التي تسمي نفسها سلفية!
الغرب والإسلام
الإسلام والسلفية وجهان لعملة واحدة، وللأسف البعض منا ينظر للسلفية بذات نظرة الغرب للإسلام، الذي ينسب للإسلام ككل بعض الممارسات العنفية المرفوضة التي يمارسها بعض رموز الجماعات الإرهابية »أسامة بن لادن وغيره« والتي تدعي انتسابا للإسلام، فقد جنح الكثير منا إلي نسبة أي سلوك مرفوض إلي السلفية ككيان، رغم أن هذا السلوك أتاه شخص لا يمثل إلا نفسه ولكنه ينسب نفسه للسلفية، إذن فالمشكلة ليست في السلفية ولكنها فينا نحن، ومن هنا يجب ان نفرق بين النسبة أو الانتساب لأي كيان وبين تصرفات من ينتسب لهذا الكيان.
ولكن أنت ومن يتبنون أفكارا وتفسيرات مخالفة لما يقول به كثير من رموز السلفية متهمون باتهامات كثيرة؟
الكثير من رموز التيار السلفي قالوا إني لا أمثل السلفية، وأرد عليهم بإنني أعتبر نفسي مسلما سلفيا عقلانيا ولست محسوبا علي أحد وقد اتهمت من قبل الكثيرين منهم باتهامات مختلفة، ولكني لن امرر هذه الاتهامات مرور الكرام، سوف ألجأ لمقاضاة من يسيء لي، خصوصا وان الاتهامات تعددت وتنوعت وكان أخرها من وصفني بالأنبا أسامة وغيره .
وعلي أي حال فإنني أكرر ما سبق ان قلته مرارا وتكرارا أن السلفية هي منهج فكري وعقدي وهي ليست جماعة وأردد أنها جماعة أفهام وليست جماعة أبدان ليست كالإخوان المسلمين التي يريد أن ينضم لها لابد أن يدخل فيها ويبايع، بعكس السلفية التي هي منهج وفكر، ومن هنا فإنني أري إنه لا ينبغي لأحد من شيوخ السلفية أن يعطي لنفسه الحق في التحدث باسم المنهج السفلي ككل، كما إنه ليس من حقي كمسلم أن أتحدث باسم المسلمين وأيضا أري أن جماعة الإخوان المسلمين، ليسوا من حقهم أن يتكلموا باسم الإسلام .
ولكنك كنت واحدا ممن إعتنقوا ذات الأفكار التي يقول بها كثير من السلفيين الآن، وخصوصا انتهاج العنف كسبيل لتغيير الأنظمة الحاكمة بالدولة الجاهلية وغيرها من الأفكار؟
نعم مررت بهذه المرحلة في فترة الشباب عندما كنا طلابا في الجامعة ، بعد ان وقع الكثير منا أسري للأفكار التي كان يروجها بعض رموز الحركات الإسلامية في تلك الفترة، بعدما إستغلوا مناخ حرية الحركة في الجامعات بطريقة خطأ وبدأوا يعملون من خلال اتحاد الطلاب مستغلين الميل الفطري للتدين لدي كثير من الشباب، كنا نسمع منهم كلاماً أخاذا عن أن الحكم هو لله، وأن المجتمع مجتمع جاهلي وعن شمولية الدين، هذا ما جري معي بالضبط، والحاصل حينها أن الرئيس السادات في هذه الفترة أتاح الفرصة لتكوين الجماعات الإسلامية في الجامعات واخرج الإخوان من السجون، وكان هذا خطأ عمره، فقد كان هذا التوجه للسادات هو السبب في كل شيء سيحدث لأمثالي بعد ذلك، وكانت كتب سيد قطب في مصر وكتب أبو الأعلي المودودي في شبه القارة الهندية هي سبب البلاء ، كانت كتبا ممنوعة والممنوع مرغوب دائما، وكانت تقول بجاهلية المجتمع وتكفير الأنظمة والشعوب، كنت حينها أفتخر بأني قطبي، وكنت أقرأ كتب سيد قطب كقراءة القرآن الكريم، أكاد أحفظها، ومنها كتاب " معالم في الطريق " كنا كشباب نتعامل معه باعتباره كتابا مقدسا منزلا من عند الله عز وجل، حتي وصلت إلي أنني كفرت أبي وأمي بسبب أفكار هذا الرجل وكانت أمي تقول لي: يا بني، طيب .. أنت تكفر الحاكم لأنه يحكم بغير ما أنزل الله، لماذا تكفرني أنا؟ ما ذنبي؟ أنا أطبخ لكم الأكل وأغسل لكم الثياب، لا دخل لي بهذه الأمور.
كنت أرد عليها قائلا : أنت تشاهدين التلفاز، إذا أنت مؤمنة بالطاغوت، وبالتالي كافرة بالله .
وشاءت الأقدار أن أسافر إلي المملكة العربية السعودية،لأداء العمرة وعشت في حيرة كبيرة بعد إن إستمعت إلي علماء الحرم، والغريب أنه قد اتفق المختلفون علي القطبية بأن العدو الأول هو الأنظمة الحاكمة والغرب، وهذا هو التصور الخاطئ الذي وقعت فيه في بداياتي، حيث رأيت الاختلاف الكبير بين علماء مصر وبين فكر القطبيين والمودودي وأخيراً علماء السعودية الذين رأيتهم مختلفين عن الجميع.
في تلك الفترة التقيت بالشيخ مقبل بن هادي الوادعي، وهو رجل حاصل علي الدكتوراه من المدينة في علم الحديث، تعلمت منه أن الخروج من الحيرة التي أعيش فيها لا يكون إلا بالتعلم، وعلي يديه تعلمت علم الحديث، وبفضل الله أبعدني المولي سبحانه عن جميع الحوادث، مثل حادثة اقتحام الحرم التي قام بها جهيمان وأتباعه، وحادثة قتل السادات في هذه الفترة، وفي عام 1986 عدت إلي مصر ، ومنذ تلك اللحظة وإلي الآن وانا في مصر أعُلم وأتعلم. وبعد عودتي عدت لكلية الطب بعد ثلاثين سنة، وحصلت علي البكالوريوس لأؤكد أن الرجوع للمجتمع هو الحل، وأنا أريد للكل أن يتعلم من هذه التجربة.
دعنا نعد إلي السلفية وبعض المنتسبين لها .. هل هناك علاقة للفكر السلفي بهدم الأضرحة، أو بما وصف بإنه تطبيق للحدود؟
هدم الأضرحة هو سلوك متخلف لا علاقة له بمنهج السلف وليست مهمة الجماعات السلفية هدم الأضرحة أو تطبيق الشرع والحدود الإسلامية بالقوة لأن ذلك مسئولية أولي الأمر فقط وأناشد شباب السلفيين بالفهم الصحيح للإسلام حتي لا تتكون صورة سيئة عن السلف.
مهام أولي الأمر التي أشرت إليها تدفعنا إلي الكلام عن الجدل الدائر الآن في المجتمع حول الدولة الدينية والدولة المدنية؟
بداية انا اتفهم تخوفات الأخوة الأقباط ، وأعذرهم ، وأؤكد أن الإسلام لا يعرف شيئا أسمه الدولة الدينية، دولة الإسلام مدنية تقوم علي القوانين والمؤسسات والمواطنة، وتحمي الجميع دون تمييز ، وأؤكد رفضي الشديد كليا للدولة الدينية كما يريد بعض السلفيين لأنها لا تصلح , وأري أن إيمان الجميع بالدولة المدنية هو المخلص لنا من كل هذه المشكلات الحالية .
شروط الدولة المدنية تتمثل في ألا يحكمها مجموعة من العسكر أو مجموعة من رجال الدين، ويحكمها دستور وقانون يحفظ حقوق الجميع ويحدد السلطات، هي ذاتها الدولة التي يدعو لها الإسلام والتي أقامها الرسول صلي الله عليه وسلم وعاش فيها اليهود كمواطنين لهم كامل الحقوق وعليهم جميع الواجبات.وأبدي موافقتي التامة علي ما قاله الدكتور يحيي الجمل وقد أثار غضب بعض السلفيين، بأنه ليس أشد استبداداً من الدولة البوليسية إلا الدولة الدينية.
ولكن البعض يقول إن الشريعة الإسلامية هي التي فقط يجب أن تحكم البلاد، وتكون هي المنهج السياسي لها ؟
هذا الكلام غير صحيح، فحكم الله فينا 3 أنواع: أولها الحكم لله قدراً وكونا، أي أن الله وحده هو الذي يحدد المقادير والقدر كله ملك لله.والثاني الحكم لله ديناً وشرعا، أي أن الله هو الذي ينزّل الدين ويشرّع الشرائع والأحكام والفروض مثل الصلاة والصوم والحج. أما الثالث فهو الحكم لله حسابا وجزاءً: أي أن الله وحده هو الذي سيحاسبنا ويحكم بين العباد يوم القيامة.
إذن التشريع والحكم الإلهي يكون في الدين فقط، وليس في أمور الدنيا، بينما أمر الله الرسول أن يقول لنا عن الدنيا: "أنتم أعلم بشئون دنياكم"، فليس لدينا سياسة إسلامية نابعة من الإسلام، وليس لدينا زراعة إسلامية نابعة من الإسلام، وليس لدينا تجارة إسلامية، بل كلها علوم وأمور دنيوية، وحتي عندما نتحدث عن الطراز الإسلامي في العمارة والبناء مثلاً، لا نقصد به أنه جاء في الإسلام، بل نقصد أنه اشتهر في عصر معين علي يد مجموعة من العلماء المسلمين، لكنه في النهاية أمر دنيوي وليس علما إلهيا دينيا.
المادة الثانية
من جانب آخر هناك البعض يطالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور, كي تصبح مصر دولة مدنية لا يوجد بها تفرقة بين المسلمين وأبناء الديانات الأخري؟
أنا لست مع إلغاء هذه المادة لزوماً، أو تركها لزوماً, لأن مصر إسلامية بطبعها وغالبية عدد سكانها وعدد المساجد الموجودة بها، ولسنا في حاجة أن نقول إنها إسلامية لنثبت ذلك، ولست مع الذين يقولون لا بد من إثبات هذه المادة وإلا صارت مصر دولة كافرة أو علمانية، ولست أيضا مع الذين يقولون لا بد من إلغائها حتي تكون دولة مدنية.
والمادة الثانية في الدستور تقول إن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع" ليس من باب فرض الشروط علي غير المسلمين، وإنما من باب تعريف هوية الواقع المصري الموجود بالفعل، وهناك فارق بين كلمة مبادئ الموجودة في المادة الثانية، وكلمة "نصوص" لأن كلمة مبادئ تعني الروح العامة، أما كلمة نصوص فتعني الأخذ بالنصوص الشرعية كما هي، وبالتالي لو استبدلنا جملة "مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع" ب"مبادئ الشرائع السماوية المصدر الرئيسي للتشريع" لن يضير في شيء، لأن مبادئ كل الشرائع السماوية تحرّم الكذب والزنا والخطيئة، وتحضّ علي الشرف والأمانة والصدق.
وعندما جاء بعض اليهود للرسول ليحكم بينهم في واقعة زنا حدثت، حكم بينهم من خلال توراتهم، ونزلت الآية الكريمة: "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ"، ولا أري سبباً للتشدد في التمسك بالمادة الثانية من الدستور، لأن مصر عندما فتحها عمرو بن العاص كانت إسلامية، رغم أنه لم تكن هناك وقتها المادة الثانية في الدستور، والرسول يقول في الحديث الشريف: "الأنبياء إخوة لعلات، دينهم واحد وأمهاتهم شتي" ، أي يشبه التقارب بين الشرائع السماوية بأنها كلها أخوة من أب واحد وأمهات مختلفة للدليل علي وجود فوارق بسيطة.
دولة الرسول
ودولة الرسول نفسها كانت دولة مدنية أولاً لأنها كانت في المدينة، ثانياً كانت مدنية في إدارتها، ورغم أنها كانت تمثل الإسلام باعتبار الرسول رمزاً إسلامياً، فإنه كان يمثل الإسلام باعتباره نبيا وليس قائد دولة، وأصبح قائداً لهذه الدولة بناء علي بيعة العقبة الأولي التي بايعه فيها نفر قليل من أهل المدينة، ثم بيعة العقبة الثانية التي بايعه فيها عدد أكبر وصل لبضع وسبعين، وبناء عليه ذهب الرسول للمدينة ليكون قائداً بايعه البعض إيمانا برسالته، والبعض الآخر نفاقاً وكذباً، ووجد هناك مسلمين، وناس ظلوا علي الوثنية، و3 قبائل يهودية هم بنو النضير، وبنو قريظة، وبنو قينقاع.
وحتي يتمكّن الرسول من السيطرة علي كل هذا التنوع أعد ورقة تشبه الدولة الحديثة المدنية والدستور، تؤكد أنهم جميعهم مواطنون وشركاء في هذا الكيان، وأصبح المسلمون المنتمون إلي المدينة مواطنين بها، والمسلمون خارجها ليسوا مواطنين بها، واعتبرت أن فكرة الهجرة هي فكرة المواطنة، فمن هاجر إلي المدينة أصبح منتمياً إليها
وأصبح الرسول يحمي اليهودي الموجود داخل دولته، ولا يحمي المسلم الموجود خارج دولته بناء علي مبدأ المواطنة والدولة، لكن الاثنين المسلمين اللذين هربا من مكة هربا مرة أخري، وأخذا يقطعان الطرق علي قوافل قريش، حتي ضاقت بهما مكة، وقالت للرسول: خذهما عندك، وبالفعل أخذهما بعد أن أثبت أنه عند كلمته واحترامه للمعاهدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.