يقول البعض «كفى مليونيات، نريد الحياة فى مصر أن تعود إلى طبيعتها، فالناس تعانى كل يوم مما نحن فيه». وهذا صحيح، إذ نحن جميعا نتمنى أن تعود الحياة فى مصر إلى سيرها الطبيعى، لكن طبيعتها هذه ليست هى ما كنا نعانيه أيام الرئيس المخلوع وعصابته، وإنما المقصود بالحياة الطبيعية: الأمن والأمان، والعمل والإنتاج، والحياة الديمقراطية السليمة، واستقرار مبادئ الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، فهذا ما يمكن أن نتفق عليه، ومن ثم قبل أن نقول «كفى مليونيات»، يجب علينا أن نتساءل: لماذا تخرج هذه المليونيات؟ وللإجابة عن هذا السؤال، سنحتاج إلى أن نعيد ما سبق أن قلناه، وقاله غيرنا، ولذلك دعنا الآن نتأمل فى ما قاله اللواء ممدوح شاهين، ونحلله ونفكر فيه حتى نفهمه جيدا، فقد قال سيادته فى مداخلة تليفزيونية شهيرة (متداولة على كثير من مواقع الإنترنت)، قال نصا: «ليس كل ما صدر فى دستور 71 ملغى ودستور 71، والإعلان الدستورى. هذا دستور دائم، وهذا دستور مؤقت». من يصدق أن سيادة اللواء شاهين ما زال حتى الآن متمسكا بدستور 71، ويصفه بأنه دستور دائم، فى مقابل إعلانه الدستورى المؤقت؟! إن هذا الأمر لا علاقة له بعلم القانون الدستورى، ولا بالقانون العام، ولكنه على علاقة واضحة بعلم النفس الحديث! فثمة رغبة دفينة للتمسك بأهداب النظام القديم، هذا النظام الذى أسقطنا رأسه بفضل ثورتنا العظيمة، ولكننا ما زلنا فى حرب خفية، ومعلنة مع جسد النظام المتشبث بمقاليد الحكم حتى آخر لحظة! كما كان يقول المخلوع إنه سيبقى فوق رؤوسنا حتى آخر نفس! فقد وعدنا المجلس الأعلى للقوات المسلحة، عندما تسلم السلطة، بعد رحيل المخلوع، أنه سيبقى معنا خلال فترة انتقالية محدودة، ستكون مدتها فى غضون ستة أشهر، فإذا بالزمن يجرى بنا سريعا، ونحن لا نتحرك إلى الأمام، وإنما نتحرك إلى الخلف! إذ يبدو أن المرحلة الانتقالية، تتمدد كل حين وآخر، من حيث لا ندرى! وحتى الآن لا يعرف شعبنا العظيم، إلى متى سيظل يحكمنا المجلس العسكرى؟! ومتى سنختار لنا رئيسا منتخبا انتخابا ديمقراطيا حرا نزيها؟! ولعلنا نتذكر ما كان يقوله البعض من بضعة أشهر، إذ قيل إن انتخاب رئيس الجمهورية قد لا يحدث فى عام 2011، لأن المرحلة الانتقالية ستمتد، ومن ثم سيتم انتخاب الرئيس فى عام 2012، وعندما تردد هذا الكلام بين الناس، أصدر المجلس العسكرى الرسالة رقم (28)، التى يقول نصها: «يؤكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة إنه لا صحة للأنباء التى تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة عن تأجيل انتخابات الرئاسة لعام 2012، كما يؤكد المجلس أن القوات المسلحة تسعى إلى إنهاء مهمتها فى أسرع وقت ممكن، وتسليم الدولة إلى السلطة المدنية التى سيتم انتخابها بواسطة هذا الشعب العظيم. والله الموفق». وها هو هذا العام سينتهى بلا برلمان منتخب، ولا موعد محدد لكتابة دستورنا الجديد، ودون حتى أن نعرف متى سننتخب الرئيس؟!