الضحية كان نائما وتفاجأ بالنيران من حوله.. الجيران: النار والدخان غطا المنطقة كلها وصاحب أحد الأكشاك: كان ماسك في الشباك الحديد بيقولي الحقني هموت والدخان طالع من حواليه عقار قديم يحيطه سور حديدي خلفه شجيرات من الورد، أصوات حديث تنبعث من خلف أبواب مغلقة، سيارات زاهية الألوان مصطفة بطول الشارع، المشهد في الشارع يبدو متماسكا ولامعا، ما من شيء عشوائي أو على غير العادة باستثناء غرفة صغيرة مزدحمة بقطع أثاث ومنقولات متهالكة، شباك حديدي وباب خشبي أغلقا من الخارج، وسرير نائم فوقه شاب، صمت يُخيم على الغرفة الضيقة على نحو غامض قبل أن يكسره صوته المبحوح، ودخان كثيف يخرج من الغرفة التي تحولت لكتلة نار يستنشق الدخان ويشم رائحة الموت. قبل سنوات حضر "رجائي" من الصعيد صحبة زوجته وأولاده قاصدا القاهرة، استقر به الحال في منطقة مصر الجديدة حارسا للعقار رقم (69) بشارع المقريزي المتفرع من الخليفة المأمون. بوتيرة هادئة كانت تسير حياة "رجائي" لا يعكر صفوها شيء ولا جديد يطرأ يغير أحداث يومه، الذي يبدأ مبكرا ما بين شراء طلبات السكان من السوق قبل سنوات حضر "رجائي" من الصعيد صحبة زوجته وأولاده قاصدا القاهرة، استقر به الحال في منطقة مصر الجديدة حارسا للعقار رقم (69) بشارع المقريزي المتفرع من الخليفة المأمون. بوتيرة هادئة كانت تسير حياة "رجائي" لا يعكر صفوها شيء ولا جديد يطرأ يغير أحداث يومه، الذي يبدأ مبكرا ما بين شراء طلبات السكان من السوق أو الجلوس أمام العقار ليباشر أعمال الحراسة، إلا أن الاربعاء الماضي لم يكن كسابقيه، وأبَى أن يمر بسلام، ارتفعت فيه أحزان الرجل الصعيدي حتى بلغت حرارة ارتفاع الجو في يوم انقلبت فيه حياته رأسا على عقب. كانت عقارب الساعة تشير إلي الثانية والنصف ظهرا عندما غادر الرجل غرفته مع أولاده وزوجته، تاركا نجله "عمر"، شابا في أوائل العشرينيات يغط في نوم عميق، بعدما أغلق عليه باب الغرفة من الخارج ليعود بعدها على فاجعة هزت كيانه، إذ اشتعلت النار في غرفته ليلقى مصرعه بعد صراع لم يدم طويلا ما بين جحيم النار والدخان الذي غطى سماء الحي الهادئ. "إحنا كنا نايمين وصحينا على صوت الصراخ، نزلنا نجري لقينا الدخان طالع من أوضة عم رجائي البواب"، بهذه الكلمات بدأت إحدى ساكنات العقار حديثها ل"التحرير"، مؤكدة: "مانعرفش إيه السبب ولا إيه اللي حصل غير إن الولد مات وجت الإسعاف خدته". تضيف الجارة: "من ساعة اللي حصل عم رجائي سافر بلده ومعاه مراته وعياله، هو راجل كويس وكلنا زعلانين على اللي حصل لابنه، دي أول مرة تحصل حاجة زي كده والمنطقة هنا كلها هادية". عن يوم الواقعة يقول "خالد" عامل بالعقار محل الواقعة، ويقيم بغرفة بجوار الغرفة المحترقة، إنه كان يشتري بعض الطلبات من السوق، ولاحظ لدى عودته تجمع الأهالي فبادر بسؤالهم عن السبب "قالوا فيه حريق تحت.. عمر كان نايم لوحده في الأوضة وأبوه واخواته ووالدته كانوا برا خرجوا وسابوه". يضيف: "ماحدش كان عارف إيه اللي هيحصل، عمر نصيبه وقدره كده، ربنا يرحمه"، واصفا المشهد: "النار كلت كل حاجة حتى الباب كانت شديدة، المطافي فضلت تطفي فيها حوالي ساعة". مختتما حديثه بالإشارة إلى أنه ظن للوهلة الأولى بوفاة "محمد" شقيق المتوفى: "لما شوفته واقف جنب أبوه عرفت إن اللي مات عمر، كان ولد غلبان وأبوه على قد حاله". "أنا أول واحد شوفت الحريق، كان الجو حر ومافيش حد ماشي في الشارع، وكنت راجع من الجامع وسبت عم رجائي هناك، وفجأة لقيت ولد واقف وماسك في الشباك الحديد بيقولي الحقني هاموت والدخان طالع من حواليه"، يتذكر صاحب كشك مواجه للعقار اللحظات الأولى للحريق، لافتا إلى أنه "جريت على الجامع قلت لعم رجائي إلحق فيه واحد بيموت تعالى بسرعة". لم يتكرر مشهد الاستغاثة ثانية، إذ لم يلاحظ صاحب الكشك وقوف الشاب عبر النافذة أو سماع صوت استغاثته، مضيفا: "سيبت رجائي بيفتح في الباب وروحت على المحل بتاعي لأني كنت سايب فيه ولد صغير واقف لوحده". واستطرد: "ماحدش عرف يدخل جوا من كتر الدخان اللي كان مالي المكان كله، وسكان العمارة نزلوا تحت من كتر الخوف، بعدها بشوية سمعت صوت صراخ جامد، عرفت إن الولد مات، ولما روحت تاني عند العمارة لقيت فيه حكومة وبعدها جت المطافي وعم رجائي بيصرخ وبيقول لمراته عمر مات". وعن المتوفى يقول صاحب الكشك -الذي تحفظ على نشر اسمه- إنه كان ابن ال21 سنة، مشيرا إلى أنه في بادئ الأمر لم يعلم بأنه نجل "عم رجائي"، مختتما حديثه بالإشارة إلى أن الأب اصطحب أسرته إلى مسقط رأسه لإتمام مراسم الدفن وتلقى واجب العزاء، بقوله: "ماحدش منهم موجود من ساعة اللي حصل".