تفاعل سيد دوريش مع ثورة الشعب المصري ضد الإنجليز عام 1919، وكان جزءًا منها، بل من قادتها بصوته وحماسه، واستخدم صوته وألحانه الخالدة في الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي. سيد درويش لم يكن فقط باعثًا لنهضة موسيقية عربية، وأحد أهم الموسيقيين العرب على مدى التاريخ، ولكنه كان "فنان الشعب" بالفعل، نقل الموسيقى التي كانت مقصورة على فئة خاصة لعموم الشعب، كان يُخفي تحت عمامته ثورة غاضبة قلبت كل الموازين في الأسلوب التقليدي للغناء في عصره، لم يكتف بذلك فجعل من هذه الثورة ثورة أكبر وأهم، حيث استخدم صوته وألحانه الخالدة في الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي، وشارك في حث الجماهير على الثورة ضد الإنجليز عام 1919، والتي تحل علينا هذا الشهر ذكرى مئويتها، وللمفارقة أنه يوافق أيضًا ذكرى ميلاده في 17 مارس 1892. سيد درويش، المولود في الإسكندرية، أحب الموسيقى منذ صغره، وكان يردد مع أصدقائه ألحان الشيخ سلامة حجازي، والشيخ حسن الأزهري، رائدي المسرح الغنائي في مصر، وما إن نما بُنيانه، إلا وبدأ يجرب حظه في الغناء والإنشاد في المقاهي، وعمل مع إحدى الفرق الموسيقية لكنه لم يستمر، ولعبت الصدفة دورها حينما سمعه الأخوان سيد درويش، المولود في الإسكندرية، أحب الموسيقى منذ صغره، وكان يردد مع أصدقائه ألحان الشيخ سلامة حجازي، والشيخ حسن الأزهري، رائدي المسرح الغنائي في مصر، وما إن نما بُنيانه، إلا وبدأ يجرب حظه في الغناء والإنشاد في المقاهي، وعمل مع إحدى الفرق الموسيقية لكنه لم يستمر، ولعبت الصدفة دورها حينما سمعه الأخوان أمين وسليم عطا الله، فقررا أن يصحباه برفقتهما في رحلتهما الفنية إلى الشام عام 1908، وهناك أتقن فن العزف على العود، وتعلم كيفية كتابة النوتة الموسيقية، وبدأت موهبته في الظهور. مع عودته للإسكندرية عام 1914، بدأت أغانيه وألحانه في الانتشار عام 1914، وفي عام 1917 قرر نزول القاهرة، حيث لمع نجمه أكثر وزادت شهرته بعد أن قام بتلحين كل روايات الفرق المسرحية في شارع عماد الدين، أمثال فرقة "نجيب الريحاني، جورج أبيض، علي الكسار"، وترافق ذلك مع مناخ ثورة 1919 سواءً من الناحية الفكرية أو من الناحية السياسية، فاتخذ من الفن طريقًا للمقاومة، حيث يُعد سيد درويش من أوائل الفنانين الذين ربطوا الفن بالسياسة والحياة الاجتماعية. بداياته كانت مع إجبار أبناء الشعب المصري على التجنيد في العسكرية الإنجليزية للمشاركة في الحرب العالمية الأولى، فلّحن قصيدة "يا عزيز عيني" من كلمات محمد يونس القاضي: "يا عزيز عيني، وأنا بدي أروح بلدي، بلدي يا بلدي، والسلطة خدت ولدي"، وحملت الأغنية إسقاطًا على القائد العسكري عزيز المصري الذي عُرف بمعاداته للقوات الإنجليزية. وحينما تم نفي سعد زغلول، عقب مناداته ضمن وفد مصري في محفل دولي، بحق مصر في الاستقلال، لحّن سيد درويش كلمات رفيقه بديع خيري التي تحمل إسقاطًا على الزعيم المنفي الذي صدر قرار من الاحتلال بجلد وسجن كل من يذكر اسمه، وشدت نعيمة المصرية بطقطوقة "يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح.. يا بلح زغلول يا زرع بلدي.. عليك يا وعدي يا بخت سعدي.. عليك أنادي في كل وادي.. الله أكبر عليك يا سكر.. يا روح بلادك ليه طال بعادك.. تعا صون بلادك"، وحققت شهرة واسعة. وضمن أحداث ثورة 1919، تعطلت حركة القطارات، الأمر الذي أدى إلى استخدام المراكب الشراعية كوسيلة للمواصلات بدلًا من "الوابور، فلّحن ضمن مسرحية "قولوله" من كلمات بديع: "البحر بيضحك والله، للخفة وهي نازلة، تدلع تملا القلل، الوابور واجف حاله، والمراكبي زاد ماله، مابجاش غيرنا يابو عِمة، الجنيهات نازلة علينا، بهوات بيبوسوا إيدينا، نيجي نطردهم يتملوا". ولما عاد الزعيم سعد زغلول، وأُقيم حفل لاستقباله في مارس 1921، كان سيد درويش حاضرًا بأغنية من ألحانه وغنائه وكلمات رفيقه "مصرنا وطننا سعدها أملنا.. كلنا جميعًا للوطن ضحية.. أجمعت قلوبنا هلالنا وصليبنا.. أن تعيش مصر عيشة هنية.. يا مصر بعدك.. مالناش سعادة.. لولا اعتقادنا بوجود إلهنا.. كنا عبدنا النيل عبادة". وحينما ضجّت خطابات مصطفى كامل بالاحتجاج على ممارسات الاحتلال البريطاني، اقتبس سيد درويش بعض عباراته وصاغ من كلمات محمد يونس القاضي، قطعة فنية وطنية ترددها الأجيال المتعاقبة، وهي نشيد "بلادي بلادي" الذي اعتمد كنشيد وطني رسمي للبلاد عام 1979. وعن استغلال المحتل للعمالة المصرية مقابل أجور زهيدة، لحن سيد درويش "الكترة" من شعر بديع خيري: "عايشين في وادي النيل نشرب من عدادات على مللي وسنتي، من جاز لملح ومن سكر وترموايات لخواجة تريانتي.. امتى بقى نشوف قرش المصري يفضل في بلده ولا يطلعشي، انتوا بمالكم وإحنا بإيدنا دي الإيد لوحدها ما تسقفشي". وأنشد في جماعة من المتظاهرين ضد الاحتلال محمسًا إياهم، نشيد "دقت طبول الحرب يا خيالة.. وآدي الساعة دي ساعة الرجالة.. انظروا لأهلكم نظرة وداع.. نظرة مافيش بعدها إلا الدفاع". كما تطرق لغلاء المعيشة والسوق السوداء، وقال: "استعجبوا يا أفندية ليتر الجاز بروبية.. ما بقاله اليوم شنّه ورنه واللي بيبعه ليه كلمة.. ياما ناموا كتير ناس في الضلمة.. وصبح أغلى من الكولونيا". وقام بتلحين أغنيته الوطنية الشهيرة "قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك.. خد بنصري نصري دين واجب عليك"، من كلمات بديع خيري للحث على المشاركة في المظاهرات. وفي أثناء الثورة أيضًا، وحينما عطّل المستعمر حركة التلغرافات وجعل المرور بين المحافظات عن طريق جوازات سفر عسكرية، لحّن من كلمات بديع خيري: "ماقطعوا لنا التليفونات، وعطّلوا التلغرافات، عمركش سمعت الدلنجات، بيسافروا ليها ببزابورتات". وأيضًا لحّن وغنى في عام 1921 "أنا المصري كريم العنصرين.. بنيت المجد بين الأهرمين" من كلمات بيرم التونسي ضمن أوبريت "شهر زاد"، واستطاع أن يقدم ألحانًا تعالج هموم المجتمع وقتها، ومنها مشكلات الطبقة العاملة، وطبقة الحرفيين والبسطاء، ونجح في إلهاب المشاعر الوطنية. وبعدما تم إقرار دستور 1923، وإبان الانتخابات البرلمانية، دعا سيد درويش السيدة المصرية للمشاركة في الانتخابات، ولحّن "ده وقتك، ده يومك، يا بنت اليوم، قومي اصحي من نومك بزياداكي النوم، وطالبي بحقوقك واخلصي من اللوم"، كلمات أمين صدقي وغناء رتيبة أحمد ضمن رواية "الانتخابات" ل"فرقة علي الكسار". تفاعل سيد دوريش مع ثورة الشعب المصري ضد الإنجليز عام 1919، وكان جزءًا منها، بل من قادتها بصوته وحماسه، فثورة 1919 كان لها زعيمان، سعد زغلول، وسيد درويش، وليس هناك تعبير عن ذلك أصدق مما قاله الموسيقار محمد عبد الوهاب في كتابه "رحلتي": "يخطئ من يتصور أن سيد درويش أغنية ولحن، إن سيد درويش فكر، تطور، ثورة".