في أواخر حياتها، اضطرت ليلى مراد لبيع بنايتها في جاردن سيتي لتعيش في حجرة داخل بيتها في شارع قصر العيني، وماتت فقيرة بعد أن أُجبرت على الاعتزال. ليلى مراد، قيثارة الغناء العربي، "بنت الأكابر" التي جعلت نجيب الريحاني "عينه بترف وراسه بتلف وعقله فاضله دقيقة ويخف"، وأصبح من أجلها محمد فوزي "شحات غرام مادد إيديه وكسر خاطره حرام"، لم تكن مجرد نجمة لمعت على الشاشة الفضية، أو مطربة من طراز فريد أسهمت بعذوبة صوتها في حركة تطوير الأغنية المصرية، بل كانت وستظل حالة استثنائية في تاريخ الفن المصري، وأحد الرواد الأوائل في السينما والغناء، رغم معاناتها من طفولة فقيرة وتعرضها وأسرتها للطرد من المنزل لنفاد أموالهم، ورغم تقلبات الحياة التي جعلت نهايتها من حيث بدأت، بالفقر والعوز. النشأة هي ليليان زكي مراد موردخاي، المولودة في 17 فبراير 1918 بحي محرم بك في الإسكندرية، تنتمي لأسرة يهودية مغربية الأصل، وهي شقيقة الفنان منير مراد، ولجأت للدراسة بالقسم المجاني برهبانية "نوتردام ديزابوتر" بعد سفر والدها للخارج ليبحث عن عمل وانقطاع أخباره لسنوات، وتخرجت فيها، وتعلمت الفن على يد كبار النشأة هي ليليان زكي مراد موردخاي، المولودة في 17 فبراير 1918 بحي محرم بك في الإسكندرية، تنتمي لأسرة يهودية مغربية الأصل، وهي شقيقة الفنان منير مراد، ولجأت للدراسة بالقسم المجاني برهبانية "نوتردام ديزابوتر" بعد سفر والدها للخارج ليبحث عن عمل وانقطاع أخباره لسنوات، وتخرجت فيها، وتعلمت الفن على يد كبار المقرئين، حيث كان والدها يصحبها للصوانات لكي تسمع الشيخ علي محمود، والشيخ محمد رفعت، وغيرهما من المشايخ الكبار في المآتم والأفراح. بداية المشوار بدأت مشوارها الفني في عمر 14 عامًا من بوابة الحفلات الخاصة والعامة، بعد أن تعلمت على يد والدها والملحن داوود حسني، وفي عام 1932 التقت الفنان محمد عبد الوهاب في حفل غنائي أقامه لها والدها على مسرح القاهرة، وكان بمثابة انطلاقة حقيقية لمشوارها الفني، واتفق موسيقار الأجيال مع والدها أن تكون مشروعه الفني، وتقدمت للإذاعة المصرية عام 1934 ونجحت في الاختبارات، وفي أول حفلة غنائية لها في الإذاعة غنت موشحًا بعنوان "يا غزالًا زان عينه الكحل". الحب الأول في عام 1937، وقع الموسيقار عبد الوهاب معها عقدًا ب10 أسطوانات، وآخر لتلعب دور البطولة في فيلم "يحيا الحب"، وقبل انتهاء تصوير الفيلم ذهبت ليلى إلى عبد الوهاب، وصرحت له بحبها وغيرتها عليه، فما كان من موسيقار الأجيال إلا أن صدها قائلًا: "دي قلة أدب"، موضحًا لها أنها خلطت بين مشاعر إعجابه بصوتها وبين الحب، فكانت صدمة ليلى العاطفية الأولى، وفقًا للكاتبة حنان مفيد فوزي بكتابها "سيدة قطار الغناء"، كما ذكرت ليلى في شريط مسجل معها، قبل وفاتها بأشهر، أنها أحبت "عبد الوهاب" طوال حياتها، وأنها ستظل تحبه حتى آخر يوم من عمرها، وهي مدينة له بالكثير، حيث إن ثلاثة أرباع أغانيها من تلحينه. السينما والغناء عقب ذلك، طلب منها القدير يوسف وهبي، المشاركة في فيلم "ليلة ممطرة" (1939)، وانطلقت في رحلتها السينمائية، حيث يبلغ رصيدها الفني 27 فيلمًا، منها: "قلبي دليلي، حبيب الروح، عنبر، غزل البنات، شاطئ الغرام، ورد الغرام، آدم وحواء"، فيما قدّمت ما يقرب من 1200 أغنية، ومنها: "يا شاغلني وأنا شغلاك، شحات الغرام، من بعيد يا حبيبي بسلم، بتبص لي كده ليه"، ولّحن لها عمالقة الموسيقيين العرب، كرياض السنباطي، ومحمد القصبجي، وزكريا أحمد، وعبد الحليم نويرة. أنور وجدي ليلى مراد تزوجت 3 مرات، الأولى من الفنان أنور وجدي، وتعارفا من خلال تصوير فيلم "ليلى بنت الفقراء"، وكان منتجًا للعمل، وبعد مرض المخرج كمال سليم نصحته بأن يؤدي المهام مكانه، وفي أحد أيام التصوير فاجأها بأمر الزواج قائلًا: "يا سلام يا ليلى لو اتجوزتك وعشت معاكي على طول"، وبالفعل كان المشهد الختامي للفيلم هو حفل الزفاف الحقيقي ل"ليلى وأنور" أكتوبر 1945، فبعد الانتهاء من تصوير المشهد الذي ارتدت فيه ليلى فستان الزفاف، أعلنا أنهما عقدا قرانهما قبل يومين في محكمة مصر الابتدائية الشرعية، رغم اختلاق ديانتهما. اعتناق الإسلام وفي الأيام الأولى للزواج، كانت ليلى تنزعج من أصوات أذان الفجر، وعليه طلبت من أنور أن يستأجر شقة جديدة بدلًا من منزلهما بعمارة "الإيموبيليا" بوسط القاهرة، وفي أحد الأيام استيقظت على صوت الأذان وطلبت من أنور أن تُشهر إسلامها لاستمتاعها بجمال صوت المؤذن، وأسوة بأختها "سميحة"، وفي 27 رمضان عام 1946، توجهت إلى مشيخة الأزهر وأعلنت إسلامها، وقبل إسلامها كانت تتعرض لمحاولات تبشيرية مسيحية من قبل راهبات نوتردام، ورفضت العرض الذي قدمه لها، شمعون بيريز، لكي تصبح سفيرة فوق العادة لإسرائيل. وكانت إحدى المُترددات على الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكانت مواظبة على سماع دروسه، وتمنت أن تُنتج فيلمًا بعنوان "ليلى المسلمة" على غرار سلسلة "ليلى بنت الشاطئ، ليلى بنت الأغنياء، وليلى بنت الريف". الطلاق وأثناء الزواج، أسس أنور وجدي شركة إنتاج "الأفلام المتحدة" وأصبح محتكرًا لزوجته، لدرجة أنه لم يكن يقبل أن تشارك في عمل لصالح شركة أخرى، كما كان يرفض إعطاءها أجرًا عن الأفلام التي تؤدي بطولتها من إنتاجه، مكتفيًا بدفع الضرائب المستحقة عنها، وأعربت عن رفضها لذلك فضربها في إحدى المرات، وأطلق وجدي عليها شائعة تبرعها بمبلغ 50 ألف جنيه لإسرائيل حتى يُفسد فيلمها "سيدة القطار" (1952)، ما ترتب عليه وضع الحكومة السورية اسمها على القوائم السوداء، وحظر فيلمها في الأردن، ثم شمل المنع كل أفلامها، وبعد تكرار الطلاق ثلاث مرات خلال 8 سنوات، شهد عام 1953 انفصالهما، بعد أن اكتشفت خيانته لها، عقب عرض فيلم "بنت الأكابر". وتقول ليلى مراد عن أنور وجدي في اعترافاتها للكاتب محمد ثروت، وفقًا لما نشره فيما بعد: "كان إنسانًا عصبيًا جدًا، لكنه كان طيبًا لدرجة غير عادية، وكان هذا سبب ما تحملته منه خلال فترة زواجنا، لأنه كان يثور جدًا وبعد قليل ينسى كل شيء وكأنه لم يكن، لكن كانت تحدث بعض الأشياء التي لم أستطع تحملها، وهو كفنان رجل عبقري وبعيد النظر"، بينما ليس هناك أبلغ من حبه له إلا قوله لجمال الليثي بعد زواجه من ليلى فوزي: "تزوجتها لأن اسمها ليلى". الزيجة الثانية والثالثة الزيجة الثانية كانت من الطيار وجيه أباظة، شقيق الفنان رشدي أباظة، وأنجبت منه ابنها "أشرف"، والأخيرة كانت من المخرج فطين عبد الوهاب، وأنجبت منه "زكي"، وكانت ترفض أن يدخل ابناها المجال الفني، حتى إن زكي فطين عبد الوهاب، كان يدرس في معهد السينما دون علم والدته، واستمر ذلك عامًا دراسيًا كاملًا، وحينما أُعلنت النتيجة وعلمت أنه أول الدفعة صُدمت، وبعد ذلك دخل ابنها مجال الفن، وحينما تزوج من الفنانة سعاد حسني عام 1981، وحدث طلاقهما خلال 4 أشهر فقط، اتهم البعض "ليلى" بالتسبب فيما حدث. الثورة والاعتزال بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، غنّت ليلى مراد للرئيس الأسبق محمد نجيب، أغنية "بالاتحاد والنظام والعمل"، وهي على سيارة مكشوفة تجوب ميدان التحرير، وأعلنت اعتزالها الفن عام 1955، وهو ما أرجعه أغلب النقاد إلى رغبتها في الاختفاء عن أعين الجمهور بعد أن نال التقدم في السن من جمالها، فيما ذكر الناقد أشرف غريب، في كتابه "وثائق ليلى مراد"، أنها أُجبرت على اعتزال الفن بضغط من السلطات المصرية لتدفع ثمن ولائها لنجيب. وعندما قررت ليلى اعتزال السينما بعد فيلم "الحبيب المجهول" مع حسين صدقي، قررت الاستمرار في الغناء، فقدّمت للإذاعة أغنيات عاطفية ودينية ووطنية، ولكن أزمة أغنية "ليه خليتني أحبك" جعتلها تختفي تمامًا، حيث رفضت لجنة الاستماع جملة في الأغنية وطلبت تغييرها وهي جملة "آه منك آه يانا، روح منك لله"، واستُبدلت بجملة "بادعيلك بأمانة، روح منك لله"، فاعتبرت ذلك إهانة لها ولتاريخها الفني ورفضت التسجيل. الرحيل في أواخر حياتها، اضطرت لبيع بنايتها في جاردن سيتي لتعيش في حجرة داخل بيتها في شارع قصر العيني، وماتت فقيرة بعد أن فقدت شبابها وجمالها وشهرتها، وبعد أن أُشيع أنها ستعود إلى ديانتها اليهودية وتسافر لإسرائيل، وعانت من أنيميا حادة حتى وافتها المنية في 21 نوفمبر العام 1995، عن عمر ناهز 77 عامًا، وتم دفنها بجوار ضريح السيدة نفيسة بناء على وصيتها.