«التحرير» حاورت أربعة مفكرين عرب، لوضع رؤى وتصورات لكيفية مواجهة الإرهاب بالفكر، كما عرضت تجارب دول عربية انتصرت في معركتها ضد التطرف، موثقة ذلك بالبيانات والإحصائيات. الإرهاب ثقافة! حقيقة صادمة، ربما يتغافلها البعض أو يتناسها البعض الآخر، لكن أرض الوقع أثبتتها، فالإرهابي يمتلك ثقافة ركيزتها العنف والسلاح، إلا أنها تبقى «فكرة ثقافية» نبتت من عقل مارس الثقافة بشكل انحرافي، فكانت النتيجة «إرهابي مثقف»! الثقافة الإرهابية التى يكون دويها الرصاص ورائحتها الدم، عانت منها أغلب الدول العربية، فصارت أرضها الطاهرة مخضبة بدماء أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم واجهوا هؤلاء الأفراد، فضلًا عن أنها أصبحت في موضع اتهام أمام العالم بالإرهاب، رغم أنها ضحية متطرفين أقحموا ثقافة دخيلة على الفكر والعقل العربي. كانت تلك الأفكار المتشددة وليدة صراعات وأحداث دموية استغلها أصحاب الفكر الظلامي في تنفيذ مخططهم الشيطاني، وازداد دور هذه الجماعات، حينما تهيأت منطقة الشرق الأوسط لأن تكون ساحة للإرهاب تزامنًا مع غزو العراق فجر 20 مارس 2003، فعلى الرغم من الأزمات التي تعرضت لها المنطقة، لكن تلك اللحظة تحديدًا تسببت في كانت تلك الأفكار المتشددة وليدة صراعات وأحداث دموية استغلها أصحاب الفكر الظلامي في تنفيذ مخططهم الشيطاني، وازداد دور هذه الجماعات، حينما تهيأت منطقة الشرق الأوسط لأن تكون ساحة للإرهاب تزامنًا مع غزو العراق فجر 20 مارس 2003، فعلى الرغم من الأزمات التي تعرضت لها المنطقة، لكن تلك اللحظة تحديدًا تسببت في إفراز مسميات لجماعات إرهابية جديدة. فما حدث من تهميش واستبعاد ومحاربة واضطهاد للسنة بالعراق من قبل قوات الغزو الأمريكي، أفرز جماعات تكفيرية تمكنت من كسب قاعدة كبيرة مستغلة العنف، الذي مورس ضد السنة في ترويج أفكارها المتشددة. وهو ما يعني أن الأفكار كانت الوسيلة والأداة التي استخدمت لكسب قواعد تحمل منهجًا يدعو لاستخدام السلاح، حيث أسهم ذلك في تنفيذ عمليات موسعة ضد الأمريكان والشيعة للرد على ما حدث من تجاوز تجاه الأغلبية السنية. ظهرت بعد ذلك جماعة سميت ب«التوحيد والجهاد» قادها الزرقاوي، التي اندمجت مع تنظيم سري لبقايا نظام صدام حسين، والذي كان بوتقة ما أطلق عليه «الجهاد المسلح والقومية العراقية السنية»، ونتج عن ذلك تنفيذ عمليات منها مقتل موفد الأمين العام للأمم المتحدة سيرجيو فييرا دي ميلو و20 من الموظفين، ومقتل آية الله محمد باقر الحكيم، الزعيم الشيعي البارز، و80 من أنصاره. وانتقل ذلك المشهد الدموي من العراق إلى سوريا مع حلول ربيع 2011، عندما اندلعت تظاهرات مطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد، واستغل البغدادي تلك الأحداث مرسلًا رجاله إلى سوريا لتنفيذ عمليات إرهابية من جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. انتشرت العناصر المتطرفة بسرعة البرق من دولة عربية إلى أخرى، مستخدمة أفكارها المسمومة لتجنيد آلاف الشباب العربي بدعوى تطبيق الشريعة الإسلامية وشعارات من هذا القبيل، فدخلت المنطقة العربية في دوامة العنف والتشدد الذي بثته تنظيمات ممولة بهدف السيطرة على مفاصلها. لكن تبقى هناك تجارب عربية رائدة في مواجهة الإرهاب، مثل النموذج المغربي، الذي حافظ على تماسك الدولة رغم تفجيرات الدار البيضاء التي وقعت في مايو 2003، متخذة إجراءات وتدابير كان من شأنها عودة الاستقرار مرة أخرى للدولة، فكانت النتيجة أن المغرب لم يتأثر بالسنوات العصيبة التي شهدتها المنطقة العربية في الفترة بين 2011 حتى 2014. ففي تلك الفترة الإرهاب لم يباغت المغرب سوى مرة وأحدة، كما أنه وفقًا للتصنيف الذي أصدرته الخارجية البريطانية 2015 فإن المغرب في مصاف الدول الأكثر أمنا في العالم. وسبق لمصر أن كان لها تجربة رائدة وفريدة أواخر التسعينيات في مواجهة الإرهاب، والتي توجت بمبادرة الجماعة الإسلامية لوقف العنف، والتي دعمتها الدولة، وكانت راعية للمقابلات التي حدثت بين قادة الجماعة وما يقرب من 20 ألف سجين لتغيير الفكر المنحرف، وما تبعه من إصدار كتب لتصحيح هذه الأفكار. كما كان للجزائر تجربة أخرى مع الإرهاب في تسعينيات القرن الماضي، والتي نتج عنها ما يقرب من 200 ألف قتيل وخسائر اقتصادية قدرت بعشرات المليارات من الدولارات، وخاصت الدولة مواجهات على أكثر من صعيد، لأنها كانت على يقين بأن الحل الأمني وحده لا يكفي، فوضعت استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب. وفي مايو 2017، اتخذت السعودية إجراءات وقائية لمواجهة التطرف، بإعلان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، افتتاح المركز العالمي لمكافحة التطرف في العاصمة الرياض، الذي يعد ضمن مهامه محاربة التطرف فكريا وإعلاميا ورقميا، وتعزيز التعايش والتسامح بين الشعوب، وترسيخ المبادئ الإسلامية المعتدلة في العالم، بالإضافة إلى رصد وتحليل نشاطات الفكر المتطرف، والوقاية والتوعية والشراكة ومواجهة الفكر المتطرف. الإرهاب إذن بحاجة لمواجهة ثقافية يرتكز أساسها على العقل والتسامح، وهو ما جعلنا نتساءل عن العوائق التي تقف أمام إطلاق مشروع ثقافي يحتضن التنويريين العرب، ولماذا لا تتبنى جامعة الدول العربية قضية توحيد المفكرين العرب أمام قضية الإرهاب لوضع روشتة للقضاء الفكر المتطرف وعدم امتداده؟ ولماذا تتخذ المبادرات العربية طابعًا فرديًا رغم أن القضية واحدة؟ كل تلك التساؤلات دفعتنا لإجراء سلسلة حوارية مع مفكرين يمثلون دول عربية مختلفة، بهدف استخلاص أفكار تسهم في مواجهة الفكر الظلامي، وكان أساس اختيارنا قائما على التواصل مع من لديهم تجارب أثرت في شخصيتهم، جراء مشاهد العنف والدمار التي عايشوها، ومن ذاق ويلات الغلو الفكري المتشدد، كما اخترنا من يمثل إحدى الدول العربية، التي وضعت تدابير لعدم وقوع دولتها فريسة للإرهاب. فعلى الرغم من تباعد المسافات بينهم، كانت قضية مواجهة الإرهاب بالسلاح الثقافي والفكري فكرة حاضرة لديهم، لا سيما أن منهم من ترك وطنه بسبب ما مورس فيه من إرهاب، أو كان شاهدًا على لحظة ميلاد الجماعات المتطرفة وانتشارها في بلدته، أو أبصرت عيناه صراعات تحكم قوانينها لغة السلاح. «التحرير» حاورت أربعة مفكرين عرب، من دول: مصر، الأردن، لبنان، والإمارات، وذلك لوضع رؤى وتصورات حول كيفية مواجهة الإرهاب بالفكر، استغرقت السلسلة الحوارية ثلاثة أشهر من البحث والتدقيق، لمعرفة ما تشهده الحركة الثقافية في كل دولة، وكيفية تعاطي كل منها مع قضية الإرهاب، ووضع بيانات وإحصائيات عن ضحايا الإرهاب في العالم، إضافة إلى تسليط الضوء على المبادرات الثقافية، التي دشنتها كل دولة لمواجهة الفكر المتطرف، وتجارب بعض الدول الناجحة في محاربة الفكر المتشدد. كان الهدف الرئيسي من التواصل مع المفكرين العرب معرفة ردود واضحة عما ينبغي للأنظمة العربية فعله من أجل تهيئة المناخ أمام المثقفين لخوض تلك المعركة، وتصحيح الأفكار المسمومة التي يروجها المتطرفون في المنطقة العربية، فكان لديهم بعض المقترحات، منها أن تكون فكرة تصويب الخطاب الديني عابرة للحدود، ولا تقتصر على دولة دون أخرى، إصلاح جذري للمناهج الدراسية، ودعوة رجال الفكر والثقافة للتشاور حول كيفية مواجهة الأفكار المتطرفة. «أفكار ضد الرصاص»| «حوامدة»: التنويريون مضطهدون «أفكار ضد الرصاص»| عبد المجيد: التعليم «مربط الفرس» «أفكار ضد الرصاص»| زيادة: «إصلاح المناهج هو الحل» «أفكار ضد الرصاص»| الحمادي: «نواجه التطرف بالتنوير»