كاتبة، ناقدة وباحثة سينمائية . شاركت في تأسيس صحيفة الأسبوع المصرية وكتبت في مجالات عدة بها وشغلت منصب رئيس قسم الفن ونائب رئيس التحرير. لا خيار إلا السينما، هذا ما تبادر إلى ذهني حين شاهدت الفيلم السوري "عزف منفرد" في عرضه العالمي الأول في المسابقة الرسمية بالدورة ال23 لمهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف، فقد اختار المخرج عبد اللطيف عبد الحميد في فيلمه، بطولة فادي صبيح، جرجس جبارة، أمل عرفة، رنا شميس، كرم الشعراني وغيرهم، أن يقدم شهادة إنسانية متحررة من الهوس المباشر بفكرة الحرب وجنونها، أن يجعل من الصورة مرآة للمجتمع وتحولاته، وللفرد وآلامه، مزيج من الشجن والعذوبة في الفيلم الفائز مؤخرًا بجائزة الجمهور في الرباط مناصفة مع الفيلم المغربي "نديرة" للمخرج كمال كمال، حيث تماهى الجمهور الرباطي مع "عزف منفرد" خلال عرضه في مهرجانهم الذي يعني بسينما المؤلف حسب تعريفاتها المتعددة وما تحمله من رؤى ونسق تخيلي للمؤلف والمخرج يعبر عن شخصيته الفنية والإبداعية لا خيار إلا السينما، هذا ما تبادر إلى ذهني حين شاهدت الفيلم السوري "عزف منفرد" في عرضه العالمي الأول في المسابقة الرسمية بالدورة ال23 لمهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف، فقد اختار المخرج عبد اللطيف عبد الحميد في فيلمه، بطولة فادي صبيح، جرجس جبارة، أمل عرفة، رنا شميس، كرم الشعراني وغيرهم، أن يقدم شهادة إنسانية متحررة من الهوس المباشر بفكرة الحرب وجنونها، أن يجعل من الصورة مرآة للمجتمع وتحولاته، وللفرد وآلامه، مزيج من الشجن والعذوبة في الفيلم الفائز مؤخرًا بجائزة الجمهور في الرباط مناصفة مع الفيلم المغربي "نديرة" للمخرج كمال كمال، حيث تماهى الجمهور الرباطي مع "عزف منفرد" خلال عرضه في مهرجانهم الذي يعني بسينما المؤلف حسب تعريفاتها المتعددة وما تحمله من رؤى ونسق تخيلي للمؤلف والمخرج يعبر عن شخصيته الفنية والإبداعية وعند هذه النقطة فإن عبد اللطيف عبد الحميد كمخرج وكاتب للسيناريو، تشكل الكتابة لديه كما الصورة هاجسا إبداعيا، صاحب "ليالي ابن آوى، رسائل شفهية، صعود المطر، نسيم الروح، قمران وزيتونة، ما يطلبه المستمعون، خارج التغطية، أيام الضجر، العاشق، أنا وأنت وأبي وأمي، مطر أيلول، طريق النحل"، يتجلى في فيلمه هذا أسلوبه وعند هذه النقطة فإن عبد اللطيف عبد الحميد كمخرج وكاتب للسيناريو، تشكل الكتابة لديه كما الصورة هاجسا إبداعيا، صاحب "ليالي ابن آوى، رسائل شفهية، صعود المطر، نسيم الروح، قمران وزيتونة، ما يطلبه المستمعون، خارج التغطية، أيام الضجر، العاشق، أنا وأنت وأبي وأمي، مطر أيلول، طريق النحل"، يتجلى في فيلمه هذا أسلوبه الفني والجمالي المرهف النابع من ذاته ووجدانه، وفيه يجذب الجمهور ليرى معه المجتمع السوري من زاوية أخرى ترصد التغيرات التي حدثت للإنسان بعد الحرب، فالإنسان هنا هو موضوع الفيلم وحكايته الحاضنة لتفاصيل كثيرة تُربي الأمل وتخرج من وحشية الحرب ب"عزف منفرد" للمقاومة بالموسيقى والحب والشغف بالحياة ومساعدة الأخرين ببساطة كما فعل "طلال السكري" بطل الفيلم؛ وحسب مقولته الحاسمة والمدوية لابنه المراهق الانفعالي: "كيف يستطيع الإنسان أن يساعد أخاه الإنسان". الحرب وحشية وإن لم تظهر بأسلحتها وقنابلها وقصفها المدوي هنا، لكن صداها موجود في تفاصيل يعيشها الناس، وهي في الوقت نفسه اختبار متعدد الزوايا، يكشف المستتر والمتحوّل في المجتمع، ويكشف أيضا مزايا الأفراد ونواقصهم، ومن خلال هذا الاختبار وكشفه تبرز قصص التعاطف والتآزر في المحن، كما ظهر في قصة الفيلم من خلال طلال السكري (فادي صبيح)، عازف الكونترباص الذي تستدرجه الصدفة إلى مواجهة وضعه الجديد تحت وطأة الحرب؛ في حاضره المكسور بين أمس جميل بأحلامه الصغيرة وغد يشبه ورقة اليانصيب، وطلال مجبور على عبور هذا البرزخ بين الزمنين تطوقه عواطفه الخبيئة فيما يمتحن مفاهيم كان يعتقد أنها عصية على التبدل، من حسن حظه أن الحرب لم تسلبه إنسانيته، ليكون من العلامات التي تجعل الحياة ممكنة في مدينته التي استنزفتها الحرب والحزن وقلة فرص العمل وانقطاع الكهرباء، تفاصيل كثيرة هي أفخاخ حقيقية يعبرها عازف الكونترباص بغريزة تتشبث بالفرح والصحو ومساندة عجوز يصادفه في "حمام" مقهى، مكان غير متوقع في لحظة يائسة يمر بها طلال الذي يبحث عن عمل يعيل بها أسرته، والعم إبراهيم العجوز (جرجس جبارة) الذي يتأوه وجعا من آلام الكلية، هي اللحظة التي تلتقط الاثنين وتغير مسارهما إلى نهار جديد. يعرف عبد اللطيف عبد الحميد كيف يختار شخصياته لكي ينبئنا بالحكاية ويجعلنا نتخيل معه بما في وسعنا من خيال، موسيقى في منتصف العمر وعجوز ودود يلتقيان ثم تكتمل الدائرة بزوجة حنون وقوية "رنا شميس" هي أيضا موسيقية وتمتلك صوتا جميلاً وحبيبة سابقة "أمل عرفة" عازفة كمان لديها طاقة كبيرة من الفرح والتمرد، الجميع يتبع وترا واحدا في كونشيرتو كأنه صدى لما تبقى لهم من أمل، إنه وسيلتهم في النجاة من الخوف والحزن والحرب، كل واحد فيهم شريك في الحالة التكثيفية التي صنعها "عبد الحميد" كي يعبر بحكايته من خلال شخوصه الذين يتبادلون كل المشاعر الغريزية البشرية بدون عبث الأيدلوجيا، حتى بمن فيهم الابن المراهق الذي تجتاحه رعونة عمره الصغير وتجعله انفعاليا ومتسرعا لدرجة أنه يتعارك مع صديقه ويضربه وهو ضيفه في منزله لاختلاف الرأي فيما يحدث على الأرض السورية، فحتى هذا الصغير بالرغم من صلافة ظاهرية هو خائف ولديه حس إنساني خفي يتطلع إلى الفرح ووطن على مقاس أحلامه الفتية في الجمال والعدل، هذا ما أراده أيضا "عبد الحميد" في عزفه المنفرد بفيلم ينقل لغته السينمائية الخاصة بشفافية على صعيد الشكل والمضمون، وكاميرا تفصيلية تنسج صورا عن حزن يرتسم على وجوه ووجدان شخوصه البسيطة وطموح للانفلات منه، وترصد ملامح الأمكنة كأنها تختزنها في الذاكرة: صور أم كلثوم وعبد الحليم حافظ سعاد حسنى على جدران منزل طلال شاهدة على حكايته ومتوازية مع صوره هو شخصيا محتضنا لآلته الكونترباص؛ فيما تعزف أصابعه على أوتارها الأربعة وتكاد أن تنطق الصورة بصوت جهير على خلفية من الحدث المتصاعد، ممرات ضيقة، غرفة فقيرة على سطح مهجور، مقهى صغير ومطعم صاخب، شارع واسع متثاقل بتأثيرات الحرب، أركان البيوت الصغيرة لا تتوقف عن بث الدفء بالرغم من الضجر وانقطاع الكهرباء. "طلال" يعزف على آلته الضخم ويعاونه رفيقه على الطبلة؛ يعمل معه في المطعم بعد أن أقنعه أن ذلك أفضل من الفراغ والبطالة:" اشتغل أحسن من قعدة البيت والكهرباء المقطوعة"، وحبيبته السابقة تشاركه بالعزف على الكمان؛ وهي المنفصلة عن زوجها الثري/ العنيف، وتعاني من ضغوطات اجتماعية، فيما تعمل سائقة تاكسي تنقل النساء فقط؛ إذ تنفق على والدتها التي تعيش معها بلا عائل، حيث هاجر شقيقها الوحيد إلى أمريكا، ثم تنضم إليهم زوجته التي تعمل في محل للأزياء لتشاركهم بالغناء في مشهد يختصر شحنة الإحساس الذي يستنطق الحياة البديهية وإيقاعها المتموج بين الحب والغيرة، مضمون إنساني بأبعاده الدرامية والجمالية، متوغل في مأزق الفرد السوري الناتج من الحرب، والرغبة في التحرر من التباسات العيش على التخوم القاسية للقهر والوجع، وهذا ما يميز الفيلم إضافة إلى أنه يمتلك نصّا سينمائيا قادرا على التعامل الأسهل والأسلس مع المتلقي، من دون أن يتخلى عن عمقه الدرامي في طرح أسئلته والتنقيب في بؤر الألم وانفعال الذات وهيام الروح وسط القلق الخارج من أتون الحرب المندلعة في الأمكنة كلها، تفكيك الواقع، وذلك بسرد تفاصيله الإنسانية، وكذلك السخرية التي استخدمها "عبد الحميد" في صوغ المشاهد والصور وكذلك في الحوار، في قالب وازن بين عنف اللحظة وجمال الصورة السينمائية، ما يعني أنها تحقق مرادها في ثنائية الكلمة والصورة وتقوم بتشريح الحكاية وواقعها العام، كوسيلة لفهم تداعيات تلك الحرب، والمتفرج يجد نفسه متوغلاً في العالم الذي يصوره "عبد الحميد" كما يشعر به وكما بنقله في فيلم مفعم إنسانيته القصوى في إعادة بلورة المعطيات الحية والواقعية، ولا عجب أن يجد الجمهور نفسه متماهيا مع الفيلم وأن يمنحه جائزته كرد فعل لإعجابه واحتياجه لسينما تحقق معادلة السينما والفرجة، وقد نال المخرج عبد اللطيف عبد الحميد جوائز كثيرة؛ محلية ودولية على مدار مساره السينمائي منذ بداية الثمانينيات وحتى الآن، بدأها فيلمه الأول "ليالي ابن آوى"، ذهبية مهرجان دمشق، ذهبية كورسيكا في إسبانيا، ذهبية أنوناي للفيلم الأول في فرنسا، وفيلمه "رسائل شفهية"، برونزية مهرجان فالنسيا وثلاث جوائز في مهرجان مونبيلييه، ثم فيلم "صعود المطر"، أفضل إنجاز سينمائي في مهرجان قرطاج وثلاث جوائز في مهرجان دمشق السينمائي، وجوائز أخرى لأفلامه "نسيم الروح" و"قمران وزيتونة" وغيرهما، لكن في تصوري أن جائزة الجمهور هي الأثمن والأجمل بالنسبة لأي مبدع.