قل الإنتاج الموسيقى ل"سونار" و"صوت الدلتا" منذ سنوات، رغم أنهما أنتجتا لمعظم نجوم الوطن العربي أنجح ألبوماتهم الغنائية.. ألا يستحق مغامرو هذه الشركات أن ينالوا التكريم؟ منذ الأول من نوفمبر الجاري، وانطلقت فعاليات الدورة رقم 27 لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية السابع والعشرين، الذي تنظمه دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور مجدي صابر، وتستمر حتى 12 من الشهر نفسه، ويضم 43 حفلا فني على 7 مسارح (الكبير- الصغير - معهد الموسيقى العربية - الجمهورية - دمنهور - الإسكندرية - طنطا)، بمشاركة 72 فنانا وفنانة من 8 دول عربية (مصر- السعودية - الكويت - تونس - العراق - لبنان - البحرين - الأردن)، واختارت إدارته الفنانة الراحلة شادية لتكون شخصية الدورة والتي يتم إهداؤها إلى روح كل من الموسيقار ميشيل المصري وعازف الكمان سعد محمد حسن. وكعادته يُكرم المهرجان في كل عام عددًا من رموز صناعة الموسيقى في مصر والعالم العربي، بمنحهم دروع المهرجان، وذلك تقديرًا لهم على مسيرة حركوا فيها مشاعر وعقول الملايين، وأثروا الفن بأعمال قيمة يذكرها الجميع، وفي الدورة السابعة والعشرين، منح المهرجان دروعه ل17 شخصية مبدعة، وبدأت التكريمات باسم الراحلة وكعادته يُكرم المهرجان في كل عام عددًا من رموز صناعة الموسيقى في مصر والعالم العربي، بمنحهم دروع المهرجان، وذلك تقديرًا لهم على مسيرة حركوا فيها مشاعر وعقول الملايين، وأثروا الفن بأعمال قيمة يذكرها الجميع، وفي الدورة السابعة والعشرين، منح المهرجان دروعه ل17 شخصية مبدعة، وبدأت التكريمات باسم الراحلة شادية، ثم اسم ميشيل المصري، وسعد محمد حسن، صلاح عرام، حلمي أمين، حازم سليم، رياض الهمشري، حليم الرومي، عبد الرب إدريس، عماد الشرنوبي، نوال الكويتية، سعيد الأرتيسيت، سمير الإسكندراني، قدري سرور، حبيب ظاهر العباس، محمد بغدادي، بدر الزقاقيقي، وأخيرًا النجمة لطيفة. ومهرجان الموسيقى عادة ما يحرص على تكريم أعداد كبيرة من صناع الموسيقى في الوطن العربي في كل عام، فهذا العام مثلًا يتم تكريم 17 شخصية، والعام الماضي تم تكريم 25 شخصية، وهكذا، وفي ظل هذه الأعداد الكبيرة من التكريمات يتغافل المهرجان دائمًا عن تكريم الكثيرين من صُناع الموسيقى الحقيقيين، وفي المقدمة منهم القائمون على شركتي "سونار" و"صوت الدلتا" تحديدًا، حيث قامت على يد هؤلاء حقبة جديدة من الموسيقى العربية في الثمانينيات والتسعينيات والتي ما زلنا نعاصر عددا من فنانيها حتى الآن. الساحة الغنائية في أواخر السبعينيات كانت تمر بأوضاع صعبة، نهاية عصر التطريب بموت عبد الحليم حافظ وأم كلثوم جعل الساحة فارغة تقريبًا حتى مع وجود مطربين أصواتهم جيدة، لكن لم يستطع أحد أن يملأ فراغهما، كان لا بد من استقبال أنماط موسيقية مغايرة لما اعتاد عليه الجمهور العربي، ونقل الأداء من حالة الطرب الصعب، والألحان الثقيلة، إلى حالة جديدة غير مألوفة على الأذن العربية، فهل من مغامر؟ سونار في تلك الفترة ظهرت على الساحة الشركة الوليدة "سونار"، لمالكها الأكبر الدكتور هاني ثابت، وعقلها المدبر فايز عزيز، وعقلها الاقتصادي حسين عثمان، وبدأت الشركة بأولى ثوراتها من خلال الفارس الجديد محمد منير، ونقلته من مقاهي المثقفين في وسط البلد إلى عالم الكاسيت، وكان موعد الانطلاقة بأول شريط "علموني عنيكي" مع الموسيقار هاني شنودة وفرقته عام 1977، وفشل الألبوم تجاريا فشلًا ذريعًا، يتحدث ثابت عن ذلك في حوار ل"صاحبة السعادة"، ويقول: "الموزعون قالولي إنت عايز ده يتباع إزاي؟ إيه الكلام الفارغ ده؟". التجربة لم تُحبط مالك الشركة، وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة، تقرر إنتاج ثاني ألبومات منير (بنتولد) في عام 1978، وأيضًا لم يحقق الألبوم نجاحًا، ويُكمل ثابت: "في الألبوم الثالث هاني شنودة خلع وعمل فرقة (المصريين) مع عاطف منتصر، فتعاونا مع يحيى خليل، وأطلقنا الألبوم الثالث عام 1981، وهو (شبابيك)، ولاقى هذا الألبوم نجاحًا كبيرًا، وحقق مبيعات ضخمة، وأحدث طفرة في عالم الموسيقى من خلال خلط الجاز الغربي بالإيقاع الشرقي والنوبي، وبدأت حكاية محمد منير". لم يكن ذلك النجاح هو بداية لحكاية محمد منير فقط، ولكن بداية جيل كامل، ففي نفس الفترة غامرت الشركة بالشاب الليبي حميد الشاعري المتأثر بتجربة ناصر المزداوي الناجحة، ليُعيد تقديم أغانيه في ألبومه الأول "سنين"، ولكن فشل فشلًا ذريعًا هو الآخر، وفاق عدد نسخ الألبوم المسترجعة من السوق عدد النسخ المباعة، ولكن "سونار" أصرت على إتاحة الفرصة مرة أخرى لعمل ألبوم ثان، وتعاون خلاله مع فرقة يحيى خليل، ما عدا أغنية واحدة وهي "وين أيامك وين"، حيث أصرّ على توزيعها لنفسه، والمفارقة أن الألبوم حقق نجاحًا كبيرًا بفضل هذه الأغنية، وانطلق معها قطار حميد الذي أحدث نقلة هائلة في شكل الموسيقى العربية. تجربة "سونار" لمنير وحميد كانت قاطرة لنهضة حقيقية موسيقية، وقادت الشركة موهبة عدد كبير آخر من النجوم، وعلى رأسهم حكيم وحنان وعلي عبد الخالق وإيهاب توفيق ومصطفى قمر وسميرة سعيد وأنغام، وغيرهم من الفنانين الذين قامت على أكتافهم الأغنية العربية لسنوات، فلماذا لا يتم تكريم صًناع شركة "سونار"؟ صوت الدلتا تجربة "سونار" كانت مُلهمة لموسيقي آخر، وهو عازف الجيتار تيمور كوتة، حيث قرر تأسيس شركة إنتاج بعدما عرض عليه والد زوجته أنه سيُساعده في أن يحظى بتمويل مشروع من قِبل "بنك الدلتا" الذي يعمل به، وبذلك أُنشئت شركة "صوت الدلتا" مارس عام 1980، والتي لم يكن يعلم مؤسسها حينها أنها ستسهم في قيادة جيل غنائي جديد. أنتجت الشركة أول ألبوم لها وهو "وماله" لفرقة "طيبة" لحسين ومودي الإمام، ولم ينجح تيمور في تسويق الألبوم، ثم قرر سحب النسخ الموجودة بالأسواق، وعرض على حسين ومودي إعادة تقديم وتعريب أغنية الأطفال الإسبانية "كوكو واوا"، وبالفعل ضمها للألبوم وحقق نجاحًا كبيرًا حتى إن النسخة الأولى من الشريط بيعت في أول 20 يومًا. انضم للشركة محمد ثروت وقدّم ألبوم "رشا" الذي حقق نجاحًا كبيرًا، ومن بعده "بلدي"، وبعدما أطلق عمرو دياب ألبومه الغنائي الأول "يا طريق"، ورغم أنه لم يحالفه النجاح، فإن كوتة آمن به وتعاقد معه، وفي عام 1984 طرح له ألبومه الثاني "غني من قلبك"، ثم ألبومه الثالث "هلا هلا"، وفي 1987 أصدر له الألبوم الرابع "خالصين"، وصولًا إلى النجاح الأكبر في عام 1988 من خلال ألبوم "ميال" الذي كان بابه إلى عالم الشهرة، وشهد بداية تعاونه مع الموزع حميد الشاعري، وغيرها من النجاحات التالية حتى بلغ حصيلة تعاون الهضبة مع "صوت الدلتا" 14 ألبومًا. تعاونت الشركة مع العديد من النجوم أيضًا، وأبرزهم علي الحجار وألبومه الشهير "اعذريني" الذي حقق نجاحًا كبيرًا، وكذلك ألبوم "الأحلام"، ومحمد فؤاد بعد أن تقاعد منتجه الكبير عاطف منتصر الذي يستحق التكريم أيضًا، وحقق ألبوم "ياني" تحديدًا نجاحًا كبيرًا، وناصر المزداوي في ألبوم "راجع"، وعامر منيب في "أول حب"، وراغب علامة في "برافو عليكي"، وطلعت زين "تعالى"، وزينب "بحبك"، ورياض الهمشري "بحبك"، وسامي علي "دوسة"، وخالد علي "محتار"، وبحر أبو جريشة "كفاية بعاد"، وسمير الإسكندراني "مين اللي قال؟"، وغيرها من الألبومات الناجحة للعديد من المطربين الكبار. في عام 1996، باع تيمور كوتة "صوت الدلتا" لنصيف قزمان، وحققت الشركة نجاحات كبيرة في عهده أيضًا خاصة مع جيل الألفية الجديدة وعلى رأسهم محمد حماقي في العديد من ألبوماته والتي بدأت في عام 2003 ب"خلينا نعيش". قلّ الإنتاج الموسيقى ل"سونار" و"صوت الدلتا" منذ سنوات طويلة، رغم أنهما أنتجتا لمعظم نجوم مصر والوطن العربي أنجح ألبوماتهم الغنائية، ولكن ألا يستحق مغامرو هذه الشركات أن ينالوا التكريم خاصة بعدما تقدّم العمر بهم؟ كلنا نعلم أن لحظات التكريم في حياة الفنان لا تنسى، لا سيما إذا ما كانت من مهرجان بحجم الموسيقى العربية؟